عندما أعلنت النتائج النهائية للانتخابات.. أذن ذلك ببداية فترة الاختبار الحقيقية لنوايا من نجح.. ولأن مصر مأزومة في تاريخها المعاصر وأغلب تاريخها القديم.. تحت نير الحكم الشمولي واقتيات الغير علي أرزاق أبنائها.. فقد آن للمصريين أن يأمنوا لبعضهم البعض.. في تحمل أمانة البرلمان والحكومة في آن واحد. أما أمانة البرلمان.. فهي هم بالليل ومسئولية بالنهار علي عاتق كل من تصدي لها.. فعضوية البرلمان بعد ثورتين.. ومع شعب يتوق للعيش الكريم والكرامة.. هي واجب جسيم الخطر, ربما لا يدركه إلا قليل ممن تقدموا لنيل هذا الشرف.. البلاد بكاملها ترنو لهذا البرلمان.. ليس فقط لكي يشرع أو يراقب.. بل ليحقق أحلاما وطموحات ليس لها حدود. فمهمة التشريع, وهي أهم وظائف البرلمان, عبء مرهق لأي مؤسسة, فهي تراجع وتصلح وتقترح وتضيف وتخصم وترفع وتقلل بل وتحذف أو تلغي تشريعات كاملة أو بعضا منها. ولعل أهمية التشريع هنا تكمن في حقيقة كونها تشكل القناة الوحيدة لترجمة مواد الدستور إلي واقع قانوني ملزم للدولة وسلطاتها وأهمها في سياق الحقوق والمسئولية هي السلطة التنفيذية.. فالتشريع في مبتغاه يهدف أول ما يهدف للارتقاء بأداء الحكومة وروافدها.. وسوف تظل كل مواد الدستور التي احتفينا بها حبرا مجردا من القيمة لحين ترجمتها لقوانين تلزم الحكومة بما أمر به دستور الشعب. نعم.. هو دستور الشعب.. فقد أقرته الجموع, وتعلقت به الآمال, ولا تثريب علي المجتمع في ذلك.. فهذا حقه.. فقد وجد فيه رافدا خصبا للحقوق والحريات.. ومعينا غنيا لكرامة المصري عامة في المعايش والأفعال.. وراسما دقيقا لضوابط السلطة والقوة في الدولة, حتي لا تجور علي أي إنسان.. بغير مسوغ من قانون. ولن ندرك قيمة التشريع ودور البرلمان فيه إلا إذا اكتمل علمنا بأن رقي الشعوب لا يقاس بما تملكه من أموال.. ولا ما تحوزه من متاع أو تقف عليه من تاريخ أو مجد.. بل في سيادة القانون فيها.. واحترام الفرد بصفته كإنسان.. وهنا يكون البرلمان هو حجر الزاوية في الارتقاء بالوطن.. وكيف لا وهو منوط به مراجعة التشريعات الغزيرة.. والقديمة.. ليتيقن من استوائها علي جادة العدل وميزان الكفاية.. فمن القوانين ما ظلم.. كما يتيقن من انضباطها في مسار المقبول من المعايير الدولية للعالم المتحضر.. من حقوق وحريات ورسم دقيق لضوابط وأحكام العلاقة بين الفرد والمجتمع والحكومة. ثم إن حديثنا عن التشريع لن يتم به إنجاز للبرلمان.. فالتشريع وإن كان الخطوة الأهم في ميزان العمل النيابي.. فهي تصبح بلا قيمة إن لم يتبع ضبط التشريعات التيقن من احترام السلطة التنفيذية لها.. وهنا يأتي الدور الثاني للبرلمان.. الرقابة علي احترام القانون.. والرقابة علي الأداء المجمل والمفصل للسلطة التنفيذية.. والتيقن بالفعل والرقابة اللصيقة والجادة من احترام الحكومة للتشريعات.. وإلا تكون حبرا علي ورق.. وكم من تشريعات راقية ظلت حبيسة الأوراق.. لأنها لم تحترم. ونختتم بمجمل القول في واجب البرلمان.. وهو أنه يضطلع بالارتقاء بأوضاع المعايش في المجتمع بشكل شمولي.. فالبرلمان يجب عليه أن يتلمس في عمله كل مفيد ومنتج وناجح من تجارب البشر, ولو خارج البلاد.. للمدارسة وإمكانية تطبيقه.. هنا فقط يكون أعضاء البرلمان أمناء علي الرسالة. هل علمنا الآن لماذا هي مسئولية ثقيلة؟.. اللهم يسر لمن انتخب أن يعمل لخدمة الوطن.. والوطن فقط.. وألا تجرفهم مغريات السلطة أو ذهب المعز. خبير في الإصلاح المؤسسي