كان النبي- صلي الله عليه وسلم- مرهف الحس فياض العاطفة رقيق الشعور عظيم الرحمة وقد حفظت لنا كتب السير والسنن مواقف مختلفة مرت به- صلي الله عليه وسلم- فاهتزت لها مشاعره وتأثر بها وجدانه فيحزن قلبه وتدمع عيناه ويبكي. عن عبد الله بن الشخير- رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله- صلي الله عليه وسلم- وهو يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المرجل من البكاء رواه أحمد والنسائي كان رسول الله- صلي الله عليه وسلم- أشد الناس خشية لله وأعظمهم خوفا منه لأنه أعلمهم به فها هو- صلي الله عليه وسلم- يقف مصليا خاشعا متضرعا وجلا بين يدي ربه وهنا بكي النبي- صلي الله عليه وسلم- حتي سمع لصدره صوت كصوت الماء وهو يغلي فما صلي أحد صلاة كصلاة رسول الله وما تدبر أحد القرآن كتدبر رسول الله وما بكي أحد خشية من الله كبكاء رسول الله وما أحوجنا إلي الاقتداء والتأسي به في خوفه وخشيته من الله فهو القائل- صلي الله عليه وسلم- إني لأعلمكم بالله وأشدكم له خشية رواه أحمد- فالخوف والخشية من الله من صفات المؤمنين المفلحين قال الله تعالي: إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وقد مدح الله تعالي البكائين من خشيته فقال في: أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذا تتلي عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا( مريم:58) والبكاء من خشية الله تعالي سبب للرحمة يوم القيامة فعن أبي هريرة- رضي الله عنه- أن النبي- صلي الله عليه وسلم- قال: سبعة يظلهم الله في ظله, يوم لا ظل إلا ظله.. وذكر منهم: ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه) رواه البخاري- فمن خاف واشتد وجله في الدنيا أمن من الفزع الأكبر يوم القيامة وقد استنبط الفقهاء من هذا الحديث جواز البكاء في الصلاة وأنه لا يبطل الصلاة ورأي الحنفية أن البكاء في الصلاة إن كان سببه ألما أو مصيبة فإنه يفسد الصلاة, لأنه يعتبر من كلام الناس, وإن كان سببه ذكر الجنة أو النار فإنه لا يفسدها, لأنه يدل علي زيادة الخشوع, وهو المقصود في الصلاة, فكان في معني التسبيح أو الدعاء,واستدلوا علي ذلك بهذا الحديث والمالكية علي أن البكاء في الصلاة إما أن يكون بصوت, وإما أن يكون بلا صوت, فإن كان البكاء بلا صوت فإنه لا يبطل الصلاة, سواء أكان بغير اختيار, بأن غلبه البكاء تخشعا أو لمصيبة, أم كان اختياريا ما لم يكثر ذلك في الاختياري, وأما إذا كان البكاء بصوت, فإن كان اختياريا فإنه يبطل الصلاة, سواء كان لمصيبة أم لتخشع, وإن كان بغير اختياره, بأن غلبه البكاء تخشعا لم يبطل, وإن كثر, وإن غلبه البكاء بغير تخشع أبطل وأما عند الشافعية, فإن البكاء في الصلاة علي الوجه الأصح إن ظهربه حرفان فإنه يبطل الصلاة, لوجود ما ينافيها, حتي وإن كان البكاء من خوف الآخرة, وعلي مقابل الأصح: لا يبطل لأنه لا يسمي كلاما في اللغة, ولا يفهم منه شيء, فكان أشبه بالصوت المجرد وأما الحنابلة فإنهم يرون أنه إن بان حرفان من بكاء, أو تأوه خشية, أو أنين في الصلاة لم تبطل, لأنه يجري مجري الذكر.