بخلاف علاقة الأشقاء والملفات المشتركة في كل المجالات بين مصر والمملكة العربية السعودية فإن الملف التعليمي يستحوذ علي جانب كبير من اهتمام الشقيقتين حيث تضم المملكة أكبر بعثة تعليمية مصرية علي مستوي العالم تتكون من حوالي ربع مليون طالب من أبناء المصريين بالمدارس السعودية المختلفة ورغم التعاون المشترك بين البلدين لتلبية احتياجات تلك البعثة الضخمة ظهرت بعض المشكلات في السنوات الأخيرة نتيجة تغيير أنظمة وقواعد التعليم بالسعودية وتخبط قرارات الحكومات المتعاقبة في مصر تجاه قواعد قبول أبناء العائدين من السعودية في الجامعات المصرية وهي المشكلات التي بدأت في الانفراج خلال العامين الماضيين بعد تولي الدكتور محمد الخشت المستشار الثقافي بالسفارة المصرية في الرياض رئاسة البعثة التعليمية وهو ماجعلنا نحمل تساؤلات الجالية المصرية ومخاوفها إليه فكان هذا الحوار: إلي أي مدي وصلت العلاقات التعليمية المصرية السعودية؟ علي المستوي التعليمي, نجد الآن العلاقات التعليمية المصرية السعودية في إيجابية; حيث تخدم البعثة التعليمية أكثر من250 ألف طالب مصري في مختلف الأنظمة والمراحل التعليمية. وتقام في المملكة أكبر امتحانات مصرية بنظام أبنائنا في الخارج علي مستوي المكاتب الثقافية والسفارات المصرية بالخارج, ومن المتوقع أن تصل العام الحالي إلي أكثر من45 ألف طالب في18 مدينة علي امتداد المملكة. ويصل عدد الطلاب المصريين الدارسين في التعليم السعودي المجاني قبل الجامعي إلي108 آلاف طالب, علاوة علي أن السلطات السعودية الشقيقة أعطت مصر ميزة لم تعطها لأي دولة أخري, وهي فتح39 مدرسة للمسار المصري في مدارس سعودية بمختلف المدن السعودية تضم39 ألف طالب, وهي تجربة وليدة حققت نجاحا سريعا, ويتم التواصل شبه اليومي بين المكتب الثقافي ووزارة التربية والتعليم السعودية لتطوير التجربة والتوسع فيها. ويتجاوز عدد الطلاب المصريين بالمدارس الدولية بالمملكة57 ألف طالب. تمت مساواة الطلاب المصريين بالسعوديين في قواعد وشروط وإجراءات تسجيل الطلاب والطالبات في الصف الأول من المرحلة الابتدائية للعام الدراسي1437/1436 ه. ما عدد المدارس السعودية التي تدرس المسار المصري؟ وهل شهد هذا العدد زيادة؟ كان عدد المدارس7 مدارس فقط عام2013, ونجحت الجهود المتواصلة في فتح29 مدرسة جديدة عام2014, ثم3 مدارس عام2015; ليصبح عدد هذه المدارس39 مدرسة في مختلف المدن السعودية. وهو العدد الذي لا يوجد في أي دولة أخري. نرجو مقارنة الوضع في الدول الأخري حتي نعرف حجم المميزات التي تقدمها المملكة العربية السعودية. وماذا عن الرسوم الدراسية المرتفعة في المدارس التي تدرس المسار المصري؟ تحديد رسوم المدارس هي من سلطة وزارة التعليم السعودية وحدها, وهذا في نطاق اختصاصها وسيادتها علي المؤسسات التعليمية في المملكة. لكن علي مستوي آخر, نجحت جهودنا في إطار المساعي الودية في إقناع الملاك السعوديين لمدارس المسار المصري بتقديم خصومات علي الرسوم الدراسية للطلاب المصريين, فضلا عن نجاح المساعي مع بعض المدارس الدولية لتقديم خصومات علي الرسوم الدراسية للطلاب المصريين وعلي صعيد آخر, نجح مؤخرا المكتب في إقناع العديد من المدارس السعودية14 مدرسة جديدة متوسطة التكاليف بالتقدم إلي إدارة التعليم الأهلي والأجنبي للحصول علي ترخيص لتدريس المسار المصري. يزعم البعض أن عدد المدرسين المصريين انخفض في السعودية؟ مطلقا.. فيوما بعد يوم يزداد عدد المدرسين المصريين في المملكة, وهو يتجاوز الآن100 ألف مدرس في المدارس الحكومية والخاصة والدولية, فضلا عن أن عددا كبيرا من المدارس الخاصة والدولية يدار بكوادر مصرية. وهنا أذكر في لقائي مع الأمير خالد الفيصل بن عبد العزيز آل سعود حديثه المطول عن المدرسين المصريين الذين تعلم علي أيديهم, وقص بعضا من ذكرياته معهم وامتنانه لهم. وماذا عن الدراسة الجامعية؟ علي المستوي الجامعي: أصدر المكتب أول دليل نوعي موجه إلي الدارسين السعوديين لتشجيعهم علي الدراسة في الجامعات المصرية ومميزات الدراسة والحياة في مصر. وزيادة منح الطلاب المصريين للدراسة بالجامعات السعودية من320 منحة إلي800 منحة, ثم فتحها بدون سقف عددي بشرط توفر مجموع درجات الالتحاق. ومما لا يعرفه الكثيرون أن الآلاف من الطلاب المصريين يدرسون بالجامعات السعودية سواء في مرحلة الليسانس أو البكالوريوس أو في مرحلتي الماجستير والدكتوراه, ويخضعون للإشراف العلمي للمكتب الثقافي المصري بالرياض. علاوة علي الاتفاقيات العلمية وبروتوكولات التعاون والمشروعات البحثية بين الجامعات المصرية والسعودية. أما الطلاب السعوديون الذين يدرسون في الخارج فيفضلون دوما مصر لشعورهم بالدفء الإنساني والحضاري والمستوي العلمي المتميز للجامعات المصرية. ولذا نجد كثيرا من القيادات السعودية حصلت علي مؤهلاتها العلمية المتقدمة في الجامعات المصرية. ونجد حضورا متميزا للأساتذة المصريين في كل الجامعات السعودية, سواء في التدريس والتدريب العلمي والبحث العلمي المشترك, وفي الإشراف علي رسائل الماجستير والدكتوراه. ما الذي قدمه المكتب الثقافي لصالح مصر في الملف التعليمي ؟ قدم المكتب كثيرا من الإنجازات الملموسة مثل: تحسين الخدمات وتطوير نظام استقبال أولياء الأمور واستلام أوراق التقدم حتي أصبحت أي معاملة لا تستغرق أكثر من خمس دقائق والقضاء علي التكدس والطوابير. وجميع خدمات المكتب مجانية عدا رسوم الامتحانات. علما بأن المكتب يخدم أكثر من250 ألف طالب مصري في مختلف الأنظمة والمراحل التعليمية. ونجحنا في زيادة عدد المدارس التي تدرس المنهج المصري من7 إلي.39 وتحقيق طلاب مدارس المسار المصري بالسعودية في الشهادة الابتدائية والإعدادية نتائج غير مسبوقة بنسبة نجاح99%. ونحن الآن في طريقنا لفتح عشرات المدارس برسوم مخفضة وننتظر موافقة الجانب السعودي. نجحنا في حل مشكلة الامتحان التحصيلي في مقابل زيادة نسبة القدرات, مع وضع ضوابط بين مكونات الشهادة الثانوية السعودية عند حساب المجموع الاعتباري, وهو ما اعتبر تجاوبا من حكومة ثورة يونيو مع هموم الجالية المصرية التي استمرت لسنوات. لماذا لا توجد مدارس تابعة للسفارة المصرية ؟ المدارس التابعة للسفارات لا يسمح بها إلا للدول غير العربية مثل باكستان والهند والفلبين. أما الدول العربية فلا يجوز قانونا فتح مدارس تتبعها حسب اتفاقية جامعة الدول العربية. ونرجو أن نحصل علي استثناء من السلطات السعودية في ضوء العلاقات الإستراتيجية المتميزة. وقد تمت محاولات عديدة رسمية وودية مع القيادات التعليمية السعودية لفتح مدارس متوسطة ومنخفضة التكاليف, وتم إعداد مشروع بروتوكول تعاون تعليمي وبحثي وتربوي مشترك بين جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية, أعده المستشار الثقافي, وتم رفعه للجهات المختصة لاتخاذ اللازم. وفي حالة توقيعه سوف تحدث نقلة كبيرة في تحسين الأوضاع التعليمية للجالية المصرية. وتبذل الآن جهود جديدة من أجل فتح مدارس جديدة منخفضة التكاليف, وفتح فترات مسائية مخفضة, ومحاولة الحصول علي استثناء بفتح مدارس مصرية تابعة للسفارة. هل تعتقد أن هذا يكفي, أم لابد من جهود إضافية لدعم العلاقات التعليمية والعلمية؟ لا شك أن تلك العلاقات بحاجة لمزيد من العمل الجاد من أجل توسيع نطاقها, وتطوير أسسها, في سبيل تدعيم التواصل بين أكبر قوتين إقليميتين: مصر والسعودية, وإحداث حراك ثقافي لمواجهة الإرهاب والفكر المتطرف الذي يهدد المنطقة. وهنا أؤكد ضرورة وضع اتفاقيات وبروتوكولات تعاون بين مصر والسعودية في مختلف المجالات الثقافية والتعليمية, في إطار خطة إستراتيجية كبري معتمدة من الجانبين, لكي ينتقل التعاون من مرحلة الكيمياء المشتركة إلي مرحلة الشراكة الإستراتيجية المستندة إلي خطط زمنية واضحة ومحددة وقابلة للتنفيذ. من هنا بادر المكتب الثقافي من خلال السفارة المصرية بالرياض في إعداد مشروع بروتوكول تعاون تعليمي وبحثي وتربوي مشترك بين وزارتي التعليم العالي والتربية والتعليم في جمهورية مصر العربية ووزارة التعليم في المملكة العربية السعودية. وتم رفعه في مصر لوزارة الخارجية ووزارة التعليم العالي واللجنة المصرية السعودية المشتركة; حتي تترجم روابط الدم المشترك, والدين المشترك, والمقاصد المشتركة عبر التاريخ; إلي خطط مدروسة ومكتوبة تحكم مسار العلاقة المستقبلية بين نقطتي الاتزان في العالم العربي والإسلامي, بل نقطتي الاتزان في العلاقات الدولية بين الشرق والغرب.