ليس من المنطق أن نطالب الشخص الناجح أو الطموح بالتوقف عن طموحه, ونجاحه, لاسيما لو كان هذا الطموح مشروعا, وذاك النجاح متواصلا ومستمرا, ولكن هناك حكمة تقول: ما زاد عن حده انقلب ضده, فهل تنطبق هذه الحكمة علي النجاح والطموح, بالقطع سيرفض الكثيرون هذا المنطق;لأن النجاح قد يكون أجمل إحساس يشعر به الإنسان, ويشعره بكيانه في الحياة, ومكانته في المجتمع, ولكن ما لا يدركه البعض أن النجاح مثل كل شيء في الحياة, من الممكن أن يسرق العمر, ورغم لذته الشديدة, إلا أنه قد يفقد الإنسان لذة الاستمتاع بأشياء مهما كانت بساطتها, إلا أنها مطلوبة; لكي يشعر بأنه يعيش, وبالرغم من أن لكل شيء ضريبة, وأن ضريبة النجاح هي الحرمان من كثير من متع وملذات الحياة, إلا أن الحقيقة أن الإنسان له عمر واحد, فكما يجب أن يستثمره في نجاحاته المتواصلة, فلابد له أيضا أن يستغله في الاستمتاع بكل النعم التي وهبها له المولي عز وجل, فالتوازن دائما مطلوب, والنجاح الحقيقي ليس في مجرد تكوين ثروة طائلة, أو علم خارق, أو سلطة جبارة, ولكنه في تحقيق التوازن بين تحقيق الأحلام والاستمتاع بنعم وهبات الحياة, ومن يفقد هذا التوازن لاشك أنه سيختل نفسيا وبدنيا; لأن أجهزة الجسم البشري لها قدرات لا يمكن تجاوزها, لاسيما الجهاز العصبي, الذي يحتاج دائما إلي مهدئات خاصة حياتية, تجعله يكشف كل جوانب الحياة; لكي يستطيع أن يصمد أثناء رحلتها, وإلا فما فائدة النجاح الذي يودي بصاحبه إلي الموت قبل أن يعرف معني وقيمة الحياة. فقد جاء في حكم وقصص الصين القديمة, أنه قد كان هناك ملك أراد أن يكافئ أحد مواطنيه, فقال له:امتلك من الأرض كل المساحات التي تستطيع أن تقطعها سيرا علي قدمك, ففرح الرجل وشرع يزرع الأرض مسرعا ومهرولا في جنون, وسار مسافة طويلة, فتعب وفكر أن يعود للملك ليمنحه المساحة التي قطعها, ولكنه غير رأيه وقرر مواصلة السير ليحصل علي المزيد والمزيد, وظل يسير ويسير, ولم يعد أبدا, فقد ضل الطريق, وضاع في الحياة, حتي وقع صريعا من جراء الإنهاك الشديد, ولم يمتلك شيئا, ولم يشعر بالاكتفاء من السعادة. فإذا ركزنا فيمن يقررون أن نجاحهم الحقيقي يكمن في تكوين الثروة الطائلة, سنكتشف أنهم بالفعل يحققونها, ولكنهم يتركونها لغيرهم دون أن يستمتعوا بها, فقد كانت متعتهم في تكوينها فقط, وكذلك من يقضي عمره في مواصلة نجاحاته العلمية, فبالرغم من أنه يفيد البشرية لقرون طويلة, إلا أنه غالبا ما تنتهي حياته وهو في دائرة أبحاثه خارجا عن إطار الحياة, رغم أنها هي بذاتها بحث كبير يصعب إدراك نتائجه, وأيضا السلطة, فرغم جاذبيتها المهولة التي قد تصل إلي درجة الإدمان, إلا أن من عاش من أجلها سيكتشف أنه أضاع عمره مقيدا بسلسلة من القيود والأغلال خشية أن تحسب عليه أي تصرف يحرمه من زهو وبريق السلطة, وبالرغم من أن كل هذه الأحلام مشروعة, وتستحق الجهد والعمل, إلا أنها لن تجدي, ولن تفيد صاحبها إذا تفاني من أجلها للدرجة التي يضيع فيها عمره, فهنا سيكون مثل الرجل بطل قصتنا الذي ظل يسير في جميع الطرق; لكي يمتلكها حتي ضاع عمره دون أن يمتلك ولو شبرا واحد منها. لذا, علينا أن ندرك أن التوازن هو سر النجاح الحقيقي, وأن النجاح الذي يتحول إلي وحش لن يتورع عن افتراس أي شيء يقف أمامه, فسيكون أول من يفترسه هو عمر صاحبه.