سارة ساندز, سجينة بريطانية مطلقة وأم لخمسة أطفال, استحقت انشغال البريطانيين بها خلال الأسبوعين الماضيين, قبل شهور قتلت المرأة رجلا له سجل باعتداءات جنسية علي الأطفال, وكان طليقا, يعيش في المنطقة نفسها التي تسكن فيها سارة وأولادها شرقي لندن, علي ذمة قضية اعتداء جديدة, حكمت المحكمة علي سارة بالسجن ثلاث سنوات ونصف, غير أن النيابة العامة تلقت, كما تقول الكثير للغاية من المراسلات تتعلق بهذه القضية التي تتسم بدرجة عالية من العاطفية والحساسية. وطالب الناس النيابة بمراجعة ملف القضية وطلب استئنافها لأن حكم السجن مخفف أكثر من اللازم ضاعفت محكمة الاستئناف الحكم, فانقسم الناس. منهم من رأي سارة بطلة كان يجب أن تكافأ لأنها خلصت المجتمع من وغد شرير ومجرم خطير معتد علي الأطفال, وهناك من رآها مخطئة لأنها قررت محاكمته وتنفيذ حكمها فيه, وكأنه لا توجد دولة ولا قانون ولا قضاء. وفريق ثالث رأي أن القضية تلخص ورطة يعيشها المجتمع البريطاني الذي لم تكبح أحكام قضائه جماح رغبات الشواذ المعتدين علي الأطفال. لا تعي ذاكرة البريطانيين أزمة أخلاقية إنسانية تتعلق بحماية الأطفال كتلك التي يعيشونها الآن. فجرائم التحرش والاعتداء الجنسي علي الأطفال لا تتوقف. ووفقا للقانون البريطاني, فإن الطفل يتعرض للإساءة الجنسية عندما يجبر أو يقنع بالمشاركة في نشاطات جنسية. وليس من الضروري أن يكون هذا النشاط جسديا, إذ يمكن أن يكون عبر الانترنت. وتقول جماعات حقوق وحماية الطفل في بريطانيا إنه في بعض الأحيان لا يدرك الطفل أن ما يتعرض لها هو استغلال جنسي, بل إن الطفل لا يفهم أحيانا أن ما يعترض له انتهاك لحقوقه. وتعترف الإحصاءات الحكومية بارتفاع مخيف في نسب جرائم الاعتداء, وفق هذا التوصيف, علي الأطفال خلال السنوات الأخيرة في مختلف أقاليم المملكة المتحدة. ففي إقليم انجلترا ارتفع عدد جرائم التحرش والاعتداء الجنسي بمختلف فئاتها, علي الأطفال أقل من18 سنة, بنسبة39 في المائة عام2014, مقارنة بعام.2013 ووصلت نسبة الزيادة إلي13 في المائة في ويلز, و26 في المائة في ايرلندا الشمالية,12 في المائة في اسكتلندا. قضية سارة والمعتدي علي الأطفال هي الأحداث, من حيث طبيعتها الدرامية, في ملف تتزايد أوراقه. فالشرطة تنبش في تاريخ شخصيات شهيرة متهمة بارتكاب مثل هذه الجرائم التي اقترنت أحيانا, كما تقول الإدعاءات, بقتل الأطفال, ولم يعد يمر أسبوع إلا ويسمع البريطانيون عن واحد من هذه الشخصيات. لم يمنع نفوذ أو تاريخ أو سمعة بعض الشخصيات القانون من أن يأخذ مجراها.ولم يعترض أحد علي الملاحقة بدعوي, مثلا, أن هذا يكشف غسيلا بريطانيا قذرا, أو يسيء إلي صورة مؤسسة سيادية أو مرموقة ينتمي إليها المتهمون أو المشتبه بهم. ومن النادر للغاية أن تدلي الحكومة البريطانية برأيها في تحقيق قانوني. لكن ديفيد كاميرون, رئيس الوزراء, فعلها هذه المرة, نظرا لخطورة القضية. يقول كاميرون من الصعب للغاية أن يشارك رئيس وزراء في هذا النقاش لأن أجهزة الشرطة والنيابة يجب أن تكون حرة في اقتفاء أثر الأدلة مهما تكن الجهة التي تقودها إليها, وتلاحق