أخشي أن أغلق عيني فيأتيني من جديد صوته في أذني وكأنه الرعد يسري في أوصالي كلما سمعته.. نعم خنقت جدي وحرقت جثته و لكن روحه تقتلني رعبا كل ليلة و كلمات الندم لا تكفي لوصف شعوري الآن بعد أن أمرت النيابة بحبسي.. أتوقع الحكم علي بالإعدام.. وحبل المشنقة لن ينهي معاناتي.. ظننت أنني سأرتاح بعد الاعتراف ولكن جدي يأتيني في حجز القسم حتي ولو وضعت رأسي أسفل بطاطين الدنيا. هكذا بدأ قاتل جده حديثه لالأهرام المسائي وقبل الحديث بثت عينا الشاب آلاف الرسائل من الخوف والندم والحسرة وختمتها بالبكاء المرير والنحيب اللذين لم يتوقفا لحظة طيلة حديثه معنا.. قال الشاب حديثا مطولا استشعر فيه حجم ذنبه وندمه علي قتله لجده وتوسل كثيرا طالبا الصفح من الجميع وقبل الأرض ندما.. ولكن في أي ميزان توضع كلماته ؟!.. جلس الشاب المتهم حسن 22 سنة ترتعد فرائصه من شدة الحزن وتحركت عيناه في كل مكان غير مستقرة علي شيء وكان في كل مرة يحاول الهرب بعينيه بعيدا في عالم آخر.. بدأ في سرد كلماته التي خرجت في حشرجة وتقطع ومرارة طوال الحديث وقال: ولدت في منطقة الجمالية ولم تكن لي آمال وطموحات سوي الحصول علي الأموال لكي أقطن شقة وأتزوج إلا أن حظي العأثر جعلني أترك دراستي في المدرسة الصناعية قبل التخرج بعام و بدأت في العمل بالمقاهي و المطاعم وغيرها و هكذا استمرت حياتي منذ أن كان عمري12 عاما, كنت أنام في أماكن العمل حينما أتشاجر مع أسرتي لأي سبب من الأسباب.. عملت مع جدي عبد السميع لعدة أشهر في مقهي كان يستأجره بمنطقة الدرب الأحمر وكان يعاملني مثلي مثل أي عامل آخر ولم أكن مميزا بالنسبة له.. وبعد فترة تركت العمل في المقهي و بدأت التنقل في مقاه أخري ومطاعم حتي تعرفت علي صديقي محمد الهواري الذي يكبرني بعام و ظلت علاقتنا طيبة عدة سنوات عرفنا معا تدخين السجائر ثم تعاطي الحشيش والأقراص المخدرة. صمتت شفتا الشاب وحملق في سقف الغرفة في حركات لا إرادية و واصل حديثه قائلا: قبل الحادث بأيام كنا نتسامر أنا وصديقي محمد الهواري وتحدثنا في إحدي السهرات عن ضيق الأحوال و حالة الكرب التي كنا فيها وذكرت له حينها أن والدي منعني من دخول المنزل بسبب قيامي ببيع هاتف شقيقي المحمول وانفاق الأموال علي المخدرات وخلال الحديث قفزت إلي ذهني فكرة سرقة أموال جدي الذي أعتبره بخيلا علينا فهو منذ أن ماتت جدتي ولا نعرف له منزلا ولا وجها.. و في نهاية الجلسة اتفقنا علي تنفيذ السرقة والهرب بالأموال.. وفي الليلة التالية كان صديقي يراقب جدي ويتتبع خطواته حتي سنحت له فرصة الدخول إلي المنزل وعندما شعر جدي به حاول التصدي له إلا أنه أزاحه وطرحه أرضا وجاءني في المقهي واخبرني بفعلته وقال لي: أنا معرفش مكان الفلوس وسبتلك الباب مفتوح وجدك حاول يمسكني وأنا ضربته و روح انت كمل عليه وولع في الشقة علشان آثار الجريمة والبصمات متظهرش.. فقولت له بحدة: متهزرش هو إنت فعلا عملت كده ولا إيه ؟ وهرولت مسرعا إلي الشقة و وجدت جدي علي الأرض ويصرخ بصوت مكتوم ورفعته إلي السرير وتأكدت من أنه بين الحياة والموت وكان شغلي الشاغل سرقة الأموال. صمت الشاب والدموع تنهمر من عينيه ويديه ترتجف بشدة. وواصل قائلا: فتحت درج الفلوس بجوار السرير ووجدت6 آلاف جنيه والتقطتها يداي بسرعة مع هاتف محمول واخرجت ولاعتي وأشعلت النيران في ملاءة السرير و خرجت من باب الشقة وأغلقته بالمفتاح وهربت من الحارة بسرعة و هاتفت صديقي وأخبرته بأنني عثرت علي ألف و600 جنيه فقط وتركت الحارة بصحبة صديقي تاركين سيارات المطافئ خلفنا تصرخ لإخماد النيران التي اشعلتها و في تلك الليلة أعطيت صديقي600 جنيه فقط من الأموال وأخذت أنا الباقي وهربنا معا حتي ألقت المباحث القبض علي وتطارد صديقي الآن. وفي ختام حديثه قال المتهم: أشعر بالذنب تجاه جدي و أنا أستحق الإعدام ولكن صديقي يستحق الموت ألف مرة لأنه هو الذي بدأ في التفكير الشيطاني معي ودفعني لارتكاب الجريمة. كان اللواء هشام العراقي, مدير الإدارة العامة لمباحث القاهرة, قد تلقي إخطارا يفيد بنشوب حريق بشقة كائنة بالطابق الثاني بشارع المغربلين بمنطقة الدرب الأحمر وتمكن رجال الحماية المدنية من إخماد الحريق وعثر علي جثة متفحمة لشخص يدعي عبد السميع. ا 80 عاما صاحب مقهي. وأمام الرائد خالد سيف الإسلام رئيس مباحث الدرب الأحمر, رجحت ابنة المتوفي وتدعي أسماء 41 عاما ربة منزل أن يكون سبب الحريق نوم المجني عليه وبيده سيجارة مشتعلة ولم تشتبه أو تتهم أحدا بإشعال النيران بالشقة وفي هذه الأثناء وردت معلومات لضباط المباحث مفادها أن حفيد المتوفي ويدعي حسن. س 22 عاما عامل بمطعم وراء ارتكاب الواقعة. وفور انتقال قوة أمنية بقيادة النقيب أمير العشماوي معاون المباحث تمكنت من إلقاء القبض عليه وبمواجهته أمام اللواء محمود خلاف اعترف بارتكاب الواقعة. أمر اللواء خالد عبدالعال مدير أمن القاهرة بتحرير محضر بالواقعة وإحالته إلي النيابة التي أمرت بحبسه4 أيام علي ذمة التحقيق وضبط وإحضار المتهم الهارب.