تسبب الغياب الأمني الذي عانت منه مصر خلال الفترة الماضية في حدوث العديد من حالات الفوضي, منها البناء علي الأرض الزراعية واقتحام منازل عنوة من قبل أشخاص مجهولين, وجاءت قرارات فورية وسريعة من جانب المجلس الأعلي للقوات المسلحة للتصدي إلي حالات الفوضي, واصدار عقوبات علي كل من يتعدي علي أرض زراعية, واخلاء المنازل التي اقتحمت بالعنوة, ولكن هناك جريمة الآن مازالت ترتكب نتيجة الغياب الأمني, ولم يلتفت لها المعنيون وهي هدم مبان تراثية استغلالا للفوضي, ورغم عدم وجود حصر شامل ودقيق لعدد المباني التي هدمت يكفي أن نذكر أن أحد المباني تسبب في مقتل ثلاثة عمال نتيجة سقوطه, سطور هذا التحقيق توجه رسالة إلي مرتكبي هذه الجريمة وتتوجه للمجلس الأعلي للقوات المسلحة لإصدار قرار صارم للتصدي لمرتكبيها. المذبحة أكدت الدكتورة سهير حواس رئيسة الادارة المركزية للدراسات والبحوث والسياسات بجهاز التنسيق الحضاري أن هناك حالات تم رصدها بالفعل بمحافظة الإسكندرية نتيجة الغياب الأمني, وحالة الفوضي التي تعرضت لها البلاد الفترة الماضية حيث استغل أصحابها الظروف, وقاموا بهدم بعض المباني والفيللات المسجلة علي أنها طراز معماري, مطالبة المجلس الأعلي للقوات المسلحة بأن يصدرتحذيرات وقرارات صارمة لمنع هدم المباني التراثية, كما فعلت في البناء علي الأراضي الزراعية, وفرض عقوبة صارمة علي أصحابها. وأضافت أن الشكوي تقدم بها أحد الأهالي بمنطقة الإسكندرية بشارع محمد فريد كما أن هناك عددا من أقسام الشرطة التي تعرضت للحرق كانت مسجلة كطراز معماري مثل قسم السيدة زينب والوايلي, وستشكل لجان لإعادة ترميمهما بشكل سليم, مشددا علي أن الفترة القادمة تحتاج منا إلي الالتزام في كل شيء دون الحاجة إلي رقيب لاصلاح ما تم افساده وبحاجة الي التوعية بالتاريخ, وكيفية المحافظة عليه ولسنا في حاجة الي قانون. وأوضحت أنه طبقا لقانون رقم144 لسنة2006 لا يجوز هدم المباني التراثية أو الفيللات وتصل الغرامة فيه إلي الحبس, وصدر القانون ليعالج الفجوة التشريعية التي حدثت نتيجة الغاء قرار الحاكم العسكري ليعالج مذبحة هدم الفيللات, وحرص جهاز التنسيق الحضاري علي تسجيل المباني ذات التراث المعماري, وما له قيمة تاريخية أومعمارية أو شخصية تاريخية أومزار سياحي مرتبط بالأحداث القومية او حقبة تاريخية, وشكلت لجان من اساتذة العمارة والانشاء والآثار والفنون ومندوب من الحي ووزارة الإسكان ووزارة الثقافة والجهاز لحصرها والجهاز مسئول عن الاعتناء بهذه المباني باعتبارها اثرا تاريخيا. استغلال الظروف وعلق الدكتور سمير غريب رئيس جهاز التنسيق الحضاري علي استغلال أصحاب المباني التراثية بأنهم خونة لأنهم استغلوا الظروف التي عانت منها البلاد من حالة انفلات لتحقيق مكاسب شخصية, موضحا أنه اسفرت عمليات الهدم عن مقتل ثلاثة عمال نتيجة انهيار المبني لتكون الجريمة مزدوجة, الأولي جريمة هدم مبني تراثي, وجريمة قتل وبناء علي ذلك قام الجهاز بتحريك دعوي جنائية للنائب العام والمحافظين بالتنسيق مع رؤساء المدن والاحياء بكل محافظة للمراقبة, لتبليغ النيابة علي الفور في حال ثبوت حالة أخري ولا يوجد حتي الآن حصر دقيق لعدد الفيللات والمباني التي هدمت. وأضاف ان هناك لجانا قائمة تعمل علي حصر المباني ذات الطراز المعماري المتميز, واذا ثبتت المخالفة قد تصل العقوبة الي حرمانه من بناء العقار مرة اخري, ومن المفترض أن يراعي قانون البناء الموحد كاشتراط لبناء العقارات مرة اخري. اختفاء تدريجي تري الدكتورة جليلة القاضي مديرة الابحاث بالمعهد الفرنسي للبحوث التابع لوزارة البحث العلمي أنه من قبل حدوث الغياب الأمني هناك اختفاء تدريجي للفيللات بالأحياء الراقية, ففي التسعينيات اختفت50% من الفيلل في مصر, واستمر الاختفاء الي حد