في ظل ماتمر به البلد من أزمات اقتصادية خانقة تخرج علينا حكومة الجنزوري بطرح فكرة التصالح مقابل رد الأموال . وكأن هذه الأزمات خلقت عمدا لتلاقي فكرة التصالح قبول الرأي العام المصري وبالفعل هناك من يناقش الفكرة ويسعي لإيجاد الصياغة المناسبة لها وهنا تختلط حسن النوايا بسوء الظن خاصة ما يكتنف هذه المسألة من التعتيم في التقدير الدقيق لقيمة تلك الأموال وأماكن وجودها وكذب المهتمين في التحقيقات السابقة بشأن هذا الأمر وعدم ضمان كذبهم مرة أخري في إقرار القيمة الحقيقية لتلك الأموال . والاهم هو هل سنسترد مع تلك الأموال ما سفك من دماء شهداء الثورة ومصابيها؟. يقول عاطف مغاوري عضو مجلس الشعب، إن الأموال العامة حق المجتمع فلا يجوز التصالح في شأنها، فهي قضية مبدأ وهذه الجريمة متعلقة بتدمير الإنسان والمجتمع المصري عبر التجريف السياسيي و الإجتماعي والثقافي والاقتصادي وإهدار الحقوق بنهب الثروات وإستغلال النفوذ، فهذه الجرائم يجب أن يحاسبوا عليها . ويتساءل مغاوري أين القسم الذي ردده كل مسئول عند توليه المسئولية بدءا من رئيس الدولة ورئيس الوزراء والوزراء فمن حلف هذا القسم يجب أن يحاسب، فهناك فرق بين من خالف القانون مثل التهرب الضريبي والجمركي وغيرها من المخالفات التي يقع فيها المستثمرون وبين أن يتحول من يقود البلد إلي مجلس فساد ونهب. وهذه فرصة للشعب المصري أن يرسي قاعدة محاسبة ومساءلة أي مسئول إذا أخطأ في المستقبل. اخفاء الأموال ويضيف مغاوري أين نتيجة الإجراءات التي اتخذت منذ فبراير 2011 فهذه فترة كافية لنقل واخفاء الأموال التي نهبت من مواقعها ومنذ فترة رئاسة أحمد شفيق للوزارة هناك من يدير هذه المنظومة ويرتب الأوضاع ويؤكد مغاوري أن مصر فقدت 800 مليار جنيه بسبب قرار التصالح مع الذين حصلوا علي أراض صحراوية بقصد الزراعة حيث تمت المصالحة بالسعر القديم للشراء " منذ عشرين سنة "وبسبب إعتبارها أراضي زراعية رغم إنها حاليا أراضي بناء فاخر " منتجعات وفيلات ". ويقول دكتور ثروت بدوي أستاذ القانون بجامعةالقاهرة هذه بداية سيئة لمجلس الشعب وحكومة الجنزوري وحلقة في سلسلة طويلة من الأعمال غير المدروسة والتي تكشف عن انعدام قدرات القائمين علي شئون البلاد في الوقت الحاضر . وهذا المشروع يؤكد اننا لا نزال نعيش في جو فاسد يعبث بالمباديء والقيم لأن مبدأ التصالح دون مساءلة جنائية لمجرد رد الأموال المنهوبة أمر مهين للشعب المصري . وهناك أمر غامض فيما يتعلق بتقييم الأموال والثروات المنهوبة فهل ستقدر قيمتها بتاريخ ردها أم بتاريخ نهبها . ويضيف بدوي هذا القانون مخالف للمباديء الدستورية العامة الموجودة في جميع الدول حيث لا يمكن التجاوز عن نهب المال العام بالتصالح و كان من الممكن أن نفكر في التصالح في بداية الثورة قبل تهريب الأموال واخفائها علي أن تقتصرالفكرة علي من سيرد الأموال كاملة مع توقيع عقوبة غرامة وإعفاء هؤلاء من المشاركة في جريمة نهب الأموال التي قام بها الحكام بشروط تختلف عن الشروط التي جاء بها القانون أما الآن فلا سبيل إلي التصالح أو العفو عن جرائم النهب والسرقة والرشوة ويبدو أن واضعي هذا القانون هم أنفسهم الذين وضعوا قانون منع التظاهر وكبت الحريات الأمر الذي يؤكد أن الوضع الحالي أسوأ من عصر حسني مبارك . ومن المغالطة أن نربط فكرة التصالح بالتسهيلات التي تمنح للمستثمر الحقيقي عند تعسره ليتمكن من الإستمرار وهذا أمر مختلف تماما عن هؤلاء المسئولين المدعين صفة المستثمر لينهبوا