أحقا يا سادة أن مؤسسة الأزهر مؤسسة إرهابية يخرج من بين جدرانها من يقتل ويخرب ويدمر ويحرق. اندهش الكثير من الناس في الأيام الماضية من تلك الحرب الشرسة علي مؤسسة هي من أعرق المؤسسات الدينية الموجودة في العالم, ألا وهي مؤسسة الأزهر الشريف, تلك المؤسسة التي تحمل علي عاتقها حماية الفكر المعتدل البعيد عن التعصب, حماية الخلاف الفقهي المحمود البعيد عن الهوي, حماية الحرية الفكرية في مناقشة الآراء المختلفة للوصول إلي الرأي الذي يتفق ومقاصد الشريعة. ومع هذا كله يخرج علينا للأسف بعض ذوي الأهواء في بعض القنوات الفضائية ممن يتهمون هذه المؤسسة بأنها مؤسسة إرهابية, لذلك كان لنا أن نعيد حساباتنا ونتساءل جميعا: - هل الأزهر الذي يحرص أن يتخرج الطالب منه حافظا لكتاب الله, عالما بأحكامه, فائزا بالثواب العظيم يوم القيامة; كما ورد عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: مثل الذي يقرأ القرآن وهو حافظ له مع السفرة الكرام البررة ومثل الذي يقرأ وهو يتعاهده وهو عليه شديد فله أجران يعتبر مؤسسة إرهابية. - هل الأزهر الذي يعتني بتدريس علوم الشريعة حتي يتخرج الطالب عالما بأمور دينه لينال الخيرية التي أشار إليها النبي صلي الله عليه وسلم في قوله( من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين) يعتبر مؤسسة إرهابية. - هل الأزهر الذي تخرج فيه الكثير من العلماء ممن حملوا لواء الإصلاح والدفاع عن الوسطية والاعتدال, ويشهد لهم بالعلم والورع يعتبر مؤسسة إرهابية. - هل الأزهر الذي يرسل البعثات والوفود إلي كافة أنحاء العالم لتعليم الناس أمور دينهم والمساهمة في النهضة العلمية في هذه البلاد يعتبر مؤسسة إرهابية. - هل الأزهر بمواقفه الوطنية والتي تمثل سندا شرعيا للبلاد في أوقات الأزمات أمام العالم كله يعتبر مؤسسة إرهابية. - هل الأزهر الذي لا يريد أن يسلك مسلك المتطرفين وينتهج منهجهم في تكفير كل مخالف بلا دليل واضح, مع عدم التهاون في بيان حكم كل متجاوز وما يستحق من عقاب في الدنيا والآخرة يعتبر مؤسسة إرهابية. - هل الأزهر الذي يرسل ممثلين له للإصلاح بين الطوائف المتخاصمة والقضاء علي الفتن سواء في الداخل أو الخارج يعتبر مؤسسة إرهابية. - هل الأزهر الذي يحاول الدفاع عن حرمة العلم والعلماء وانتهاكهم يعتبر مؤسسة إرهابية تحارب الفكر والإبداع. أيها السادة: من يهين العلم والعلماء ويحاول التهكم عليهم هو الذي يحارب فكر وإبداع هؤلاء العلماء. إن المسيء للعلماء والطاعن عليهم بغيا وعدوا قد ركب متن الشطط ووقع في أقبح الغلط; لأن حرمة العلماء مضاعفة, وحقوقهم متعددة, فلهم كل ما ثبت من حقوق المسلم علي أخيه المسلم, ولهم حقوق المسنين, ولهم حقوق حملة القرآن الكريم, ولهم حقوق العلماء العاملين والأولياء الصالحين, لذلك نص الشافعية علي أن( الغيبة إن كانت في أهل العلم وحملة القرآن فهي كبيرة... وإلا فصغيرة..) وأخيرا: فإن الإرهاب الحقيقي هو الغوص في أوحال السب والشتم والتجريح وانتداب الشخص نفسه للوقيعة في أئمة كرام اتفقت الأمة علي إمامتهم, وهو لا يدري أنما ذلكم الشيطان يستدرجه إلي وحل العدوان وهو يحسب أنه يحسن صنعا. فرحم الله من جعل عقله علي لسانه رقيبا, وعمله علي قوله حسيبا. أستاذ الفقه المقارن المساعد بكلية الشريعة والقانون- جامعة الأزهر