مما يدعو للأسي والحزن في آن واحد, أن تتصالح مصر مع الفاسدين الذين نهبوا مقدرات هذا الوطن, وهربوا أموال الشعب المطحون إلي بنوك سويسرا, وتفننوا في المتاجرة بكل شيء, بداية من أقوات الناس حتي شواطئ الوطن ورماله وأرضه, وما تحت أرضه من غاز ومعادن وبترول وغيره. والمتابع لصفقات التصالح مع رموز نظام المخلوع مبارك سالم ورشيد ونظيف وعزمي وغيرهم, يجد أن هناك من يظهرهم بأنهم ضحايا وليسوا جلادين, وبأنهم يمنون علي الشعب المصري بتصالحهم وتنازلهم عن جزء مما نهبوه من ثروات هذا الوطن, وتجد من يصفق ويهلل لهؤلاء الأباطرة الذين سرقوا مستقبل وطن بأسره. ومما يثير العديد من علامات الاستفهام, ويفتح الباب علي مصراعيه للشك والريبة أن حسين سالم سيدفع للدولة5 مليارات جنيه مقابل حصوله علي صك الغفران, في حين أن الدولة المصرية مطالبة بتسديد2,1 مليار دولار بحكم دولي بسبب وقف تصدير الغاز لإسرائيل, كما أنها مطالبة بدفع8 مليارات أخري في قضية أخري مماثلة, أي أن مصر مطالبة بدفع أكثر من70 مليار جنيه, بسبب الصفقة المحرمة مع الكيان الصهيوني التي كان حسين سالم مهندسها وسمسارها, فهل هذا يرضي أحدا؟!. وللأسف الشديد تجد أن هناك من يهلل ويصفق لهذه الصفقات المشبوهة, ويؤكد أنها ستضخ مليارات الجنيهات لخزينة الدولة, مقابل تبييض وجوه رموز الفساد, ليعودوا إلي أرض الوطن ويمارسوا نشاطهم الإجرامي مرة أخري. ويبدو أن الدولة ترفع حاليا شعار اسرق- انهب- تصالح ليس مع رموز نظام مبارك فقط, ولكن مع كل من نهب وسرق وخالف وضرب عرض الحائط بكافة القوانين واللوائح والأعراف, حيث يتم حاليا التصالح مع من نهبوا أراضي أملاك الدولة وقاموا بشرائها بهدف الزراعة, وشيدوا عليها المنتجعات والقصور والفيلات, وباعوها بمليارات الجنيهات وملأوا خزائنهم وجيوبهم, وما فاض منهم هربوه إلي بنوك الخارج لتأمين مستقبلهم ومستقبل أولادهم إلي أن تقوم الساعة. وبدلا من تنفيذ القانون وإزالة مخالفات البناء, المتمثلة في آلاف الأبراج السكنية المخالفة, حتي يتم ردع المتجاوزين, نجد أن هناك من يحاول إصدار قانون ليقنن الفساد في مخالفات البناء, وها هي وزارة الكهرباء تقوم بتوصيل التيار بنظام الممارسة للمباني المخالفة. وأري من وجهة نظري أن التصالح في أي مخالفات أو تعديات أو نهب للمال العام, يعد بابا خلفيا لتقنين الفساد, فبدلا من وضع قوانين وقرارات حاسمة ورادعة لمنع التصالح مع الفاسدين, نجد الدولة تتصالح معهم, وتمنحهم صك البراءة, مما يثير حقد وحنق وغضب المواطنين الصالحين الذين لم يخالفوا ولم ينهبوا ولم يسرقوا. فالدولة هنا لا تتصالح مع رموز الفساد فقط, ولا مع من نهبوا أراضي أملاك الدولة, ولا مع من قاموا بتشييد ناطحات سحاب بالمخالفة للقانون, ولكنها تتصالح أيضا مع كافة الفاسدين في أجهزة الدولة الذين أغمضوا أعينهم وتواطئوا وسهلوا سرقة المال العام, تتصالح هنا مع الفاسدين والمرتشين في البنوك الذين حولوا فلوس الحرامية إلي بنوك سويسرا, وتتصالح مع مهندسي الزراعة الذين تواطئوا مع محترفي نهب أراضي الدولة, وتتصالح مع مافيا المحليات التي فتحت الباب علي مصراعيه للمخالفين, ووضعت تسعيرة جبرية لكل دور مخالف. كلمة أخيرة من أمن العقاب وضمن التصالح.. نهب وسرق وعاث في الأرض فسادا وتخريبا.