علي الرغم من حرص حركة الإخوان المسلمين في فلسطين, وتحديدا في قطاع غزة, علي عدم الصدام مع قوات الاحتلال خشية ضرب المشروع والقضاء عليه, فقد جاء تفجر الانتفاضة الفلسطينية في الثامن من ديسمبر1987 ليضع حركة الإخوان المسلمين أمام حالة جديدة تقتضي منها اتخاذ موقف محدد من أعمال المقاومة التي شاركت فيها مختلف طوائف الشعب الفلسطيني, وتسابقت المنظمات إلي إدعاء تفجير الانتفاضة وتوجيهها. ومما زاد من الضغوط علي الحركة توجه قطاع كبير من شبابها إلي المشاركة في أعمال المقاومة وتحدي قرارات القيادة. كما اتجه النقاش داخل' المجمع الإسلامي' نحو التأكيد علي أن عدم مشاركة الحركة في أعمال مقاومة الاحتلال سوف يضعف سيطرتها علي أعضائها ويشوه موقفها أمام الجماهير الفلسطينية. وكانت هذه الضغوط بداية توجه حركة الإخوان المسلمين في قطاع غزة بقيادة الشيخ أحمد ياسين نحو المشاركة في عمليات مقاومة قوات الاحتلال, وكانت البداية صدور منشور يحمل توقيع' حركة المقاومة الإسلامية' بتاريخ الرابع عشر من ديسمبر1987 يدعو إلي تصعيد المقاومة. وبصدور هذا المنشور انخرط الإخوان المسلمون في قطاع غزة في عمليات المقاومة ونشطوا في المشاركة في قيادة الأنشطة الجماهيرية في مواجهة قوات الاحتلال. وفي فبراير1988, أصدر الشيخ أحمد ياسين قرارا بتشكيل جهاز سري جديد باسم حركة المقاومة الإسلامية حماس وكان ذلك بمثابة خروج واضح علي الخط العام للإخوان المسلمين في فلسطين والذي كان يتسم بالحذر والمحافظة. وعلي الرغم من بدء مشاركة الإخوان المسلمين في عمليات مقاومة الاحتلال وتصعيد الانتفاضة, إلا أن التنظيم لم يتخل عن حذره, ففضل أن تكون عملية المقاومة تحت مسمي آخر غير الإخوان, ولذلك جاء إنشاء حركة المقاومة الإسلامية حماس, كما أن الخوف من تعرض الحركة لضربة إسرائيلية كبري, كان وراء تأخير إعلان ميثاق حركة حماس الذي كان ينبغي أن يشير إلي علاقة حماس بالإخوان المسلمين, وهو الميثاق الذي صدر في شهر أغسطس من عام.1989 وقد أشارت المادة الثانية منه إلي ارتباط الحركة بالإخوان المسلمين, وركز الميثاق علي شرح وتفصيل التحول الذي طرأ علي توجهات حركة الإخوان وتحولها إلي مقاومة الاحتلال في الوقت المناسب. كما فصل الميثاق علاقة حماس بتنظيمات وحركات المقاومة الأخري. ويلاحظ بداية أن حركة الإخوان المسلمين في قطاع غزة, ورغم بداية مشاركتها القوية في تصعيد الانتفاضة, لم تتخلص حتي صدور الميثاق من الشعور بالتقصير لعدم المشاركة في عملية مقاومة الاحتلال من البداية, ومن ثم حرصت علي تبرير التأخير في ميثاق حركة حماس. وجاء في الميثاق' لما نضجت الفكرة ونمت البذرة وضربت النبتة بجذورها في أرض الواقع بعيدا عن العاطفة المؤقتة والتسرع المذموم, انطلقت حركة المقاومة الإسلامية لتأدية دورها مجاهدة في سبيل ربها تتشابك سواعدها مع سواعد كل المجاهدين من أجل تحرير فلسطين'. وحددت المادة الحادية عشرة من الميثاق رؤية حماس للصراع مع إسرائيل, فجاء في هذه المادة' تعتقد حركة المقاومة الإسلامية أن أرض فلسطين, أرض وقف إسلامي علي أجيال المسلمين إلي يوم القيامة ولا يصح التفريط بها أو بجزء منها أو التنازل عنها أو عن جزء منها ولا تملك ذلك دولة عربية أو كل الدول العربية, ولا يملك ذلك ملك أو رئيس أو كل الملوك والرؤساء, ولا تملك ذلك منظمة أو كل المنظمات سواء كانت فلسطينية أو عربية'. وعادت لتأكيد ذلك في المادة الثالثة عشرة التي جاء فيها' تتعارض المبادرات وما يسمي بالحول السلمية والمؤتمرات الدولية لحل القضية مع عقيدة حركة المقاومة الإسلامية, فالتفريط في أي جزء من فلسطين, تفريط في جزء من الدين'. وحرصت حركة حماس في ميثاقها علي توضيح علاقتها بكل المنظمات المقاومة الموجودة علي الساحة الفلسطينية, وميزت في هذا الإطار بين المنظمات ذات الخلفية الإسلامية مثل الجهاد الإسلامي وغيرها من الحركات والمنظمات المنضوية تحت لواء منظمة التحرير الفلسطينية والتي تستند إلي أسس علمانية. وداخل الفئة الأخيرة كانت حماس تميز أيضا بين حركات قريبة من الدائرة الإسلامية مثل فتح وأخري تراها منقطعة الصلة بالأساس الديني مثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. وقد كان هناك صدي واقعي لهذا التمييز علي النحو الذي ذهب إليه أحد أبرز قيادات الحركة, عماد الفالوجي الذي كتب في مذكراته' كانت فتح الأقرب للحركة الإسلامية بحكم أنها لا تعادي الإسلام, وعلي العكس تماما فقد كان كوادر فتح في أغلبهم وفي طبيعتهم الذاتية متدينون يقيمون الصلاة ويصلون معنا'. ويضيف في موضع آخر من مذكراته أن أبناء حماس كانوا يشاركون أبناء فتح احتفالاتهم بانطلاق الحركة'.. لأننا كنا نعتقد أن فتح انبثقت من رحم الإخوان المسلمين وأن مؤسسي فتح في أغلبهم من الإخوان المسلمين'. ويضيف' أما علاقتنا مع الجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية فقد كانت أكثر تعقيدا, ففتح فصيل لا يعادي الإسلام, أما الشعبية والديمقراطية فموقف حماس المبدئي أنها فصائل يسارية تحمل فكرا معاديا للإسلام وموقفنا منها موقف التكفير وهو أن هؤلاء كفرة شيوعيون ملحدون وكانت علاقتنا معهم متوترة. وكنا لا نشارك الجبهتين احتفالات الانطلاق, فالرأي أنه لا يجوز أن نهنئ بذكري انطلاق فصيل معاد للإسلام والمسلمين'.