شوارع القرية معتمة, الضوء الشحيح المنبعث من عامود النور لا يكاد يكشف عن شخصيات السائرين القلائل في الدروب فيبدون كأشباح تتحرك بحذر, يجلس عم حسن علي دكة خشبية عتيقة أمام باب الدار, يقترب منه شبح محني الظهر لا يتنبه إليه حتي يهزه برفق, ينظر عم حسن إلي جاره ويبتسم في وهن: العشا أذنت؟ سار الرجلان بهدوء وروية إلي الجامع القريب, أقيمت الصلاة, صليا العشاء, وبعده ركعات اختتمت بالوتر, وعلي باب الجامع تصافحوا وسار كل واحد منهم في طريق, قال أحدهم بصوت عال: تزوج يا عم حسن! سار عم حسن مع رفيقه صامتا, كان يفكر; لم لا؟ إنه وحيد, ماتت زوجته وهجره ولداه, استقل كل واحد منهما بحياته, وأحدهما غربته لقمة العيش, ولكن كيف؟ إنه رجل تجاوز الستين من عمره, يعاني أمراض الشيخوخة, وأكثر ما يعانيه ضعف السمع وهو ما يضاعف شعوره بالوحدة, فجأة سأل رفيقه: مين ترضي تتجوزني؟ ابتسم رفيقه: عروستك عندي! تزوج عم حسن, امرأة في عمر أولاده, وحيدة مثله, كان يبحث عن الرفقة والونس, وجدهما عند( ليلي. ب) فسلم لها زمام نفسه, واستكان لصحبتها ورضخ لكل أوامرها وطلباتها, وعندما طلبت منه أن يبيعها بيته وممتلكاته رفض, قال لها إنه في آخر أيام حياته, وستأخذ نصيبها مما يملك بعد رحليه ميراثا شرعيا, والباقي لولديه, هددته بتركه فأصر علي الرفض, استعانت بأمين شرطة من معارفها وأجبرته علي توقيع صكوك البيع, ونفذت ما خططت له, وأخذت ما تراه من حقها ثمنا لخدمة رجل مسن مريض ورعايته. تنام قرية الخرمان بأطفيح وتصحو علي حكايا البيوت وقصص الحب والزواج والحمل والولادة, تحكي النساء وتنقل نسمات المساء الحانية الأخبار بين الحواري والأزقة حتي وصل خبر بيع عم حسن ممتلكاته لزوجته الجديدة إلي ابنه أحمد الذي يعيش في الطرف الآخر من القرية مع أسرته, يتقصي أحمد الخبر ويتأكد منه فيشد الرحال إلي شقيقه محمد الذي يعمل ملاحظا في سكة حديد الواسطي, يسرع الأخوان إلي ليلي يستفسران فتواجههما بالأوراق التي بحوزتها, وتطردهما من بيت أبيهما الذي صار بيتها. علي حافظ