يتوقع خبراء الاقتصاد ومصرفيون وضعا حرجا للجنيه المصري اذا استمر الخلل في هيكل سوق الصرف, وتزايد العجز في ميزان المدفوعات, وتزايد الضغط علي قيمتة. وقالوا: إن عودة الروح للجنيه تكمن في عوامل عديدة اهمها, إعادة ترتيب أولويات الاستثمار حتي لا تبدد الأموال في مشروعات لاطائل من ورائها, وتوجيه الموارد إلي قطاعات الصناعة والزراعة والتصدير, وحسن إدارة الاحتياطات الدولية من العملات وعدم التفريط فيها. الاهرام المسائي تتناول في هذا التحقيق بالرصد والتحليل واقع الجنيه في ظل النظرة التشاؤمية لسعر الصرف, وتباطؤ الاقتصاد العالمي, وتخفيض مستوي العملة الصينية وتراجع أسعار الروبل وانخفاض قيمة اليورو بنسبة32% أمام الجنيه المصري, والاضطرابات السياسية التي تشهدها المنطقة العربية. لقد شهد العام الماضي استمرار اشتعال ازمة الدولار التي بدأت عقب ثورة يناير ومازالت بسبب العجز المتزايد في ميزان المدفوعات وتزايد الضغط علي قيمة الجنيه, وزيادة عجز الميزان التجاري نتيجة زيادة الفجوة بين الواردات والصادرات التي تراجعت بنحو30%, وقد صاحب ذلك انخفاض مقدار الفائض في ميزان المعاملات غير المنظورة( الخدمات) بسبب تدني عائد السياحة, وانخفاض تحويلات المصريين العاملين بالخارج, واستخدام عائد قناة السويس في العطاء الدولاري الذي يطرحه البنك المركزي ثلاث مرات اسبوعيا لسد احتياجات البنوك من الدولار وتغطية الاعتمادات المستندية المفتوحة. ويتضح من ذلك, ان الجنيه فقد17% من قيمته في الفترة التي تولي فيها هشام رامز قيادة البنك المركزي بما يوازي112 قرشا, حيث تولي إدارة البنك المركزي في فبراير2013 وكان سعر صرف الدولار يساوي6.61 جنيه, وترك البنك في نوفمبر2015 وسعر الدولار يساوي7.73 جنيه, وفي اكتوبر الماضي فقد الجنيه19.9% من قيمته بما يعادل132 قرشا حيث قفز الي مستويات قياسية وتخطي عتبة الثمانية جنيهات في الجهاز المصرفي, فيما سجل خسائر فادحة في السوق الموازية. وارجع الدكتور محمود عبد الحي, الخبير الاقتصادي بمعهد التخطيط القومي, تدهور الجنيه خلال العامين الماضيين الي خلل في هيكل سوق صرف حيث تعددت اسعار الدولار الذي تسيطر عليه قلة من المحتكرين. وقال ان تقرير المركزي بشأن المعاملات الاقتصادية مع العالم الخارجي كشف عن تحقيق ميزان المدفوعات عجزا كليا بلغ3.7 مليار دولار, علي عكس السنوات الماضية حيث كان ميزان المعاملات غير المنظورة, الخدمات من سياحة وتحويلات المصريين العامين في الخارج, وقناة السويس, وميزان المعاملات الرأسمالية يحققان فائضا يكفي لتغطية العجز في الميزان التجاري, مما كان يؤدي الي تحقيق فائض أو توازن في ميزان المدفوعات في كثير من السنوات. وقال ان الحل الجذري لمشكلة الجنيه يكمن في تقوية القاعدة الانتاجية وتنميتها بمعدلات مرتفعة وتوجيهها للتصدير مع اعطاء الاولوية للسياسات التي تؤدي الي علاج الخلل في ميزان المدفوعات بدلا من تركيز البنك المركزي علي تحقيق استقرار في سعر الصرف عن طريق التضحية بالاحتياطي من النقد الاجنبي. وقال انه يجب علي الحكومة ان تعيد النظر في أولويات الاستثمار بدلا من تبديد الموارد في مشروعات لا فائدة منها, موضحا ان وضع الاقتصاد المصري حاليا يفرض علي الحكومة ضرورة توجيه الموارد الي قطاعات الصناعة والزراعة والتصدير. وحذر من تبديد