الثورة المصرية التي اندلعت منذ يوم25 يناير الماضي وبدأت بمظاهرات شبابية دعا إليها مجموعة من شباب جيلي عبر موقع التواصل الاجتماعي الإلكتروني فيس بوك, ثم انضم إليها الشعب المصري بجميع أطيافه المختلفة هي ثورة غير مسبوقة في حجمها وطبيعتها ومطالبها أبهرت العالم أجمع بسبب رقيها الحضاري وسمو مطالبها. ولقد أشاد زعماء العالم الأوروبي والولايات المتحدةالأمريكية وشعوب العالم المختلفة في قاراته الخمس بهذه الثورة بسبب السلوك الحضاري الذي انتهجه المتظاهرون خلال اعتصامهم بميدان التحرير. وأثبتت الثورة أن الشعب المصري صاحب حضارة عظيمة, وأنه ليس عنيفا بطبعه وظهر ذلك جليا في أثناء وجودهم في ميدان التحرير علي مدي ثمانية عشر يوما متواصلة حتي تحقق مطلبهم الأساسي بإسقاط النظام, ورأينا وعي الشعب من خلال تضامنهم مع المؤسسة العسكرية التي التفت هي الأخري بدورها حول مطالب الشعب وحمايته. والمؤكد أن الثورة أوجدت حالة من التوحد عاشها المجتمع المصري بمختلف أطيافه من خلال مطالبهم الشرعية وأيضا من خلال اللجان الشعبية التي أقامها الشباب في كل حي ومنطقة في ربوع المحروسة بعد حالة القلق التي عشناها بسبب الفراغ الأمني الذي أحدثه انسحاب الشرطة من الشوارع وهو الانسحاب الذي لم نجد تفسيرا له بعد ولم تجب عنه التحقيقات حتي الآن. لذا تقع علي كاهل وزير الداخلية الجديد أعباء كثيرة في المرحلة الراهنة منها سرعة انتشار رجال الشرطة في الشارع لإعادة الانضباط والقضاء علي أعمال البلطجة التي يرتكبها بعض المسجلين خطر في أنحاء متفرقة حتي الآن ومنها إرهاب المواطنين وترويعهم. لقد نجحت الثورة بكل المقاييس الإقليمية والدولية في تحقيق مطالبها حتي الآن, إلا أنني أري أن التمادي في ظهور الاحتجاجات الفئوية ما هو إلا التفاف علي الثورة والخروج عن مطالبها الشرعية التي ستغير وجهة الحياة في مصر كلها خاصة أن هناك من يندس من الخارجين علي القانون وسط هذه المظاهرات وهو ما حذر منه المجلس الأعلي للقوات المسلحة في مؤتمره الصحفي الذي عقده أخيرا بشأن أحداث الجمعة الماضية. المجلس الأعلي للقوات المسلحة ليس مسئولا عن حل المشكلات التي غرقنا فيها طيلة الأعوام الثلاثين الماضية من حكم الرئيس السابق حسني مبارك بل مهمته الأساسية هي تهيئة الأجواء لانتقال سلطة مدنية بشكل ديمقراطي دون حالة من الفوضي. لا شك في أن المرحلة المقبلة هي مرحلة فارقة في تاريخ مصر تحتاج إلي تكاتف المواطنين الشرفاء كل في موقعه ومهنته وأن يقوموا بالبدء في التغيير بأنفسهم أولا من خلال تغيير السلوكيات السلبية واستبدالها بسلوكيات إيجابية مع الحفاظ علي السلوكيات الإيجابية والخوف علي بلدنا العزيز. ولم يكن يتخيل أحد في السابق أن تتم محاسبة أحد المسئولين الكبار في الدولة بمن فيهم رئيس الجمهورية لكن الثورة أتاحت الفرصة التي لن تتكرر أبدا لتكون هذه المحاسبة إنذارا لكل رئيس يحكم مصر أو مسئول يتولي منصب فتسول له نفسه العبث بمقدرات الشعب المصري.. إنه جرس إنذار وتحذير شديد اللهجة من أجل الإصلاح والتغيير للأفضل وأن الضرب بيد من حديد لن يكون من المسئولين عن مقاضاة هؤلاء المسئولين لكن الشعب سيقف لهم بالمرصاد. هناك تخوف كبير من فكرة إجراء انتخابات برلمانية مقبلة قبل الانتخابات الرئاسية, لأن ما جري من تعديلات دستورية لم يغير في شكل الانتخابات البرلمانية حيث ستجري بالنظام الفردي وهو ما قد يتيح لفلول بعض النظام السابق من التسرب إلي قاعات مجلسي الشعب والشوري, مستغلين وجود نسبة كبيرة من الشعب المصري في حالة فقر مما يجعل ثقافة شراء الأصوات مازالت قائمة. أخيرا السؤال الذي يفرض نفسه علي الساحة لماذا لا نصبر علي حكومة تسيير الأعمال الحالية بعض الوقت بعدما صبرنا أكثر من ثلاثين عاما حتي ننجز المهام المكلفة بها من قبل المجلس الأعلي للقوات المسلحة؟ فإن الاعتراض المتكرر علي هذه الحكومة ووزرائها يهدد مكتسبات ثورة25 يناير وكأننا نسير بعجلة التغيير والإصلاح إلي الوراء.