خارج مصر وليست داخلها, بدا لافتا لدي كثير من السياسيين والإعلاميين المهتمين البحث بشكل مكثف عن اسباب اختفاء الهتافات المعادية لأمريكا وإسرائيل, اذ ان العداء لأمريكا وإسرائيل ظل قاسما مشتركا في اهداف وادبيات وشعارات الحركة الوطنية المصرية, منذ الستينيات, وحتي ما قبل ثورة شباب25 يناير. وثمة سؤال آخر طرحه اكثر من صحفي اجنبي: هل اختفاء الشعارات المعادية لأمريكا وإسرائيل من ميدان التحرير مقصود من المشاركين في هذه المظاهرات للحصول علي تعاطف غربي معهم, ثم ستعود الشعارات لتتصدر الاجندة السياسية للجيل الشبابي الجديد بعد نجاح الثورة. وبدا هذا السؤال مرتبطا الي حد كبير بالتكتيك الذي اتبعه الاخوان المسلمون في هذه التظاهرات حيث حرصوا علي عدم رفع شعارات دينية والذوبان في الحركة الشعبية الواسعة التي بدأت بعيدة عن السياسيين والاحزاب؟ وفي اعتقادي ان التساؤل الغربي عن غياب الشعارات المناهضة لأمريكا وإسرائيل مهم جدا, لكن الاجابة القريبة من الصح ان هذا الغياب لم يكن متعمدا, وليس تغييبا تكتيكيا يتبعه إعلان مواقف سياسية من أمريكا وإسرائيل بعد ذلك. مالم يلتفت اليه السائلون, ولا نحن اننا في مصر امام جيل جديد من الشباب تتراوح اعمارهم بين18 و30 عاما, ليسوا ابناء السلام البارد بين مصر وإسرائيل, ولم يتشبعوا بأفكار التعايش والسلام التي ظلت تدور في فلك عدد محدود جدا من النخبة المصرية في ذات الوقت الذي مالت فيه اغلبية النخبة القديمة الي ضرورة استمرار الصراع, ومناهضة أي أفكار تدعو للتعايش والسلام في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي للازمة الفلسطينية. نحن أمام جيل مختلف ينتمي أغلب من خرج منهم إلي الشارع في الخامس والعشرين من أبريل إلي الشريحة العليا من الطبقة الوسطي ومن هم اعلي من ذلك في التدرج الطبقي الاجتماعي المصري. معظم شباب25 يناير في أيامه الأولي هم من خريجي المدارس الدولية في مصر, حتي إنك تكاد تميز أي نوعية من المدارس درسوا فيها من خلال اللكنة, وهل تعلموا في مدارس بريطانية أو أمريكية هذا الجيل الجديد من الشباب أكثر انفتاحا علي الثقافات الغربية, بعضهم يجيد الانجليزية اكثر من العربية, حتي ان بعضهم لا تسعفه لغته العربية في التعبير عن نفسه, وسرعان ما تتسلل المفردات الأجنبية في حديثه لكن هذا الاتصال والانفتاح علي ثقافات مغايرة, لم ينشئ ما كنا نخشاه دائما وهو حالة التغريب داخل الوطن, بقدر ما ادي الي ظهور اجيال جديدة اكثر انفتاحا علي القيم الانسانية العالمية مثل العدالة والمساواة وحقوق الانسان في التعبير وحرية تداول السلطة الي آخر تلك المعاني التي كثر ترديدها في مصر دون ان يجري تطبيقها علي ارض الواقع. في المدارس الدولية بمصر التي تخرج فيها معظم هؤلاء الشباب, يتم تدريس حقوق الإنسان الأساسية منذ الصف الأول الابتدائي, لذلك كان طبيعيا حين اكتمل جيل شاب أن يتساءل أين الحريات التي درسناها في مدارسنا, ولماذا يتمتع بها نظراؤنا في الغرب بينما نحن محرومون منها؟ يوم الثلاثاء25 يناير لمن عاشه وسمع شعاراته, لم يرفع الشباب لافتات أو شعارات معادية لإسرائيل وأمريكا, لكنهم في اليوم نفسه لم يرفعوا شعارات تطالب بالتوظيف والقضاء علي البطالة وتوفير فرص عمل.. فقط نادوا بالحرية والعدالة الاجتماعية.. تحت علم مصر. نحن أمام جيل جديد, يمتلك أدوات مختلفة, أسهل اتصالا ببعضه, وأسرع استقبالا للقيم الإنسانية العالمية. لكن ليس معني غياب إسرائيل أو أمريكا عن ميدان التحرير, أنها غائبة عن عقولهم أو أفكارهم.. ولعلنا نذكر أن الجامعة الأمريكية بالقاهرة كانت أولي الجامعات المصرية تظاهرا ضد الحرب الهمجية الإسرائيلية علي غزة في ديسمبر2009. شخصيا, كما قلت لمن سألني عن غياب إسرائيل وأمريكا عن ميدان التحرير, أن العداء لإسرائيل ليس غائبا عن عقول وقلوب الأجيال الجديدة في مصر, لكنه جيل مختلف, لا يجمع كل البيض في سلة واحدة, يحدد اهدافه بدقة ولا يحيد عنها, ويعرف كيف يطورها في25 يناير كان الشعار حرية وعدالة اجتماعية وفي الجمعة29 يناير, كان الشعار الشعب يريد إسقاط النظام, وفي مرات قادمة ستكون الشعارات ضد الاحتلال الإسرائيلي والانحياز الأمريكي لها فمن يريدون الحرية والعدالة في ظل العلم, سيرفعون بعد ذلك علم فلسطين.