من أكثر الأشياء التي قد تصيبنا بالدهشة هي ردة فعل لأحد الأصدقاء.. عندما يصفك( بالقوة) في نهاية حوار دار بينكما, وحين كان منشغلا معك في الحديث عن خصوصياته, يشتكي إليك بألم, ويحدثك عن همومه التي أثقلته, ويفتح قلبه لك من أوسع أبوابه, ويكون الحوار بينكما عبارة عن( فضفضة). تكون أنت مستمعا له, في حيرة وتعجب مما سترد عليه تارة, وفي تعاطف معه تارة أخري, تتساءل قبل الرد عليه: هل سأتمكن من مساعدته؟..هل سأكون علي قدر الثقة التي منحني إياها؟..وهل سأكون صديقا جيدا له؟ وبعد الانتهاء من حديثه, يخبرك أنه بحاجة إلي حل لمشكلته التي تحدث عنها, أو علي الأقل أن تخبره بوجهة نظرك, حينها تبدأ أنت تحاوره وتشاركه الآراء والحلول, وكأنه سيناريو أنت من كتبته وتقرأه أمامه, إنه ليس مشهدا تمثيليا فحسب, إنه مشهد حقيقي, ولا رواية أنت مؤلفها, بل أنت بطلها..تتحدث بمفردات لم تعتد عليها, غير مألوفة لم تخطر في بالك, وخارجة عن النص المتعارف عليه, تحاكيه بقوة..تخطط له ماذا يفعل؟..وما عليه ألا يفعل؟..قد تجد نفسك حكيما أو فيلسوفا, أو ربما طبيبا نفسيا يدرك تماما مجريات الأمور وتفسيراتها, وتوصيه بالقوة والصمود والصبر, وتمنحه المزيد من الدعم المعنوي, وتتعهد له بأنك ستساعده في حل وتخطي مشكلته..وأنك بجواره حتي تتأكد من كونه بخير..حينها يقول لك( شكرا), ويردف حديثه بالتمني بأن يقول لك:(يا ليتني مثلك كنت قويا)!. حينها تصاب بالذهول والدهشة..ويمر أمامك شريط من ذكريات حياتك..تجاربك..همومك..تفاصيلك..شئونك..وتتساءل:هل أنا حقا قوي؟..ولكن بعد تخطي المشكلة..أخرج منها إنسانا جديدا وكأنني وليد اللحظة..أخلع ثوب الهموم التي ألبستني إياه الحياة لفترة من الزمن, وأقف صامدا وأنفض الغبار عن كتفي. فلقد علمتني الحياة, عند الوقوع في المشاكل, ليس أمامي سوي خيارين:إما أن أدفن رأسي في الطين كالنعامة, أو أرفعه عاليا إلي قمم الجبال..فالمشاكل هي بمثابة الطرف الآخر في حلبة المصارعة لمواجهته, وحينها عليك أن تكون مدافعا ذكيا وليس مهاجما شرسا. حياتنا ربما تكون أشبه بعجينة الصلصال الملونة التي كنا نلهو بها في طفولتنا, ونصنع منها ما يحلو لنا من الأشكال..ومن كثرة الضغط عليها تراها تمتزج جميعها, حتي تصبح كتلة واحدة ولونا واحدا, وهو اللون الأسود, فنحن تشكلنا ضغوط الحياة من إنسان حزين تارة إلي إنسان مرح تارة أخري..أو إنسان خائف أو قلق أو ضائع, حتي نصبح كتلة من المشاعر الممزوجة, غير واضحة اللون والمعالم, وما يبدو عليها هو خلاصة ما فعله الزمان بقلوبنا, حتي تصبح كالحجر, أو ربما تكون حياتنا مثل قرص نيوتن الذي يحول جميع ألوان الطيف السبعة إلي اللون الأبيض, وأخيرا يا صديقي, فليكن الدوران هو المشاكل التي تحول ألوان حياتك إلي اللون الأبيض بعد مواجهتها, ولا تكن عجينة الصلصال التي تتحول إلي اللون الأسود مع الضغوط. فقط اتخذ موقفا حاسما..وحاول أن تنظر إلي الحياة من أفق أوسع ومن منظور آخر..فأنت أضعف ما يكون في مواجهة مشكلاتك, وأقوي ما تتخيل عندما تقرر أن تكون قويا ومستعدا للمواجهة, حينها قرر ألا تشكرني وقل لنفسك شكرا; لأنك قادر. دعوني أخبركم شيئا: الصداقة لا تقدر بثمن, فكم هو رائع أن تشعر أنك صديق جيد, وأن تأتيك رسالة شكر من أكثر من صديق يخبرك فيها كم كنت رائعا بوقوفك معه ودعمك له, وأنك كنت سببا لتخطيه مشكلته, حينها فقط تعرف قيمة ما فعلته بك خلاصة تجاربك في الحياة..ففي مواجهة مشكلات الحياة كنز ثمين لا نعرف قيمته إلا مع مرور الوقت.