كان النبي, صلي الله عليه وسلم, مرهف الحس فياض العاطفة رقيق الشعور عظيم الرحمة وقد حفظت لنا كتب السير والسنن مواقف مختلفة مرت به, صلي الله عليه وسلم, فاهتزت لها مشاعره وتأثر بها وجدانه فيحزن قلبه وتدمع عيناه ويبكي. عن أبي هريرة, رضي الله عنه, قال: زار النبي, صلي الله عليه وسلم, قبر أمه, فبكي وأبكي من حوله, فقال: استأذنت ربي في أن أستغفر لها, فلم يأذن لي, واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي, فزوروا القبور; فإنها تذكر بالموت رواه مسلم. زار النبي, صلي الله عليه وسلم, قبر أمه السيدة آمنة بنت وهب وكانت قد توفيت وهي عائدة من زيارة أخوالها بني عدي بن النجار بالمدينة وعمر النبي, صلي الله عليه وسلم, ست سنين فدفنت بالأبواء وهو مكان بين مكة والمدينة فمر النبي, بقبرها عام الحديبية فتوجه لزيارته فجلس إليه فناجاه طويلا واستعاد الذكريات وخيم الحزن عليه وهنا بكي النبي, صلي الله عليه وسلم, واشتد بكاؤه حتي قال أحد الصحابة: فما رأيته ساعة أكثر باكيا من تلك الساعة وتأثر الصحابة لبكاء النبي, فبكوا لبكائه ويتلقاه عمر بن الخطاب, ويسأله ما الذي أبكاك يا رسول الله ؟ فقد أبكانا وأفزعنا فأخذ بيد عمر ثم أشار لبقية أصحابه فأتوا إليه فقال في شفقة أفزعكم بكائي ؟ فقالوا: نعم فقال, صلي الله عليه وسلم: إن القبر الذي رأيتموني أناجيه قبر أمي آمنة بنت وهب وإني استأذنت ربي في زيارتها فأذن لي ثم استأذنته في الاستغفار لها فلم يأذن لي فأخذني ما يأخذ الولد للوالد من الرقة, فذلك الذي أبكاني ثم وجهنا النبي, صلي الله عليه وسلم, لزيارة القبور لما فيها من التذكير بالموت والآخرة فزيارة القبور تلين القلوب ويسن للمسلم زياراتها لفعل النبي, صلي الله عليه وسلم, فلقد كان النبي, صلي الله عليه وسلم, يزورها بين وقت وآخر في الليل والنهار يزورها ويسلم علي الأموات ويدعو لهم فيقول السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين, وإن شاء الله بكم لاحقون, أسأل الله لنا ولكم العافية ولها آداب يجب مراعاتها فلا يقال عندها ما يغضب الله تعالي ولا يمشي بين القبور في نعليه ولا يجلس ولا يتكأ أو يمشي فوقها ومن زار القبور وغلبه البكاء فلا حرج ولا بأس في ذلك لأن النبي, صلي الله عليه وسلم, بكي عند قبر أمه وأبكي كما رأينا فدمع العين من الرحمة التي يجعلها الله في قلوب عباده بل هذا هو اللائق بمثل هذا المكان الذي تلين فيه القلوب وتخشع ولا شك أن زيارة قبر الوالدين بعد موتهما من البر الذي لا ينقطع بعد موتهما, فالميت يشعر بمن يزوره وهو في قبره وقد ورد عن النبي, صلي الله عليه وسلم, أنه قال: ما من أحد مر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه في الدنيا, فسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام أخرجه الخطيب وابن عساكر وقد جاء في فتاوي العز بن عبد السلام: والظاهر أن الميت يعرف الزائر, لأنا أمرنا بالسلام عليهم, والشرع لا يأمر بخطاب من لا يسمع.