الموارد في مشروعات لا تحتل المرتبة الاولي في سلم الاولويات, لافتا الي انه من غير المقبول اصرار الحكومة علي انفاق المزيد من المليارات علي مشروعات لاجدوي اقتصادية منها, وينبغي عليها توجيه الاموال الي مشروع المليون ونصف المليون فدان الذي أطلق الرئيس عبد الفتاح السيسي اشارة البدء في تنفيذ أولي مرحله من الفرافرة في نهاية العام المنصرم, وصناعة الغزل والنسيج والملابس الجاهزة والصناعات التصديرية التي تتمتع فيها مصر بميزة نسبية وتنافسية. وأكد ضرورة اعادة النظر في أولويات الاستثمار خاصة في ظل تدني الموارد, كما ينبغي علي وزراء المجموعة الاقتصادية وضع تصور للقطاعات التي سيتم ضخ فيها هذه الموارد خاصة الصناعة والزراعة لتعظيم العائد منها, والتركيز علي المشروعات التي تسهم في زيادة حركة التصنيع من أجل التصدير, والمشروعات التي تؤدي الي زيادة موارد النقد الاجنبي. وطالبت الدكتورة يمن الحماقي رئيس قسم الاقتصاد بجامعة عين شمس, بإعطاء اولوية للاستثمارات التي تسهم في تغيير هيكل الاقتصاد المصري بمزيد من التركيز علي قطاع الصناعة خاصة الصناعة من اجل التصدير, واعطاء اولوية لاستغلال الطاقات الانتاجية العاطلة واحياء المشروعات المتوقفة بدلا من التركيز علي مشروعات جديدة, مع الاهتمام بمشروعات الصناعات الصغيرة والمتوسطة لامتصاص البطالة وتحقيق عائد علي الاستثمار في أقل وقت ممكن.وقالت الخبيرة المصرفية, عضو مجلس النواب, بسنت فهمي, ان ما حدث في العام الماضي يعكس عدم قدرة المحافظ السابق هشام رامز علي القيام بمهامه في ادارة السياسة النقدية, لافتة الي ان التحول من نظام الي آخر لا يمكن ان يتم فجأة بين ليلة وضحاها, بل ينبغي ان تكون هناك مرحلة انتقالية, وقد بدأت تظهر بوادر تغيير في السياسة النقدية منذ تعيين طارق عامر محافظا للبنك المركزي, وبدأت تظهر مهارته في ادرة البنك بأسلوب محترف خاصة انه يتمتع بخبرة دولية ومحلية. وقالت, ان رامز كان يتبع اسلوب الصدمات وخفض الجنيه20 قرشا مرة واحدة, لافتة الي ان المحافظ السابق سار علي نهج سلفه فاروق العقدة المحافظ الاسبق في إساءة استخدام الاحتياطي النقدي وكان هدفهما الحفاظ علي الجنيه والتضحية بالاحتياطي, مما ادي الي تخريب الاقتصاد وكان يجب عليهما إدارة الاقتصاد بحذر. واشادت, د. بسنت, بقرار وزير الصناعة والتجارة الخارجية بمنع استيراد50 سلعة, وطالبت الحكومة بتخفيف الضغط علي الدولار, ورفع الجمارك علي السلع الاستهلاكية, متوقعة ان يتراجع الاحتياطي من النقد الاجنبي. وطالبت, محافظ البنك المركزي بخفض الجنيه تدريجيا حتي يسترد الاقتصاد عافيته وعدم التفريط في الاحتياطي واتباع سياسة نقدية هادئة تتسم بالطموح والحذر في آن واحد لزيادة موارد النقد الاجنبي, واستقرار معدلات الاسعار والوصول بمعدل التضخم الي مستوي ملائم يسهم في بناء الثقة ودعم الاستثمار لتحقيق معدل النمو الاقتصادي المستهدف, وفي الوقت نفسه تتحمل الصدمات الخارجية حال حدوثها خاصة مع تزايد فرص وقوعها نتيجة للاضطرابات التي تشهدها الاسواق العالمية, وتباطؤ نمو حركة التجارة العالمية, التي سوف تؤدي إلي انخفاض التوقعات بنمو حركة السفن داخل قناة السويس, وبالتالي تباطؤ نمو الإيرادات, وتراجع الصادرات المصرية, وشروع دول الخليج في فرض ضريبة علي تحويلات المصريين للخارج.