أولي عتبات المجموعة( عاشقة الليل) قصة التركي حامل الرأس ولكن المجموعة حملت اسم احدي القصص القصيرة القوية بامتياز, هذه هي القصة الشاعرية الوحيدة بالمجموعة وإن لم تخل من روح الكفاح والتمرد, أهداها الكاتب إلي روح الشاعرة العظيمة نازك الملائكة فكانت عنها ومنها, وهي من أوائل من تمردوا علي الشعر العمودي ذي القافية وكتبت شعر التفعيلة. ولكن هذه القصة وهذا العنوان الرومانسي الرقيق الحالم لا يدل علي حال هذه المجموعة القصصية, بمعني أن خط المجموعة لا يتماشي مع خط هذه القصة بالذات, ربما هذا الاختيار المعاكس لما تعودناه من اختيارات الكتاب للقصة الأفضل أو التي بها روح مجموعتهم القصصية وتشير إلي اتجاهها ولكن أحمد محمد جلبي, المتألق اختار القصة المغايرة للتوقع والمفترض فأحسن التمايز. التركي حامل الرأس إذن عتبة نصنا, وفي إطلالة سريعة علي تكنيك القصة لفك شفرة بناء أغلب قصص المجموعة. تبدأ القصة بوصف تمثال فارس قديم يعجب به البطل الراوي, ثم يتداخل مع الوصف( مونولوج/ داخلي) بانتقال سريع دون فواصل للفقرات أو إشارة لأي قطع- ملاحظة: كلمة ناقصة( أين تراه رأي ذلك؟! في اليقظة؟!( الكلمة الناقصة هي أم في المنام؟!). أسلوب الكاتب به موسيقي إيقاعية مميزة تضفي علي سرده لغة شاعرية مؤثرة. ص7( ووصف حكاء القلعة لهيئة فرسان المنصور الأشرف, في كابوس الخوف الجاثم علي قلبه حين تفوه بعبارات الشتم للجالس علي كرسي ولاية الصدر الأعظم, وقناديل الدرك الترك تدك الأبواب, بحثا عن هارب من عدل ألبيك). نحن نري الإيقاع الذي يتخذ شكلا من التدفق ثم.. حوار غير واضح البداية بذات الأسلوب الجميل ذي الموسيقي الداخلية ربما مع وجود أخطاء( أم الوالي.. بدلا من أو الوالي؟). ص8 قطع بمونولوج داخلي, تعليق البطل الراوي علي حوار المرشد السياحي. يعتمد الكاتب علي ضمير المتكلم وهو من أشد الضمائر صدقا عند الحكي, خاصة عندما يحكي المؤلف/ الراوي عن حادثة إنسانية عامة وفي ذات الوقت إنسانية غاية في الخصوصية, والمبدع الذي يجيد هذا الفن دائما ما يحقق نجاحا في الإقناع والإمتاع, وتظل قصص هذا الفن ملقية بطيفها لفترات تدوم.. كثيرون كتبوا عن الثورة- بحماسة- أصوات عالية, درجات انفعال متفاوتة حارقة في مجملها, لكن أحمد محمد جلبي أو البطل الراوي هنا يحكي عن الثورة وهو في قلب الميدان لا يحكي أحداثا- كما نجد عند كثيرين وإنما يدخلنا قلب الحدث بمشاعرنا وقلوبنا وعقولنا وكأننا نحن أبطاله, كالعادة يبدأ بمقدمة تحشدنا لما هو آت.. مدرس متنقل من مدرسة لأخري من عام لآخر, يجدد العقد الذي قبل أن يوقع عليه قد وقع علي استمارة6 التي تعني تقديمه استقالته مسبقا وتنازله عن كل مستحقاته; بحيث يطرده صاحب المدرسة في أي وقت شاء وبأي طريقة يراها مهما كانت مزرية, وحتي لا تحسب له الوزارة فترة خدمة خبرة يكون لها علي المدي البعيد مردود, بضعة جنيهات لا تغني من جوع رغم أن صاحب المدرسة لن يتضرر من حفاظه علي هذا الحق للمدرس ولكنه من باب( لا يرحم ولا يترك رحمة ربنا تنزل كما يقولون) والمرتب في حد ذاته لا يكفي مجرد المواصلات فما بالنا بحياة؟ فقامت الثورة علي أيدي شباب من الجنسين, مشهد تدفق الجموع وثورتها, ثم ارتفاع سقف مطالبها, جميعهم مقهورون; فلا حياة كريمة, المطلب الأساسي عيش حرية عدالة اجتماعية, والبطل الراوي يحمل شابا ثائرا أصيب, تقوم إحداهن بخلع طرحتها لتضميد جراحه ومنعها من النزف, البطل يحمله بمساعدة بعض الشباب ولما تسوء حالته يطمع كثيرون في المتاجرة بجرحه, بل بدمه, حتي لو أدي ذلك إلي تأخر إسعافه بل ووفاته!؟ الجملة المفتاح ص74( هاتوه معنا واتركوه بدمه الذي يغطيه فهو هكذا يثير الجماهير أكثر) استماتة البطل في الدفاع عن المصاب وحمايته حتي يتمكن من تضميد جراحه وعلاجه, تصميم الآخرين علي المتاجرة بدمه إلي أن يتدخل أحدهم وهو الذي كان يفسح لهم الطريق ويقول للمتجمهرين الغاضبين: اتركوا له أخوه) ذكاء من البطل أن يتشبث بالمصاب ويدعي أنه أخوه في بطولة ورجولة يحسد عليها, لا يتركه وينام بجواره إلا بعد أن يطمئن عليه في مكتب المحامي الشاب الذي استضافهم شهامة منه وبعد أن أتي أهل المصاب, حتي أنه أمه قبلته وهو نائم ودعت له بالخير. الأجمل أن الشاب المصاب كان واعيا لكل ما دار حوله وكل ما حدث له, وخفف عنه قهره وهزيمته استماتة الشاب البطل في الدفاع عنه ومساندة الفتيات والشاب الذي كان في المقدمة والمحامي الشاب وفي حمايته ومساعدته, فالشخصيات هنا مرسومة بدقة بكلمات قليلة تصف من الشخصية المطلوب منها دون زيادة أو نقصان وهذه حرفية نادرة المثال; فقد أجاد الكاتب رسم لوحة للشخصية المصرية بقوة وللنفس الإنسانية في لحظات الغضب والثورة وكبح جناحهما في حكمة مما يرفعها عاليا فتحية لأحمد محمد جلبي, فقد أجاد وأرهق وصعد وحلق, نوع العوالم والموضوعات واحسب أنني لدي ما أقوله أكثر من ذلك في وقت آخر وحديث علي طاوله نقاش أوسع من مقال و..؟؟