تمتلك مصر حضارة عريقة يقرها العالم كله ويتلهف لمشاهدتها, تتمثل في آثارها التيهي دليل مجسد لهذه الحضارة وتاريخها.. سجلها الأجداد من آلاف السنين , يأتي إليها أطياف من البشر من شتي الجنسيات, يعبرون آلاف الأميال للوصول إليها ومشاهدتها عن قرب, ولا تزال البعثات العلمية من مختلف الدول تتمني أن تكون ضمن الباحثين عن كنوز تلك الحضارة العريقة.. قدرها الخبراء الأجانب ويفخرون بإسهاماتهم في العثور عليها واستخراجها من مواقعها المخبوءة بفعل الزمن لآلاف السنين, ويزهون في المؤتمرات الدولية بهذا الكشف الأثري, وتظل العديد من القطع الأثرية التي اكتشفت رابضة في72 مخزنا ما بين35 مخزنا متحفيا و20 مخزنا لآثار البعثات و17 مخزنا فرعيا بالمواقع في محافظات مصر المحروسة علي عهدة د.مصطفي أمين الأمين العام للمجلس الأعلي للآثار لكن هل تلك المخازن محروسة بالفعل؟, هل يقدرها أصحابها ويصونونها من النهب والاعتداء عليها؟ هل تم توثيقها بالوسائل الحديثة, أم لا يزال التسجيل يتم بالطرق البدائية؟ هل يتم جرد تلك المخازن دوريا؟ خصوصا بعد تكرار السطو علي بعضها وسرقتها.. في هذا الملف نقدم كل ما يتعلق بمخازن الآثار في مصر التي توازي بنوك مصر التي تضم كنوزها الثمينة وثروتها, نتمني أن تزداد علي مر السنين, فهياحتياطي الاقتصاد المصري, الذي يجب ألا ينضب أبدا. في معظم مخازن العالم يتم وضع الآثار في أماكن مناسبة لها, ويتم الحفاظ عليها بأعلي مستوي حتي لا تتلف القطع الأثرية, وتظل ببريقها وجمالها, فيما يتم وضع آثار مصر داخل المخزن المتحفي علي سبيل المثال: مخازن تل الفراعين بكفر الشيخ يتم وضع قطع الآثار في شكائر وأقفاص.. وغيرها كثير, ومنها: رأس بطليموس الموجودة في أحد المخازن ببني سويف, ويظهر عليها النشع وهي ملقاة علي أرض المخزن مباشرة, يحيطها جدران تساقط طلاؤها بفعل الرطوبة, وهذا ليس التمثال الوحيد الذي يعاني من مشكلات التخزين, فكل الآثار الموجودة في المخازن تعاني سوء التخزين, مما يعرض تلك الكنوز للتدمير, ومع ارتفاع نسبة المحتوي المائي للآثار تتبلور الأملاح علي السطح وداخل مسامات الأثر, فتضغط علي الأجزاء الداخلية للأثر فتنفصل في صورة أجزاء, ويتم تدمير التمثال علي المدي القريب. وللأسف كثير من هذه المخازن تظل في بيئة غير مناسبة لها, مثل: الآثار التي اكتشفت في شرق الدلتا, وأثرت عليها عوامل الرطوبة والتغيرات الجوية والمياه الجوفية ومياه الصرف الصحي بشكل كبير, عكس الآثار التي تكتشف في الصعيد, فغالبا تكون كاملة ومحتفظة بجمالها. وهناك مخزن المتحف المصري الموجود أسفل الأرض, يضم أكبر عدد من القطع المكدسة بشكل عشوائي بعضها فوق بعض, لا يتم جردها إلا عندما يتم اكتشاف سرقة بها, فضلا عن نقل آلاف من القطع المسجلة من أماكنها الأصلية إلي أماكن أخري, فيستحيل علي من يجرد هذه المخازن الخروج بنتيجة وتحديد المسئولية, فمثلا تم نقل آثار من الأقصر إلي مخزن آثار البهنسا في المنيا, ونقل قطع آثار من مخازن إسكندرية إلي مخازن مرسي مطروح. وكان قد صدر أكثر من قرار بجرد جميع المخازن, وكالعادة كان يتم تشكيل لجان, ثم يتم تجاهل الأمر! وبرغم التقدم التكنولوجيفي عالم التوثيق, فإننا في مصر لا توجد لدينا خريطة رقمية أثرية مسجلة عليها جميع الآثار وقواعد البيانات المتصلة بها, ولا يزال كثير من الآثار المكتشفة مسجلة في كشوف حصر يدوية أو بطاقات ورقية يسهل تزويرها أو نزعها, وكلها تتعارض مع مبادئ العمل الأثري المنظم, والتدابير التي أوجبتها اتفاقية اليونسكو لعام1971 بشأن حظر تصدير ونقل الممتلكات الثقافية بصورة غير مشروعة, وفي مقدمة هذه المباديء أن يكون الأثر مسجلا في بلده بطريقة تسهل عملية التعرف عليه واسترداده في حالة تهريبه للخارج, وهو الأمر الذي أشار إليه تقرير المجالس القومية المتخصصة المعروض عام1997 بأن تكدس الآلاف من القطع الأثرية في مخازن معظمها غير صالح للحفاظ علي ثرواتنا وتراثنا الحضاري, وتسجيلها بطريقة يصعب معها التعرف عليها, مما يساعد علي ضياعها أو استبدالها والسطو عليها, وأوصي التقرير بضرورة تحديث وسائل تسجيل الآثار عن طريق تسجيلها علي أجهزة الحاسب الآلي والأقراص المدمجة(C.D), بدلا من اللجوء للأساليب العتيقة المعتمدة حاليا, لدرجة أنه في إحدي قضايا جنايات الإستيلاء علي الآثار, قام موظف حكومي بنزع إحدي صفحات سجل أثري كان بحوزته, ثم استولي علي الآثار التي كانت مدونة في تلك الصفحة, وقام بتعديل أرقام الصفحات في السجل, حتي تبدو للمراجع أن الآثار التي استولي عليها لا وجود لها علي الإطلاق, وهو ما يؤكد أهمية الحصر الرقمي للقطع الأثرية. وليس غريبا أن معظم القطع المسروقة والمعروضة بالخارج لم نتمكن من إعادتها إلي مصر, فكثير منها سرق من المخازن, لأنها غير مسجلة, بل هناك أيضا آثار مسجلة تمت سرقتها, ومعروضة في المتاحف خارج مصر, ولم تفعل وزارة الآثار شيئا لاسترجاعها! والعجيب أن كل مسئول يأتي يتجنب الجرد, حتي تنتهي مدة خدمته دون أن تظهر هذه السرقات, حتي إذا سرقت قطعة أثرية يستطيع أن يقول إنها تمت سرقتها قبل توليه المسئولية, فأصبحت الآثار معرضة للتلف بطرق التخزين غير اللائقة, خصوصا في المخازن الفرعية, أو معرضة للنهب والسرقة لعدم التوثيق والجرد المتواصل. وبرغم وجود أكثر من50 متحفا في مصر, فإن الآثار النادرة لا تزال موجودة في المخازن منذ عشرات السنين, بلا جرد ولا تسجيل, وعندما جاءت أحداث ثورة25 يناير استغل اللصوص عدم تأمين المخازن, وعدم تسجيل وحفظ القطع الأثرية في أماكن مناسبة, فحدثت سرقات كثيرة, وحينما تعرض المتحف المصري للسرقة