تلعب مؤسسات الجهاز الإدارى فى الدولة دوراً هاماً بما تقدمه من خدمات ومنتجات فى زيادة رفاهية، واستمرارية، ونمو المجتمع. كما أن تلك المؤسسات تقع تحت ضغط كبير عند ممارسة الدور المنوط بها بسبب تداخل وتشابك علاقاتها بالعديد من الأطراف فى المجتمع. إن المقارنة الدائمة من قبل المواطنين لأداء تلك المؤسسات مع ما يقدمه القطاع الخاص يفرض على تلك المؤسسات البحث الدائم والمستمر عن الآليات التى يمكن من خلالها تحسين الكفاءة، وخفض التكلفة، وتحقيق الاستجابة لاحتياجات المواطنين. مديرو تلك المؤسسات يلعبون دور الوكيل الذى يدير الموارد المتاحة من أجل تقديم أفضل خدمة للمواطنين. ولأن المدير يدير ولا يملك فإن هذا من شأنه أن يجعله يتخذ القرارات التى تصب فى مصلحته بالدرجة الأولى وليس مصلحة الأطراف ذات الصلة بالمؤسسة فى المجتمع - خاصة الملاك (المواطنين). لذلك كان لابد من وضع بعض الآليات التى من شأنها أن تضبط أداء المسئولين فى تلك المؤسسات. إن أحد أهم تلك الآليات ما يعرف بالحوكمة. فالحوكمة مفهوم يهدف إلى وضع إطار عام يقدم مجموعة من المبادئ للتأكد من أن سلطة معينة تقوم بالأفعال الصحيحة، وبالطريقة الصحيحة، للأطراف المناسبة، وبشكل يضمن توافر نوع من المساءلة والمحاسبة الشاملة والعلنية والتى تتم فى الوقت المناسب. إن تطبيق آليات الحوكمة فى مؤسسات الجهاز الإدارى من شأنه أن يوجد نظاما لتوجيه وضبط أداء الجهاز الإدارى بصفة مستمرة ليقابل توقعات المواطنين. هذا النظام يقوم على ستة مبادئ: (1) وجود إجراءات تضمن مساءلة ومحاسبة القائمين على إدارة تلك المؤسسات، (2) الشفافية والتخلى عن الغموض والسرية واتاحة المعلومات للمواطنين، (3) سيادة القانون على جميع الأطراف الفاعلة فى المجتمع، (4) وجود نظام متكامل لمكافحة الفساد فى المجتمع، (5) المساواة عند تقديم الخدمات للمواطنين ووفقاً لمبدأ تكافؤ الفرص، (6) المسئولية من حيث التصرف بدرجة عالية من الأخلاق المهنية وتقديم الخدمات للمواطنين بدرجة عالية من الكفاءة والفاعلية. إننا نستطيع أن نزعم أن أسباب الفساد فى مصر والتى أوردتها الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد 2014 - 2018 - والتى منها على سبيل المثال التوسع فى الصناديق الخاصة، وبيروقراطية العمل الحكومى وتعقد الإجراءات، وضعف نظم الرقابة الداخلية، وعدم كفاءة نظم التعيين والأجور، وتداخل الاختصاصات الرقابية تعد من أهم نتائج عدم تطبيق آليات جيدة للحوكمة. فالتطبيق الفعال والصحيح لقواعد وآليات الحوكمة يعد أحد مقومات تحقيق التنمية الاقتصادية ومؤشرا قويا على مدى قوة اقتصاد ما. فالبلدان التى تطبق آليات حوكمة قوية تتميز عن غيرها فى قدرتها على جذب الاستثمارات، ومكافحة الفساد بما تتمتع به من درجة عالية من الشفافية والإفصاح. فالحوكمة بما تشمله من تطبيق للشفافية، والنزاهة، والمساءلة، ومكافحة الفساد تضمن تحقيق التنمية المستدامة والتى بدورها لا تضمن رفاهية الأجيال الحاضرة فقط ولكن أيضاً تراعى وتضمن مصلحة ورفاهية الأجيال القادمة فى المستقبل.