الزيارة المفاجئة لوزير الدفاع الأمريكي أشتون كارتر إلي العراق تكشف عن المأزق الأمريكي في عراق ما بعد داعش, فالولايات المتحدة تحاول إبطاء تقدم الجيش العراقي إلي آخر المعاقل المهمة لتنظيم داعش في العراق, وهي مدينة الموصل ثاني أكبر المدن العراقية, وطرح كارتر إرسال560 عسكريا أمريكيا إلي العراق, تحت بند التدريب وتقديم المشورة, بينما القوات العراقية قد تحركت بالفعل إلي محيط الموصل, ووقت التدريب قد فات, وأمريكا تأخرت سنوات طويلة في تنفيذ اتفاقيات التدريب والتسليح, حتي لجأ العراق إلي كل من روسياوإيران, وبدأ يحقق نجاحات ملموسة في دحر الدواعش بدون مساعدة أمريكية, عندئذ فقط بدأت أمريكا خطوات جدية في توريد بعض الأسلحة التي تسلمت كامل ثمنها, وظلت تتباطأ في توريدها. ما هو الهدف الأمريكي الحقيقي من التدخل العسكري في العراق؟..كانت أمريكا قد نصحت القوات العراقية بالتوجه إلي الموصل قبل تحرير الفلوجة, وهو ما كان سيؤدي إلي فشل وهزيمة محققة للجيش العراقي, حيث سيترك معاقل مهمة لتنظيم داعش خلف القوات العراقية, أهمها في الفلوجة, والتي بإمكانها مهاجمة العاصمة بغداد التي لا تبعد عن الفلوجة سوي نحو50 كيلو مترا, بينما سيكون الجيش العراقي حول الموصل علي مسافة تزيد عن300 كيلو مترا, كما سيمكن لقوات داعش مهاجمة مؤخرة الجيش العراقي, وقطع خطوط إمداده, وكان سيضطر إلي الانسحاب لحماية العاصمة, وستلحق به خسائر جسيمة في طريق العودة منسحبا من حول الموصل. هذه الوصفة الأمريكية الخطيرة عارضها قادة الجيش العراقي, ورأوا أنها بمثابة انتحار وانهيار جديد للجيش الذي وضعت أمريكا لبناته, وشكلته علي أسس مذهبية وطائفية أدت إلي اختراقه وشراء ذمم بعض قادته, ولقي هزيمة قاسية أمام داعش. نفذ الجيش العراقي خطته لتحرير الفلوجة بعيدا عن التدخل الأمريكي, وحقق انتصارا باهرا بأقل الخسائر بين المدنيين والعسكريين, وانطلق لتنظيف الجيوب المنتشرة في المناطق المحيطة بالموصل, ووصل إلي قاعدة القيارة الاستراتيجية جنوب الموصل وحررها بسهولة وسرعة, وأصبح الطريق مفتوحا أمامها إلي الموصل, وهنا وصل كارتر ليطرح مساعداته, لكنها بمقابل كبير, فهو يطلب عدم مشاركة قوات الحشد الشعبي ذات الأغلبية الشيعية, والتي تدربت وتسلحت من إيران, كما يريد مشاركة قبائل سنية سبق أن تعاونت مع قوات الاحتلال الأمريكي فيما سمي بالصحوات, وأن تنسق مع البشمركة الكردية في تحرير الموصل, وهو ما يتيح لأمريكا أن تشارك في ترتيبات عراق ما بعد داعش, لكن لماذا توافق حكومة العبادي علي مشاركة أمريكية لها مخاطرها وأضرارها؟ سعت حكومة العبادي دوما إلي الحلول الوسط, وتحاول إرضاء الجميع, وتجنب المشاكل بين أطراف متناقضة المصالح, والعبادي يدرك أن أمريكا بيدها بعض الأوراق المهمة, فهي ستفرج عن بعض الأسلحة المتعاقد عليها, خاصة مروحيات الأباتشي ودبابات ومدفعية وطائرات إف16, ودعم لوجستي ومخابراتي, وهو ما يضمن الانتصار بأقل خسائر في معركة الموصل الصعبة, كما أن اشراك الأمريكان سيجنب الجيش صعوبات وعراقيل قد يضعها الأمريكان, ومازال لهم نفوذ واختراقات في القبائل والأجهزة الأمنية, إلي جانب علاقتهم القوية بالبشمركة الكردية. أمريكا لا تريد انتصارا سريعا وحاسما للجيش العراقي, وان حدث فمن المهم أن يترتب عليه مشكلات يغرق فيها, مع محاولة منع الحشد الشعبي من الوصول إلي الحدود السورية, والإشتراك مع الجيش السوري في القضاء علي الجماعات المسلحة المناهضة للنظام, خاصة أن الحشد الشعبي تعداده يتجاوز400 ألف مقاتل, تحسنت قدراتهم القتالية في الشهور الأخيرة, وأصبحوا خطرا علي مخططات التحالف الأمريكي, وتحاول حكومة العبادي التوصل إلي اتفاق يرضي به الجيش العراقي, ولا يثير غضب الحشد الشعبي, أو الجانب الأمريكي, وستحسم الأيام القادمة هذه الخيارات.