منذ أكثر من عقدين من الزمن وهناك من يسلك مضمار تعريب التعليم وهو أمر لم يكن من المتوقع أن تستغرقه القضية. ومن واقع خبرة آلاف الباحثين الذين شاركوا في مؤتمرات وندوات وورش عمل الجمعية المصرية لتعريب العلوم علي مدي عقدين كاملين, تبلور مشروع تعريب التعليم والعلوم والمعارف الذي بني علي قاعدة شملت مئات البحوث التي قدمت في مختلف مناشط الجمعية وعلي ما قدم في غير ذلك من المناشط من أبناء العربية بغية النهوض بأمتنا. يتكون العمود الفقري للمشروع من آلية توضع علي شبكة الإنترنت لوضع العديد من الكتب والمواد العلمية والتعليمية كالمحاضرات وشرائح العرض المرئية للعلوم والتقنيات باللغة العربية في التخصصات التطبيقية, بالإضافة إلي ترجمة وتعريب المستحدث من الكتب والمواد العلمية والتعليمية من أرقي الجامعات العالمية, وذلك بالإضافة إلي جزء يهتم بالكتابة بالعربية الصحيحة. ويهدف المشروع إلي دفع قضية التعريب للأمام باعتبارها ركيزة أساسية للتنمية وللهوية من خلال مراحل المشروع المتعددة والذي نتمني أن يحدث طفرة في قضية تعريب التعليم والعلوم وهو ما سيستتبعه طفرة مؤكدة في تنمية مجتمعاتنا. لقد انطلق المشروع من إيماننا أن التعليم والعلم هما السبيل الأهم لتنمية مجتمعاتنا العربية فبدراسة مسارات تعريب الأمة وتنميتها خلال العقود السابقة توصلنا إلي أن التعليمالجامعي والتعليم بعدالجامعيهما قاطرة جميع مشاريع التنمية في مجتمعناالعربي, ولهذا يركز المشروع; في البداية; علي هذه الشريحةالتييمكن أن تقود المجتمع إن هي استوعبت العلم وأنتجت منه معرفة تدفع أمتنا إلي الأمام. لقد جاء هذا المشروع من رحم خطة العمل المبدئية التي طرحتها الجمعية المصرية لتعريب العلوم لدفعمسيرة التعريب منذ سنوات في مؤتمراتها ولقاءاتها وعلي مواقعها علي شبكة الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي وتراكما لخبرات رواد التعريب في المنطقة العربية, حيث كان تركيز الخطة علي الإجابة عن التساؤلالتالي: لمن نتوجه وبم نبدأ؟؟ ومن ثم تسير الخطة علي محورين رئيسيين أولهما التعريب: وبدايته تعريب التعليم حيث سيتبعه تلقائيا تعريب كل ما يتعلق بالحياة العامة, وثانيهما اللغة العربية: وذلك بالتوازي مع تعريب التعليم بهدف الارتقاء بممارستنا للغة العربية وصب مختلف منتوجاتنا الفكرية في قالبها الصحيح. ويجدر بنا الإشارة إلي أن تعريب التعليم يشمل التعليم الجامعيوقبلالجامعيمن طب, هندسة, صيدلة... إلخ. وتركز الخطة في البداية علي التخصصات العلمية التطبيقية وبخاصة الطب والهندسة لكونهما أكثر العلوم مقاومة للتعريب ولقناعتنا أنه إذا ما تم تعريب الطب والهندسة فستتبعهما بقية العلوم.وليكنذلك من خلال تعريب الكتب الجامعية والمواد العلمية والتعليمية وترجمة المستحدث منها. وحتي تكتمل صورة المشروع يجب أن نشير إلي أن تمويل المشروع يقوم به أفراد يؤمنون بحق أمتنا في التنمية ويثقون في أن تعريب التعليم والعلوم والمعارف بوابة أساسية لذلك. ويبقي باب التعاون مفتوحا للأفراد والمؤسسات ذات التوجه نفسه تجاه أمتنا ولغتنا من خلال معاونة المشروع فنيا وتقنيا وعلميا وإعلاميا بالإضافة إلي المعاونة الفكرية وغيرها من صور المشاركة. لقد آثرت الجمعية المصرية لتعريب العلوم كإحدي مؤسسات المجتمع المدني إلا أن تدلي بدلوها في مضمار لا يزاحمها فيه إلا أشقاء اكتشفوا أن طريق التنمية لا يمر إلا من بوابة العلم لعموم المجتمع لا لخاصته. إن أية دراسة متأنية لواقع المجتمع ومآله المنشود لا يمكن أن تنجح دون هندسة المجتمع ورسم خارطة تدفق مدخلاته ومخرجاته لنبصر مواطن الخلل والقوة في مختلف مناحي حياتنا مستلهمين القيم والعبر من تاريخنا ومن دراسة حالة المجتمعات الأخري. أستاذ هندسة الحاسبات بجامعة الأزهر [email protected]