قد يبدو السؤال عن علاقة التعليم ببنيان المجتمع وبالتنمية ساذجا, ولكن الحقيقة أن العديدين من أساطين الفكر بل ومن أساتذة الجامعات يثبتون بالفعل أنه لا علاقة للتعليم بتنمية مجتمعنا! هذا الاستنتاج ليس ضربا من الخيال السلبي ولكنه الواقع للأسف! حين نقبل أن يتم التعليم بفقد قدره39% بداية من خلال استخدام لغة أجنبية ثم نتحدث عن الكفاءة فنحن أمام منظومة مختلة لا يمكن أن تعطي عائدا إلا من خلال فصل التعليم عن المجتمع وربطه بمجتمع آخر! لن أستدعي للذاكرة المدرسة التي طلبت من أولياء أمور تلاميذها أن يتم التحدث معهم بالمنزل باللغة الأجنبية, ولا ما نجده من تعامل الأمهات علي وجه الخصوص في النوادي ومحال التسوق مع أبنائهن بغير العربية ناهيك عن تعامل المربيات الأجنبيات مع الأطفال بلغة أفضل ما يقال عنها أنها هجينة. القضية قبل أن تكون قضية هوية فهي قضية كفاءة طبقا لأي مقياس علمي. ولأن لكل قضية استحقاقاتها نجد دائما الانتهازي الذي يريد أن يقتنص حقي وحقك بأقل جهد دون أن يقوم بأداء واجبه والذي هو استحقاق وضعه وموقعه. في تحليلنا لأرقام مؤشرات التعليم في تقرير التنافسية الصادر عن منتدي الاقتصاد العالمي لهذا العام يسترعينا أن ترتيب مصر في مؤشر جودة التعليم الابتدائي139 من140 دولة في حين أن ترتيب مصر في معدل الالتحاق بالتعليم الابتدائي هو59 مما يشير إلي تدني نوعية التعليم الابتدائي وفساده. وعلي مستوي التعليم الثانوي استمر ترتيبنا في جودته علي139 بينما تحسن ترتيبنا في تدريس الرياضيات والفيزياء ليصبح131! حين نقف عند مؤشرات التعليم تلك وارتباطها بالاقتصاد لا نتطرق غالبا إلي الوعاء الذي يحوي المعلومات ذاتها وهو لغة التعليم, ولكن النظرة الشمولية للتنمية سوف تفضي إلي وجود علاقة طردية بين مستوي التعليم في المجتمع ودرجة تقدمه من خلال العديد من المؤشرات ومنها حالة التعليم الجامعي وقبل الجامعي في المجتمع. الأمر الآخر الذي يمكننا ملاحظته أن جميع دول الصدارة في العالم وعددها23 دولة طبقا لمؤشر السبق التقني لبرنامج الأممالمتحدة الإنمائي تستخدم لغاتها القومية في منظومة متناغمة من الحضانة للدكتوراه ولم يمنعها ذلك من أن يكون لها السبق في تنمية مجتمعاتها والتفاعل مع غيرها من المجتمعات. إن تدني مؤشرات التنمية في مجتمعاتنا العربية لا يمكن استمراره واستمرارنا في حالة المفعول به فقدراتنا البشرية والمادية تؤهلنا لموضع في صدارة سلم الحضارة. والأمر ليس بالصعوبة بمكان إن نحن التففنا حول مشروع لغوي قومي لتنمية أمتنا ماديا وفكريا وثقافيا من خلال منهج علمي يحافظ علي وحدة وهوية الأمة ولا يمكن أن يكون ذلك إلا من خلال وعاء يحدد خصوصيتنا ولا يحجزنا عن التواصل مع الخارج من خلال الترجمة: البوابة التي مرت من خلالها جميع الحضارات. هذا المشروع اللغوي المظهر يحوي في وعائه ثقافة أمتنا وقدرتها الكامنة للخروج من شرقنات القابلية للاحتلال وللفساد وللعمالة بمختلف صورها الفكرية والمادية والثقافية والعلمية أحيانا. قضيتنا التي ننافح عنها هي وجودنا الحضاري بل هي وجودنا ذاته الذي يحاول البعض اجتثاثه واجتثاثنا معه في مشهد عراقي سوري يمني.... إن عزل لغة الأمة عن وجودها الحضاري المادي والمعنوي يعني علي المدي المتوسط وأد كامل الأمة وتسليمها لحثالة الأمم علي طبق من ذهب متناسين القصور الذاتي لأبناء العربية في الجزائر طيلة قرن ونصف كتب عليها فيها أن تطلق لغتها وثقافتها فلم يزدها ذلك إلا إصرارا علي نفض غبار التغريب عن كاهلها. أستاذ هندسة الحاسبات بجامعة الأزهر [email protected]