الانقراض ففي المهندسين مثلا اصبحت المنطقة طاردة لسكانها لأنها تمثل مركزا للتجمعات التجارية, وأصبح اغلبها مناطق سكنية وادارية لجذب المستثمرين. وتوضح الدكتورة جليلة ان من أهم سلبيات الهدم ان له تأثيرات وخيمة لأنه يمثل ضغطا علي البنية التحتية, وفي دراسة اجرتها علي هدم الفيللات بعد حرب73 كانت البنية الاساسية لأغلب المباني منهارة وأدت إلي انفجار البنية التحتية لبعض المباني وسقوطها علي أصحابها, وتتم تعلية المباني بصرف النظر عن عرض الشارع ويحاول أصحابها الاستفادة من قيمة الارض لتأجيرها بشكل اقتصادي بحت, وهذا يكلف المحليات المسئولية, لزيادة كفاءة البنية الاساسية لتتوافق مع النمط الجديد لأنه يمثل اهدارا للموارد ولا بد من اعداد قوائم معتمدة للحفاظ علي ما تبقي من الثروة العقارية والتصدي لأي عبث حتي لا تلحق الكارثة بالمباني الاثرية, ومن المناطق الي اصبحت منشآت تجارية الدقي والمهندسين اما فيللات الزمالك, حدائق القبة, مصر الجديدة, جاردن سيتي فاستغلت كسفارات وقنصليات اما في المهندسين فاغلب مناطق الفيللات تستغل كمدارس. وتوضح أنه في ظل زيادة المعروض لهذه الأراضي سيؤدي إلي انخفاض سعرها نتيجة زيادة فرص الاختيار أمام المشتري, وهو ما دفع المواطنين للخروج إلي المدن الجديدة مثل القاهرةالجديدة, الرحاب, السادس من أكتوبر. وبسؤال اللجان المسئولة التي أشرفت علي حصر المباني التراثية يؤكد الدكتور عمر الحسيني الاستاذ بكلية العمارة بجامعة القاهرة أن محافظة القاهرة سبق أن قامت بحصر كل المناطق والعمارات الاثرية حتي يحظر هدمها, ولكن مع الغياب الأمني حدث العديد من التجاوزات خارجة عن ارادة الجميع فما ارتكب خلال الفترة الماضية جريمة, مؤكدا أن المناطق ذات القيمة المعمارية يحظر هدمها قانونا ويجب مراعاة ان يكون الهدم والبناء للفيللات طبقا لقانون البناء الموحد. لجان متخصصة ويوضح الدكتور صلاح زكي رئيس قسم العمارة ونائب رئيس الاتحاد الدولي للمعماريين أن هناك لجانا متخصصة مشكلة بواسطة كل محافظ تختص بتسجيل المباني ذات قيمة, واذا تبين انها مسجلة كتراث معماري لا يمكن هدمها, ولكن مع الغياب الأمني استغل أصحاب المباني الذين فشلوا في استخراج تراخيص للهدم في السابق, وقاموا بهدمها لأقامة أبراج سكنية, مؤكدا انه سبق أن ثبت العديد من محاولات تخريب من جانب أصحاب الفيللات للحصول علي ترخيص بالهدم واستغلال الارض, ولكن لا يصدر قرار بالهدم إلا بثبوت سوء حالة المبني وعدم حالات تخريب متعمدة وفي حالة ثبوت ذلك طبقا للقانون يحول الي النيابة و تصل العقوبة الي السجن. وعن الاجراءات القانونية لاستخراج ترخيص بالهدم يقول الدكتور زكي: اذا كنت تريد هدم فيللا ملكا لك فعليك ان تتقدم بطلب للحي الذي تقع فيه, ويقوم الحي بالمعاينة للتأكد من انها ليست محظورا هدمها وتحول كل اوراقها الي وزارة الإسكان للعرض علي اللجنة المختصة سواء كانت لجنة مبان آيلة للسقوط او غير آيلة للسقوط ولابد ان تكون خالية من السكان حتي ينفذ القرار سريعا واذا كان بها سكان قد يتخذ قرارا بترميمها حفاظا علي السكان واذا كانت مسجلة يتحقق اذا كانت اثرية لا يمكن هدمها. التنسيق الحضاري ويقول صلاح مرعي مهندس ديكور: نعيش في عصر لا يقدر قيمة التراث فهناك فيللات تمثل فترة معينة ولم يحدث لها أي تسجيل, وهدمت بالفعل ويجب الحفاظ علي ما تبقي, وما قام به بعض أصحاب الفيللات الفترة الماضية جريمة. ويري أن الحصر الذي اعده جهاز التنسيق الحضاري ليس كافيا لأن حصر الفيللات والمباني التراثية في كل المناطق والمحافظات يحتاج الي مئات الافراد وتعاون أكثر من جهة للوصول الي حصر دقيق. ويذكر أنه في أحد الافلام السينمائية التي كان يقوم بتصويرها ظل يبحث عن فيللا ذات أسوار حديد مشغولة, وظل يبحث عنها في جميع أنحاء