بسرعة البرق قفزت إلي ذاكرتي حوادث القطارات الكارثية, التي ما تزال تنزف دما عقب خبر طالعته بالأمس عن مصرع7 أشخاص في حادث مزلقان العياط بالجيزة, فتلك الكوارث التي لا حصر لها, ومنها احتراق270 مواطنا في قطار الصعيد, ومصرع48 طفلا في أتوبيس مدرسة اصطدم بقطار أسيوط, و37 قتيلا في اصطدام أتوبيس الفرح بقطار بضائع دهشور, وغيرها من المآسي الإنسانية, تركت وما تزال جراحا غائرة في قلوب أهالي الضحايا, الذين يتجاوز عددهم المئات سنويا. للأسف لن يكون حادث مزلقان العياط هو الأخير, فعلي مدار ثلاثة عقود مضت, ونحن نسمع عن خطط لوذعية جهبذية عنترية, وتصريحات وردية عن تطوير المزلقانات وتزويدها بالإشارات الإلكترونية والاستغناء عن السلسلة الحديدية, وأضحت هذه التصريحات بمثابة إسطوانة مشروخة يتم تشغيلها عقب كل كارثة ولا تختلف سوي في المكان والزمان وأعداد القتلي والمصابين وقيمة التعويضات. وبصراحة أقول: إن جميع خطط التطوير التي يتم الإعلان عنها ليل نهار للقطارات والعربات والمزلقانات ستذهب هباء منثورا ولن تترك أثرا في نفوس المواطنين, طالما تقع هذه الحوادث المؤلمة بنفس السيناريو المتكرر, وبنفس ردود الأفعال التي تبدأ بتشكيل لجنة فنية, يكون ضحيتها غالبا عامل المزلقان المغلوب علي أمره, ويهرب بقدرة قادر المسئولون الحقيقيون عن الواقعة وعلي رأسهم الوزير المسئول الذي يجب أن يسأل عن كل كبيرة وصغيرة في القطاع المسئول عنه, ولا يتم ترك الأمور للصدفة, كما يجب أن تكون هناك شفافية في التحقيقات, حتي يتم تقديم الجناة للمحاكمة وتوقيع أقسي عقوبة ممكنة علي كل من تسول له نفسه التلاعب بأرواح الأبرياء. وحالة المزلقانات المذرية لا تخفي علي أحد وما تزال السلسلة الحديدية هي سيدة الموقف,والبوابات إن وجدت فهي بدائية, وكثير من الصافرات التي تحذر من اقتراب القطار إلي المزلقان معطلة, ناهيك عن المئات من المزلقانات العشوائية, التي تمتد علي مسافة9570 كيلومترا- هي طول شبكة سكك حديد مصر, وسطوة الباعة الجائلين الذين يفترشون مداخل ومخارج المزلقانات ببضاعتهم ولا يتركون متنفسا للعابرين. وأقول للدكتور سعد الجيوشي وزير النقل: إذا كانت الوزارة عاجزة عن إدارة منظومة القطارات في مصر, فليس عيبا أن نسند إدارتها إلي إحدي الشركات المتخصصة, لأنه باختصار لن يكون الحل بالإشارات الإلكترونية أو الضوئية, في ظل عدم وجود متابعة وصيانة مستمرة لما يتم تطويره, فهناك العشرات من إشارات المرور الإلكترونية المعطلة, ويتم تركها ربما شهورا بدون إصلاح وبدون متابعة, خاصة وأن آفة مصر في مختلف المجالات هي غياب الإدارة الرشيدة القادرة علي تنفيذ القانون بحسم وشفافية وموضوعية علي الجميع, بعيدا عن المجاملة والكوسة وباقي فصيلة الخضراوات الطازجة. كما يقع علي عاتق المحافظين مهمة رفع الإشغالات والباعة الجائلين والأكشاك من علي المزلقانات, التي تحولت إلي أسواق عشوائية في ظل فساد المحليات المزمن, وأيضا القيام برصف وإضاءة الطرق المؤدية إليها وإزالة كل ما يعيق رؤيتها, بالتنسيق مع مختلف الجهات المعنية. ومما يدعو للسخرية وفقدان الأمل في آن واحد, أنه لم يتم علي مدار سنوات عجاف سوي تطوير118 فقط من إجمالي1332 مزلقانا. كلمة أخيرة عشرة ملايين طفل عربي بلا مأوي.. ضحية فساد الأنظمة وديكتاتوريتها.. وجشع وجهل من باعوا أوطانهم وتحالفوا مع الشيطان.