أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون....................( البقرة:44) التفسير للدكتور محمد سيد طنطاوي البر: اسم يتناول كل عمل من أعمال الخير, والنسيان: ضد الذكر, وهو السهو الحادث بعد حصول العلم, والعقل: يطلق علي قوة في النفس تستعد بها لقبول العلم وإدراك الشيء. والمعني: كيف يليق بكم, وأنتم تأمرون الناس بالفضائل, وألوان الخيرات, أن تنسوا أنفسكم, فلا تفعلوا ما تأمرون به غيركم, وأنتم مع ذلك تقرأون الكتاب المنزل من عند الله, وتدركون العقوبة الأليمة لمن يأمر الناس بالخير وينسي نفسه, أفلا عقل لكم يحبسكم عن هذا السفه الذي ترديتم فيه ويحذركم من سوء عاقبته. والآية نزلت في اليهود, ولكن المعني صالح لكل من يأمر بالخير ولا يفعله, أو ينهي عن المنكر ويفعله, فالعبرة بعموم النص لا بخصوص السبب, قال ابن عباس رضي الله عنهما كان يهود المدينة يقول الرجل منهم لصهره, ولذي قرابته, ولمن بينه وبينه صلة من المسلمين: أثبت علي الذي أنت عليه, وما أمرك به هذا الرجل يريدون محمدا صلي الله عليه وسلم فإن أمره حق, فكانوا يأمرون الناس بذلك ولا يفعلونه. والمراد بالنسيان في الآية الكريمة, تركهم العمل بما يأمرون به غيرهم, لأن الناسي حقيقة ليس مؤاخذا علي ما نسبه فلا يساحق التوبيخ الشديد الوترد في الأية الكريمة وليس التوبيخ متوجها إلي كونهم كانوا يأمرون الناس بالبر, لأنهم فعل محمود, وإنما التوبيخ متوجها إلي كونهم تركوا العمل بما يرشدون إليه سواهم, فهم يداوون الناس, وقلوبهم مليئة بالأمراض والعلل. وقوله تعالي: أفلا تعقلون أسمي أنواع الهداية والإرشاد السليم, فإن من ألطف الأساليب في الخطاب والتوجيه, أن يكون للموجه إليه النصح صفة من شأنها أن تسوقه إلي خير, ولكنه ينساق إلي غيره من أنواع الشرور فيقع فعله من الناس موقع الدهشة والغرابة, فيذكر له مسدي النصح تلك الصفة في معرض الاستفهام بغية تذكيره بأن ما صدر منه لا يلتقي مع ما عرف عنه.