تبني الكاتبة عزة دياب روايتها لقاء وهو اسم بطلة الرواية, في عدد من المحاور, منها محور هذه البطلة, أو الريفية الساذجة{ بتعبير الرواية}وتجربتها السريعة مع عماد قناص النساء, ومحور هذه المرأة وتشابكات حياتها مع زواجها الثاني, ودورها مع أمها المريضة بالسرطان, والمحور السياسي. رأته في امتحانات السنة النهائية في كلية الحقوق تعليم مفتوح,قدمه لها أحد الزملاء, علي أنه أستاذ في القانون, وكاتب مقالات في الصحف والمجلات,لم تتجاوز في حوارها معه إلي العواطف,وبخطي مدروسة تقترب منه وتبتعد,كأنها تعيد إنتاج أيام المراهقة,اكتشفت أن لديها قدرا كبيرا من المكر والغواية!. تلك هي تعبيرات الكاتبة عن تجربة لقاء وربما لأن لقاء هذه تملك هذا القدر من المكر, والقدرة علي هزيمة الغواية, سافرت له إلي القاهرة, صارت في قلب شقته! أحافظ علي جلدي نظيفا من ملامسة الرجال نجحت الريفية الساذجة في الإفلات من القناص, رغم إغرائه لها بتناول الغداء في المطعم الفاخر كان قد حدده أجرا لعاهرة أتي بها كل هذه المسافة, وعندما فشل في إتمام صيده كما أراد تجاهل الغداء, ذلك القناص الذي لم يحاول احتجازها في شقته غصبا عنها, كي يظهر لها وجه الحمل لا وجه الذئب, فله نفس طويل, وهو لم يلتقطها من الشارع, بل هي التي جاءت له من رشيد إلي القاهرة, فرغبتها التي ساقتها إليه طواعية, يمكن أن تسوقها مرة أخري, ترك الباب مواربا. هي; مهجورة الزوج مثل آلاف النساء, وهو يدعي الشقاء والتعاسة مع زوجته, كما ادعي بأنه دكتور في القانون, ويكتب المقالات للصحف والمجلات الكبري. وكأن الكاتبة جاءت بتلك المشاهد التي تملأ حياتنا, لكي تصور بأسلوبها القاسي, وبتعبير بليغ, مشهد المرأة وهي تسير وراء رجل في الشارع الذي يسكنه علي استحياء تقف المانيكان أمام المحال شواهد علي امرأة تتبع رجلا يصب في أذنها معسول الكلام, وكأنه يجر عنزة للمذبح برفق وتأتي الكاتبة بقصة العصفور, كمعادل موضوعي, يوما ما; ربطه المراهق الذي أصبح زوجها, وراحت تستعطفه أن يفك الخيط من ساقه النحيلة, فهل ذلك سوي استعطاف للقناص القاهري أن يفك أسر القروية الساذجة ؟. تأتي إشارة في رواية ما, كتمهيد لموضوع آخر, ورواية عزة دياب مليئة بالإشارات, التي يمكن تفسيرها وإسقاطها علي موضوع يبدو أساسيا, فقد يصح القول بأن مصر هي العصفور الذي وقع في مصيدة الإخوان, وإن كان الاستعطاف هنا لن يفيد, ثم ألم تذهب مصر برجليها لحكم الإخوان, كما ذهبت المرأة الريفية الساذجة؟ فلا غرابة في هذا التأويل, فمن الواضح أن المحور السياسي في الرواية هو الأساس. في الوقت نفسه تنعي لقاء حظها: مشاعري صدئت في انتظار زوج غائب,هكذا; علي طول خط الرواية تجد الأسلوب الفني والسرد الروائي السلس, فأمها التي تسير بينهم بدم متسرطن تصفها الكاتبة وتوظف مفردات من طبيعة عملها في المجال الطبي تتقاتل كرات دمها مع اختلاف ألوانها, خلف زجاجية عينيها ووجهها الصبور فقد سافر زوجها ميكانيكي السيارات إلي دول الخليج ولا رجعة, لكن ما ذنب جلد بطني أن يترهل دون حمل, وثديي في أن تموت حلمتاهما دون أن ألقمهما لوليدي؟ ولدي الكاتبة خبرة واسعة بالبيئة التي تعيش فيها, وهي بيئة الصيادين والبحر, يظهر ذلك من خلال تصاريف الرواية, مع شخصياتها ومشكلاتها, بيت الجدة التي نشأت فيه لقاء, والجد وابن الخالة وماما تحية, ومدرسها, جارهم, الذي أصر أن ينادي عليه تلاميذه بابا ناجي, والذي كان يتلصص علي ملابسها الداخلية المنشورة في ركن بحمام شقتها. وقد يبدر لنا سؤال: أيهما حمل الآخر؟ هل البعد الاجتماعي في الرواية حمل البعد السياسي.. أم العكس؟ هل هي رواية سياسية بمعالجات اجتماعية من تلك التي قرأناها في أعمال لكتاب آخرين؟ أم هي رواية اجتماعية جاءت في زمن حكم الإخوان والثورة عليهم؟ ولأن البعد الاجتماعي لا يحمل خصائص وسمات معينة, جاءت نتيجة هذا النوع من الحكم الدولة الدينية, فهي موضوعات حياتية نعيشها في أي عصر, لذا فهي رواية اجتماعية أرخت لتلك الفترة. وفي المعالجة السياسية جاءت الكاتبة بعكس المألوف, أو بما لم يحدث أصلا, أو بما كان الشعب يتمني أن يحدث, يتخلي رئيس الإخوان عن الحكم, فالمهمة أصعب مما كان يتصور, ويستعد الإخوان لرجمه, فتصحو الراوية من نومها وهو يصيح أنا الرئيس الشرعي وتخلط عزة دياب الخاص بالعام, فهي وإن كان زوجها قد هجرها منذ زمن, وإن كانت حرمت من طغيان الأطفال الحلو, لعبهم وشقاوتهم وبهدلتهم لمفارش شقتها, وحينما كان التليفزيون يبث خطاب الرئيس عن الشرعية, تذكرت قول أبيها اسمك متجوزة.. الشرعية الغائبة!