في تناولها لأزمة نقابة الصحفيين كتبت الأخت العزيزة الأستاذة جيهان الغرباوي مقالا بأهرام الجمعة الماضي عنونته بالتساؤل الأمريكي الشهير بعد11 سبتمبر لماذا يكرهوننا؟.. واستندت إلي عشر إجابات من وجهة نظرها في عرض شيق جمعت فيه كل ما يؤخذ علي الأسرة الصحفية من عوار, لتذيله بتساؤل عن أسباب أخري قد تكون لدينا؟..بيد أني بعد قراءة المقال ساءلت نفسي ولم لا يكون الطرح( بل لماذا لا يحبوننا؟) في استفهام تقريري لا استنكار فيه؟..بمعني أن الأصل في العلاقة الذي ينبغي أن يسود هو الحب والمودة التي تستحقها الصحافة المصرية لأسباب عديدة قد تربو عن نظيرتها العشرية في المقال. وكما أنها بدأتها بمثال كفاح الصحفيين للانتقال من مفهوم( الجورنالجي) بما فيه من دونية اجتماعية وحتي لقب( الصحفي) بما فيه من رفعة.. فإنني سأقول إن القضية تصل بعمقها إلي مرحلة تالية كان للدراما توجهها حيال كل شخوص إيجابية في المجتمع فسار النيل من رجل الدين وأستاذ اللغة العربية موازيا للنيل من صورة الصحفي لتصب جميعها في التوجه الاشتراكي للمجتمع بسطوة الرجل الواحد والحزب الواحد. ولست بحاجة إلي التذكير بأعمال مثل اللص والكلاب وسكة السلامة مثالا لا حصرا. ذلك أن النظرة الموضوعية تؤكد أن رد الفعل لدي الشارع جاء معبرا عن مدي التمسك بهذا الصرح الذي يمثل ضميره وعدم رغبته في أن ينزلق في غيابات مواجهة قد تأتي علي البقية الباقية فيه. فهذا الشعب الوفي لا يمكن أن ينسي لمسات الأخوين أمين اجتماعيا وحتي عبدالوهاب مطاوع. ولا يمكن أن يتجاهل كم القضايا الحياتية التي كانت الصحافة فيها حصنه الحصين وضميره المتكلم. وهذا الشعب لا يمكن أن ينكر كيف مثلت الصحف بكتابها منابر رأي ومدارس ثقافية شديدة التميز. وما ذكرناه غيض من فيض اليد البيضاء للصحافة هو الذي جعلنا نسوق السؤال علي الشاكلة التي طرحناه بها, لتكون إجابته هي المرجعية الرئيسية في تقويم الحالة الصحفية المبنية علي المحبة لا الكراهية. وأحسب أن عدم وجود تعريف محدد للصحفي قد جعل خطوط التماس شديدة التعقيد بينه وبين غيره ممن احترفوا الكتابة دون امتهان الصحافة, ليصبح نجاحهم انتقاصا من جلال المهنة في حين تعزي إخفاقاتهم ومشكلاتهم للعمل الصحفي. ولعل أولي مهام المجتمع الصحفي هو ألا يجعل منها مهنة من لا مهنة له, وأن يحدد معالم الطريق بين كاتب الرأي وكاتب الخبر والتحقيق وغيرها من أشكال العمل الصحفي. وفي المقابل علي النقابة في مواجهة هذا الانسياح المهني أن تخير منسوبيها ممن استعذبوا النجومية الفضائية بين البقاء في خندق الصحافة أو تجميد العضوية حال تعدديته. وليست الحجة بالتوسع في مسألة الانتساب للحقل الإعلامي مسوغا مقنعا لذلك بعدما استحال الحقل إلي( عزبة) في تبادلية المصالح, ليصبح أهل الإعلام المرئي والمسموع أصحاب أعمدة صحفية مقابل ما لأقرانهم من أصحاب الكلمة المكتوبة من إطلالات عبر الأثير. إن عودة الصحفيين لشخصيتهم الحقيقية هي المفتاح السحري لاستعادتهم الود المفقود مع جموع الشعب التي لا تزال تذكر شهداء الصحافة امتنانا, لا منا وابتزازا كما يفعل بعض أقرانهم من ذوي المهنة. كما تتطلع إلي قضايا حقيقية تدعم نسيج التلاحم بينهما حتي لا تظل تشقي بحسن الظن, حسب استشهاد الأستاذة جيهان علي الطريقة الكلثومية. بل تظل تردد مع فريد الأطرش رائعته الخالدة( بحبك مهما قالوا عنك.. إلي آخر المطلع) ثقة في أرباب القلم الذي أقسم به رب العباد. أستاذ الحضارة المصرية القديمة كلية الآداب جامعة الإسكندرية