الأشخاص مهما تكن رفعة مكانتهم أو قوتهم. وهذا ما تفعله الشرطة البريطانية التي تباشر عددا من التحقيقات واسعة النطاق, آخرها أطلقت عليه عملية ميدلاند لتطهير سجل المؤسسات العامة, بلا أي استثناء, من شبهات الاعتداء علي الأطفال. أطلقت العملية في شهر نوفمبر2014, لتقصي مدي صحة ادعاءات بمقتل عدد من الأطفال علي يد عصابات من كبار الشخصيات النافذة التي استغلت الأطفال جنسيا لفترات طويلة منذ سنوات بعيدة. وبعض الشخصيات, الراحلة والحالية, التي أثيرت حولها شبهات, ينتمي إلي الاستخبارات والأحزاب الكبري ومجلسي العموم واللوردات والجيش ووزارة الخارجية وهيئة الإذاعة البريطانية العريقة بي بي سي والشرطة, كما أنه من بينهم حتي رئيس الوزراء الشهير السابق إدوارد هيث. وتقول الشرطة إن الجرائم المحتملة يعود بعضها إلي30 عاما. ولا يزال المحققون يتابعون التحقيقات بالتفصيل دون تدخل من أي جهة, أو الكشف عن أي أسماء أو معلومات مهما تكن التكهنات, تطبيقا للقانون. وفي شهر يوليو الماضي, فتحت وزارة الداخلية البريطانية تحقيقا قضائيا مستقلا في الانتهاكات الجنسية بحق الأطفال بهدف التدقيق في كيفية أداء مؤسسات الدولة واجبها في حماية الأطفال من الاستغلال الاعتداء الجنسي. وتشمل صلاحية التحقيق, غير المسبوق في تاريخ بريطانيا,12 جهة ومؤسسة تشمل حتي الكنائس بما فيها كنيسة انجلترا وبعض المدارس والمستشفيات والمؤسسات ذات الصلة بمقر الحكومة البريطانية. لم يدم إصرار المحققين علي سرية التحقيقات طويلا. فمنذ أيام قررت الشرطة إغلاق أحد الملفات التي شغلت الناس, وتتعلق بمزاعم اعتداء علي طفل جنسيا من جانب لورد أيديوين برامول, المشير السابق, في الفترة بين عامي1976 و.1984 وقالت الشرطة إن الأدلة غير كافية لإحالة برامول للقضاء. وقال عمدة لندن إن اسم الرجل العسكري, رئيس الأركان السابق الذي كان دور بارز في الحرب العالمية الثانية, قد مرغ في الوحل, وطلب من الشرطة الاعتذار للورد, البالغ من العمر الآن92 عاما, الذي وصفه كاميرون بأنه رجل رائع يتمتع بسجل عظيم في خدمة بلادنا. ردت الشرطة, بأنها كانت علي صواب عندما لم تتجاهل بلاغ مواطن بريطاني ضد مواطن آخر مثله ب إدعاءات خطيرة تقول إن برامول, اغتصبه في قاعدة عسكرية قبل30 عاما. غير أنه طوال التحقيق الذي استمر نحو عام, وشمل مداهمة منزل اللورد وتفتيشه بدقة. ولم يمنع مرضه الشديد المحققين من استجوابه للوصول إلي الحقيقة. ماذا لو أخطأت أجهزة التحقيق؟, وهذا وارد. يجيب كاميرون لو شعرت( الأجهزة) أنها أخطأت, آمل أن تكون كبيرة لدرجة أن تقدم علي إعطاء الناس( الذين أخطأت في حقهم بعض السلوي لاحقا). لم يخف ما حدث مع لورد برامول الشرطة البريطانية واكتفت بالتعبير عن الشعور بالأسف عن المحنة التي مر بها, دون الاعتذار لأنها تصرفت وفق مبادئ العدالة البريطانية.. والمساواة أمام القانون بغض النظر عن الوضع أو المكانة الاجتماعية. وأصرت علي أن عدم توافر أدلة تؤيد المزاعم ضد اللورد, لا يعني أنه لم يكن يجب التحقيق في هذه المزاعم. وقالت إن عملية ميدلاند ستستمر لأن هذا هو الصواب.