القاهرة فلم يجد لذلك نحتاج إلي كتاب يحتوي علي تسجيل دقيق للفيللات والمباني التراثية في مصر, موضحا أن نصف الفيللات مغلق والاخر مؤجر, اما تحول الي مدارس مهملة نتيجة كسل الحكومة السابقة والفيللات الحديثة تفتقد الي العناصر المعمارية التراثية, أقرب الي الشقق السكنية وتقترب في التصميم الي الذوق الغربي, وتبتعد تماما عن التراث المصري الاصيل, لذلك لابد من اضافة مادة عن التراث والثقافة والمعمار في المناهج الدراسية الفترة القادمة. المقاولون المنفذون بالحديث معهم ادركنا أنهم لا يدركون قيمة هذه المباني, فيقول فوزي حمدين مقاول ان الفيللات لا تمتلك القدر العمراني المميز اما الأبراج السكانية فيشهد له الجميع بفخامتها مما يضيف لمسة جمالية للحي ولكنه حذر من اجهاد المرافق التحتية نتيجة تزايد اعداد السكان في المناطق التي تشهد يوميا هدم الفيللات: الهرم والدقي والجيزة والمهندسين. ولكنه يؤكد صعوبة الحصول علي تصاريح الهدم ففي الدول العربية لا يستغرق الحصول علي الترخيص أكثر من يومين, ولكن في مصر الأمر معقد لذلك لجأ البعض إلي تجاوز القانون. اما سيد عيسي مقاول فيقول إن عمليات هدم الفيللات والقصور لتحويلها إلي عمارات سكنية مستمرة بنشاط كبير منذ ما يقرب من5 سنوات, مبررا السبب بتزايد الطلب علي السكن في المناطق المتميزة, التي تأتي مصر الجديدة علي رأسها, وهي الزيادة التي لا تقابلها الأراضي المتاحة, موضحا أن تزايد الطلب دفع الأسعار إلي الارتفاع بصورة كبيرة, حيث وصل سعر الأرض في هذه المناطق إلي نحو40 ألف جنيه للمتر, وفي ظل هذا الأمر اتجه كثيرون إلي هدم الفيللات وتحويلها إلي أبراج لا تقل عن12 طابقا. وأضاف أنه احيانا يتم بناء البرج بالمشاركة بين صاحب الفيللا وأحد المستثمرين, يتم اقتسام الوحدات السكنية والإدارية في العقار بالتساوي, وهو ما يحقق أرباحا تقترب من10 ملايين جنيه لكل منهما, رغم أن تكلفة الهدم والبناء لا تتجاوز4 ملايين جنيه, في ظل أن الوحدات يتم بيعها نصف تشطيب. المنظومة العقارية ويؤكد المهندس الاستشاري عبد المجيد جادو خبير عقاري أن هناك احياء تتميز بطابع الفيللات وخططت طبقا لكثافة سكانية محددة, واذا تجاوزت هذه النسبة تمثل خطورة علي مستويات كثيرة من مرافق وخدمات وصرف صحي ولكن الكل أصبح يتعامل مع هذه المباني بنظرة تجارية باحتة لذلك يقترح أن يراعي تخطيط المناطق الجديدة لعشرسنوات قادمة, موضحا أن المنظومة العقارية تواجه والغاء قرار الحاكم العسكري يمثل معالجة الخطأ بخطأ فوقف عملية الهدم كان يمثل نوعا من الحدة في التعامل مع ملاك الفيللات وعمليات الهدم المستمرة للفيللات ولكن لكل مبني عمر افتراضي, لذلك يجب أن توضع خطة تنظم عملية الهدم. ويري المهندس ابو الحسن نصار خبير عقاري ومهندس استشاري ان قضية هدم الفيللات مشكلة اقتصادية تهدد سوق العقارات بأكمله, ومن المفترض ان يطبق قانون البناء الموحد119 لسنة2008 بحذافيره فلا يجوز للمواطن ان يحصل علي ترخيص بالهدم والتعلية الا بشهادة من استشاري متخصص حتي يتمكنوا من التعلية المناسبة. ويضيف: الفيللات من الناحية العملية لا تجد مكانها في الأحياء المزدحمة فأصبحت محاطة بأبراج سكنية مرتفعة مما افقدها خصوصيتها, وأصبح القاطنون بها لا يجدون فيها الخصوصية ولكن هذا لا يعني هدمها في غفلة الأمن ويجب الاشراف علي هدم الفيلل الآيلة للسقوط بعد انتهاء عمرها الافتراضي. ويؤكد حسين جمعة( رئيس جمعية الحفاظ علي الثروة العقارية) أن الدول المتقدمة حريصة علي ثروتها العقارية وطرازها المعماري لذلك يجب ان تؤول الفيللات القديمة ذات الطراز المعين الي وزارة الثقافة ولا تهدم, ويعوض اصحابها لتصبح مزارا سياحيا مع عقد لجان متخصصة لحصرها ومع المرحلة الجديدة التي تمر بها مصر يجب الحفاظ علي معالم مصر العقارية.