أموال وأراضي وثروات الدولة بالبخس . فنحن هنا نتحدث عن التصالح مع ناهبين ولصوص مع سبق الإصرار . كثير من العبث ويقول دكتور عصام الإسلامبولي: هذا الكلام فيه الكثير من العبث لأن المقصود بالتصالح الموجود بالقانون يخص المستثمرين الذين حصلوا علي أراض أو ثروات طبيعية من البلاد بأقل من سعر السوق فهنا تتم معالجة الأمر بدفع فارق السعر وتتم المصالحة وليس المقصود به التصالح مع المسئولين السياسيين أو الحزبيين عند استيلائهم علي أموال الدولة ونهبها فهذا الكلام لا يتفق مع فلسفة القانون الذي يقوم علي العدل فالعدل يقتضي أن يتم معاقبة كل من كان مسئولا ثم استولي ونهب وسهل سرقة ثروات البلاد . حتي وإن كان مستثمرا وإلا يصبح الشعار «دعني أسرقك وانهبك ثم نتصالح» . ويؤكد الإسلامبولي إن القائمين علي رد تلك الأموال من الخارج متلكأين ومتواطئين فكان ينبغي أن تتخذ منذ البداية اجراءات مشددة وواضحة وسريعة وانما المسألة تدار بطريقة تآمرية. ويبرهن الإسلامبولي علي صحة كلامه بما أعلنته الخارجية البريطانية من عدم جدية وصحة الإجراءات التي اتخذتها الدولة المصرية .وكل ما يحدث هو حصول هؤلاء علي مكافآت وبدلات سفر يقضون اجازات في الخارج علي نفقة الدولة ثم يعودون بخفي حنين فهذه القضية ينبغي أن تتم مواجهتها بكل حسم وينبغي محاسبة كل من قصر في هذه المهمة . مصالح الوطن ويضيف عصام شيحا المحامي أن القانون المصري عرف المصالحة منذ عام 1934 ثم أضيفت مواد جديدة في الفترة الأخيرة لقانون حوافز الاستثمار بهدف الوصول إلي حق الوطن الذي تم الإستيلاء عليه بدون وجه حق والقانون المصري أقر المصالحة في العديد من القضايا الخاصة بالضرائب أو الجمارك وغيرها . وهنا يجب أن نفرق بين السجين علي ذمة قضايا جنائية مالية فهذه يمكن التصالح فيها أما السجين علي ذمة قضايا جنائية خاصة بالدم لا يمكن التصالح فيها إلا من طرف ولي الدم فهو الوحيد الذي يملك التصالح بالإضافة لحق المجتمع . والشيء الآخر هو أن التعديلات التي أدخلت سواء علي المادة السابعة أو المادة 66 من قانون حوافز الاستثمار في يناير الماضي لم يتم طرحها بشكل مناسب علي الرأي العام . ويؤكد شيحا أن هناك عدة دول قامت بالتصالح في أعقاب الثورات مثل جنوب إفريقيا التي أستطاعت لجنتها تسوية المشاكل المتعلقة بالأموال وأعادتها مرة أخري لخزانة الدولة . والاموال التي يدور الحديث عنها في مصر مبالغ طائلة، الخزانة العامة للدولة في أشد الحاجة إليها ويستلزم الوصول إليها بالكامل وفي وقت قصير عقد التصالح مع الذين أدانتهم النيابة العامة في قضايا ماليه بشرط أن التنازل عن كل الأموال التي حصلوا عليها بعد توليهم مناصبهم علي أن يكون الفيصل هو إقرار الذمة المالية المقدم قبل تولي الوظيفة . لذا يجب علي الجهات المسئولة تحري صدق العروض المقدمة و دراستها بدقة فإذا تبين كذب صاحب العرض فيما يتعلق بقيمة ما يملك يتم الحصول علي المبلغ و محاكمته أما إذا تحققت النيابة العامة من صدقه في تقدير مايملك وحرر بها توكيلا غير قابل للإلغاء ثم تدخل في خزينة الدولة قبل التوقيع علي وثيقة التصالح . ويؤكد شيحا أهمية بلورة الفكرة وإجراء بعض التعديلات علي القانون من قبل مجلس الشعب حيث أن القانون لم يتناول بوضوح المسئول السياسي الذي تولي منصب وحقق منه مكاسب مالية أو الذي قام بإهدار المال العام والإستيلاء عليه بطرق غير مشروعة فهذا يحتاج لمراجعة المذكرة التفسيرية التي بني عليها التعديل في نص المادة 7 والمادة 66