أمل راود كل الأفراد والجماعات والدول منذ بداية الخليقة وراحوا جميعا يلهثون خلفه من أجل الوصول إليه ولكنه ظل أملا بعيد المنال يستعصي علي التحصيل, ومن أجله سنت القوانين ووضعت الدساتير عساها تحقق لهم ما يصبون إليه وكل ما لم يحقق لهم مايرجون يتم تعديله أو إلغاؤه وإنشاء بديل عنه وكل يري حقيقة السعادة من وجهة نظره فمن قائل إنها في كثرة المال واقتناء المشغولات الذهبية واقتناء التحق والمجوهرات وكان الشاعر يقصد هذا الصنف حين قال: ولست أري السعادة جمع مال.. ولكن التقي هو السعيد أو يراها في تحصيل الملذات لذة مايشتهي من الأطعمة أو لذة الجسد ومتعته فيطلق لنفسه العنان كالفرس الجامح وهو ماربما قصده الشاعر بقوله: يامتعب الجسم كم تسعي لخدمته::: أتعبت جسمك فيما فيه خسران أقبل علي الروح واستكمل فضائلها::: فأنت بالروح لا بالجسم إنسان أو يراها البعض تكمن في تبوؤ المناصب وقد يراها غيرهم في الزهد والعزلة عن الناس بما يشبه الانسحاب من الدنيا وهو مازال حيا فيها وكل ماسبق قد يكون من مفردات السعادة مادام من حلال لكنه وحده أو مجموعه لا يعطي السعادة الحقيقية فلو كانت بكثرة المال لكان قارون أسعد الناس ولو كانت في السعي إلي الوزارة لكان هامان أسعد الناس وهكذا, لكن رأينا مصير هذه النماذج وماشابهها إلي أين صاروا, إذن فالسعادة الحقيقية في ارضاء الله والالتزام بأمره فهو سبحانه وتعالي لايأمرنا إلا بما فيه سعادتنا ولاينهانا إلا عما يكدر صفو هذه السعادة. وقد بين البيان الفصل في كتابه الكريم حيث قال: والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل علي محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم( محمد:2) والسعادة في راحة البال وراحة البال تتأتي بالإيمان بالله وما أنزل من الهدي إيمانا يجعل العبد يستوي عنده المنع والعطاء فلا يحزن علي ما فاته ولايفرح بما أتاه لعلمه أنه ما أصابك ما كان ليخطئك وما أخطأك ما كان ليصيبك فورب الكعبة إنها لهي السعادة وإن لم تكن فماذا: قال تعالي: لكيلا تأسوا علي مافاتكم ولا تفرحوا بما أتاكم( الحديد:23), قال الإمام الحسن البصري رحمه الله علمت أن رزقي لايأخذه غيري فاطمأن قلبي وعلمت أن عملي لايقوم به غيري فاشتغلت به وحدي وعلمت أن الله مطلع علي فاستحييت أن يراني علي معصية وعلمت أن الموت ينتظرني فأعددت الزاد للقاء ربي, وقال أحد الصالحين لولده: يابني نحن في سعادة لو علمها الملوك لقاتلونا عليها بسيوفهم وهو يقصد نعمة الرضا والأنس بالله, فالراضي عنه الله له الرضي وراحة البال, ومن دواعي السعادة أيضا أن ينظر العبد إلي مادونه في الرزق ومافوقه في الطاعة فيعظم نعمة الله عليه ويثقل عمله وسط العاملين, فرب ذنب أورث ذلا وانكسارا خير من طاعة أورثت عزا واستكبارا وعن هذا يقول النبي صلي الله عليه وسلم: انظروا إلي من أسفل منكم ولاتنظروا إلي من فوقكم فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله, وقال القائل, من راقب الناس مات هما وغما وقالوا السعيد من وعظ بغيره والشقي من اعتبر بنفسه. وبالجملة فإن الانسان يمكنه تحقيق السعادة بما يملكه دون التطلع إلي مالا تدركه مواهبه ولاطاقاته ولا ملكاته وصاحب النعمة متي أدي حق الله فيها وعاد بها علي خلق الله فهو حتما من السعداء لأنه يري سعادته في مسح حزن عن جبين أو سد مسغبة جائع أو ستر عورة مسكين أو هدهدة علي يتيم, وقال النبي صلي الله عليه وسلم: من نفس كربة عن مسلم فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة, نسأل الله أن يكتب لنا ولكم سعادة الدنيا والآخرة.