أنا الفتاة التي كتب لك عنها صاحب مشكلة حب العشرينيات, وقد قرأت ردك عليه وأحببت أن أروي المشكلة من ناحيتي علك تستطيع مساعدتي أنا أيضا: فأنا أدرس بالسنة النهائية في كلية فنية مرموقة, كان أحد أهم أحلامي الالتحاق بها, مررت ببعض التجارب المؤلمة في حياتي لا مجال لذكرها هنا لكنني تجاوزتها بفضل الله الذي أحرص علي إرضائه دائما وبفضل دعم أسرتي, لكنها أنضجتني وزادت شخصيتي قوة جعلت تفكيري أكبر من سني مثلما يقول لي دائما المحيطون بي. تعرفت علي شاب يكبرني بعام واحد استطاع أن يجذب انتباهي باهتمامه الشديد بي, ثم اكتشفت فيه صفات جيدة فضلا عن وسامته فهو متدين ومحترم لا يشارك الشباب في تصرفاتهم الطائشة ويحاول الاعتماد علي نفسه في بداية حياته.. ولا أنكر أنني شعرت بانجذاب شديد نحوه رغم أنني كنت أنتظر تخرجي بفارغ الصبر حتي أنطلق إلي العالم الرحب لأشبع هواياتي في التعلم والاستكشاف والعمل.. وسرعان ما اكتشفت الفروق الشاسعة بيني وبينه والتي تتلخص في اختلاف الشخصية والتفكير وأسلوب الحياة, فهو تقليدي جدا يحلم بفتاة يتزوجها لتطيعه وتلتزم بما يحب هو أو يكره, تنتظر أوامره لتنفذها بلا نقاش, وهي طريقة لم أعتد عليها حيث رباني والداي علي الاستقلال في التفكير والتصرف وأعطياني مساحة كبيرة تتناسب مع الثقة التي أولياني إياها. والآن يا سيدي أصبحت مشتتة بين مشاعري نحوه وبين الفوارق الكبيرة بيننا والتي تجعل كل المواقف اليومية العادية تنتهي بخناقة, مما يرعبني من فكرة الارتباط به والتي لا يري هو بديلا لها ويستعجلها كل لحظة... فبماذا تنصحني؟ ابنتي العزيزة بفضل التجارب المؤلمة التي مررت بها في حياتك وبفضل دعم أسرتك لك نضجت شخصيتك وازدادت خبرتك وبسببها أصبح تفكيرك سابقا لسنك وهذا ما جعلك إنسانة ناضجة ذات فكر وبصيرة, مستقلة بذاتها وفخورة بما لديها من قدرات, لها أهدافها في الحياة ولها طموحها اللا محدود في اكتساب مزيد من الخبرات وفي سعيها لتنهل من علوم الحياة والعلوم الإنسانية المختلفة. وإنسانة بتلك المواصفات لن ترضخ لفرض الرأي ولن تسمح لأي شخص يدخل حياتها بقهرها أو بتعطيل طموحاتها وهذا للأسف ما حدث من الشخص الذي دخل حياتك والذي لم يحظ بكل ما لديك من تجارب ولم يحظ بأسلوب تربوي من والديه الحاضرين الغائبين في نفس الوقت نتيجة لاغترابهم بعيدا عنه بهدف حصد مزيد من الأموال التي اعتقدوا أنها كافية كرصيد بنكي يتركونه لأبنائهم متناسين أو غافلين عن أهمية رصيد البناء النفسي والعقلي لهم. ونصيحتي للشباب في مثل عمر رجلك الصغير هذا أن يسعوا لبناء أنفسهم بأنفسهم عن طريق تثقيفها بمختلف العلوم الإنسانية والتي ستساعدهم علي فهم أعمق لطبيعة الحياة وطبيعة التعايش مع الغير ولا يتركون أنفسهم أسري لآباء ضلوا طريق الحياة وانقادوا وراء طمع جمع المال الذي يصبح مثل الماء المالح كلما شربوا منه ازدادوا عطشا. وإن أفاق هذا الشاب لكل القيم السابقة مبكرا- وهذا ليس بالشيء المحال- فسيكون قد أكمل خصاله الحسنة من طيبة ورزانة ووسامة, فإن صبرت عليه وشجعتيه علي التعلم وتطوير الذات فستكونين حققت لنفسك المعادلة الصعبة( الحصول علي شاب أقرب للكمال). لكن.. إن لم تستطيعي الصبر عليه وفضلت الانتظار حتي يعوضك الله بأن تحصلي علي رجل جاهز مكتمل الرجولة يعرف قيمتك ويسعد بها فلا أستطيع لومك لأنك إنسانة ذات قيمة لها كل الحق في الإحساس بذاتها وقيمتها العالية, فأنت يا ابنتي العزيزة حلم لأي أب وأم ولو أنك ابنتي لتمنيت لك أفضل الرجال وأقواهم عزيمة ليكون سندا لك وليس عبئا عليك, ليكون محبا لك ولنجاحك وليس غيورا منك أو عائقا لتقدمك, ليكون مكملا لك وليس ندا لك, ليكون بيده داعما لظهرك وليس كاشفا له ليكون رجلا بحق... ابنتي العزيزة إن الحب وحده لا يكفي لإعمار بيت الزوجية! والحب في المقام الأول هو العطاء, فنحن نحب عطاء المعطي لنا قبل أن نقع في حب ذات المعطي, وهو قد ندر وقل عطاؤه لك بعد الاطمئنان بأنه قد حصل عليك فعاد للنمطية في عطائه عندما نفدت بطاريات الإبهار التي شحنها في بداية العلاقة بغرض الحصول علي إعجابك وحبك وهذا هو ما جعلك في حيرة من أمرك الآن, فاحسمي حيرتك إما بإعطائه فرصة أخيرة والصبر عليه حتي يتحسن, وإما بتركه فورا.