(أيوه حنديهم الجزيرتين..ودي هدية مننا..ولو طلبوا الهرم كمان..حنديهلهم)!.. كان هذا جواب سيدة تحمل العلم السعودي, وتتمايل به وترفرف في وجه من يعترضها, والعلم السعودي بما يحمل من شهادة التوحيد يستحق الرفع بما يحمل من رمزية لعقيدة راسخة للمليارات من سكان الأرض, لكنه في المواقف السياسية رمز لدولة وحدود ووطن, ويخضع للقواعد العامة في العلاقات بين الدول, ويسري عليه ما يسري علي أعلام الدول الأخري, وقد حدث أن رفعه أحد الأفراد في إحدي مظاهرات25 يناير والتي كان يقودها وقتها التيار الإسلامي,فالتقطت أعين المتربصين المشهد,وظهرت الاتهامات بالتمويل الخارجي!,وتغلغل الوهابية!,وغيرها من التهم المعلبة والجاهزة,والتي مازلنا نعاني منها جميعا إلي الآن,وتكاد تقسم المجتمع إلي جزر منعزلة,وفئات متناحرة,وهو من الخطورة بمكان!,وتعالوا نعود إلي مجموعة من الظواهر والملاحظات التي تلتقطها عين الخبير في المشهد الحالي الملتبس,منها أن ثقافة الديمقراطية بما تشمله من قواعد تكاد تكون غائبة عن جميع الأطراف حكاما ومحكومين,فحرية التعبير والتظاهر السلمي حق للمواطنين,لكنه أيضا مرتبط بإجراءات,وكنا نمارس هذا بالخارج,فتقدم طلبا لتنظيم المظاهرة وتحدد تاريخها وخط سيرها, ومدتها,وهل هي صامتة أم سيكون فيها هتافات,والمسئولين عنها,وهل تريد منع أحد معين من الاشتراك فيها ليقوم البوليس بإخطاره,ثم يقوم البوليس بإخطار هيئة النقل العام والمترو بالتاريخ وخط السير حتي يغيروا المسار في هذا الوقت حتي لا يتعطل الناس,ثم يقوم البوليس بحماية المظاهرة حتي تنتهي,ويذهب الجميع بعد أن عبروا عن قضيتهم,وأوصلوا صوتهم,ونفسوا عما بداخلهم,لكن المشكلة عندنا في مصر أننا نفرغ كل شيء من مضمونه,فنصدر قانونا للتظاهر يحمل في طياته تجريم وتأثيم ومنع التظاهر,وكم من الأشخاص حوكموا بسبب انتهاكه,لأن الدولة لا تعطي لهم تصريحا,ولا تفتح لهم بابا,فيقومون بالإعلان والدعوة للتظاهر في أي وقت,وفي أي مكان,بما يبدو أنه مخالف للقانون الذي لا يطبق,وهي ثقافة لابد أن تتغير من الدولة والأفراد!,ثانيا:كان اختيار يوم25 أبريل موعدا للتظاهر اعتراضا علي تسليم جزيرتي تيران وصنافير للسعودية غير موفق تماما,لأنه تاريخ غال علي كل مصري باختلاف توجهاته حيث عادت سيناء إلي حضن الوطن,وكان يجب علي جميع التيارات والمنظمات والسياسيين المشاركة في هذا الاحتفال بما له من رمزيه,وتحديد يوم آخر للاعتراض,لأن المشهد ظهر وكأنهم يريدون إفساد فرحة الشعب برجوع الأرض( سيناء) برغم دعوتهم لعدم التفريط في الأرض( تيران وصنافير)!,ثالثا:كان مشهد معاملة الدولة للمتظاهرين متباينا ومختلفا ومنحازا للمؤيدين بالسماح لهم بالتظاهر دون تصاريح بل وتحليق الطائرات فوقهم احتفالا,والتضييق علي المعارضين وإغلاق الشوارع وتهديدهم ومنعهم من التجمع,والقبض علي النشطاء منهم مما أعطي انطباعا أن الدولة تكيل بمكيالين,وأن تطبيق قانون التظاهر حمال أوجه,كما حدث قبل ذلك عندما انتهكه أمناء الشرطة في الزقازيق,ولم يحاسبوا أو يحدث لهم شيء,رابعا: كان مشهد انتشار العلم السعودي والهتافات المؤيدة لتسليم الجزيرتين للسعودية من عينة( تيران سعودية..رغم أنف المصراوية!),غريبا وعجيبا,حتي تندر الخبثاء وقالوا إذن هل لو جاء قرار التحكيم بالنسبة لسيناء وطابا في مصلحة إسرائيل هل كان سيخرج هؤلاء يحملون العلم الإسرائيلي!؟,وهل لو خرج نشطاء يتظاهرون ضد استكمال سد النهضة مثلا سيخرجون يرفعون العلم الأثيوبي!؟ بل قال البعض( الحمد لله أنهم لم يدوسوا العلم المصري ويحرقونه!),لقد أعمي التعصب والعناد والمكابرة والكيد السياسي أعين الفريقين المؤيد والمعارض فوقعوا في أخطاء قاتلة,تنبئ عن واقع مؤلم,ومستقبل تحيطه الأخطار,وتحفه الشكوك,ما لم يتسع الصدر لتقبل الخلاف,وسماع الآخر,والكف عن التخوين,والرمي بالعمالة,ومسئولية الدولة أكبر في حل هذه المشكلة,ولإنهاء وضع حرج أوجدته,وكان يمكن تجنبه بقليل من الحكمة,وبكثير من السياسة!.