تعرف تصنيفات الأحزاب السياسية عدة معايير من بينها معيار العضوية، وفيه نجد أن العضوية قد تكون رسمية أو غير رسمية، وفي النوع الأخير لا يحمل العضو مستنداً يفيد عضويته في الحزب، ولا يكون اسمه مدرجاً ضمن قوائم العضوية في الحزب، بل تكون عضويته عبر انتمائه لأفكار ومبادئ الحزب، وبحكم تخصصه وخبراته يصح أن نطلق عليه أيضاً «تكنوقراط»، غير أن الأمر خطير إذا ما اعتمد الرئيس مرسي هذا المنهج في تشكيل الحكومة الجديدة، الأمر الذي يمكن وصفه بأنه عملية تأميم للسلطة لصالح جماعة الإخوان المسلمين. وتأتي الخطورة من أن المواطن، في مجمل أحواله، يتعامل مع النظام الحاكم من خلال السياسات العامة التي تقوم بها السلطة التنفيذية، ومن هنا تأتي عملية «أخونة» حياة المصريين، ولا شك أن وظيفة السلطة التنفيذية تنحصر في إدارة شئون الدولة داخلياً وخارجياً، وفي سبيل ذلك تتشكل السياسات العامة مجسدة الاستقلال السياسي للدولة، نابعة من الأيديولوجية السياسية للدولة، معبرة عن هويتها وفلسفتها في الحكم. ويأتي وضع السياسات العامة كمحصلة لتفاعلات سياسية وديناميكية بين العديد من المتغيرات التي تختلف من مجتمع إلي آخر، بل ومن فترة زمنية إلي أخري في ذات الدولة. ورغم أهمية دور الأحزاب السياسية في وضع السياسات العامة بجانب جماعات المصالح، والرأي العام، والأجهزة الإدارية، والإمكانات والظروف البيئية، والظروف السياسية والاقتصادية الخارجية، إلا أن الدستور يأتي في مقدمة تلك المتغيرات باعتباره أبرز سمات الدولة المستقلة، وعليه تتحدد هويتها وفلسفتها في الحكم، كما تتحدد اختصاصات مؤسسات وأجهزة الحكم التشريعية والتنفيذية والقضائية، والدستور أيضا يشير إلي التوجهات الفكرية والعملية التي تستمد السياسات العامة شرعيتها منها. من هنا فإن الدساتير لا تعبر أبداً عن وجهات نظر متباينة بقدر ما تعكس تآلف أبناء الوطن في اطار مبادئ حاكمة لحركة مجتمعهم، ولعل ما آلت إليه الأمور في مصر يؤكد أن مقولة «الدستور أولاً» ما كان ينبغي أن تخضع أبداً للمزايدة من البعض في سبيل هرولتهم إلي مقاعد البرلمان. ففي إطار الدستور تتحدد أدوار واختصاصات السلطات، التشريعية والتنفيذية والقضائية، في وضع السياسات العامة، ذلك أن للسلطة التشريعية دوراً بارزاً في وضع السياسات العامة باعتبارها السلطة القائمة بسن التشريعات ورقابة أعمال الحكومة، كما أن لها الحق في أن تقترح علي السلطة التنفيذية بعض التدابير لمعالجة أمر ما. ولا شك أن الديمقراطية، بما تضمه من مبادئ كسيادة القانون والشفافية، هي الضمانة الحقيقية لعدم تراخي الدور الرقابي للبرلمان إذا ما كانت الحكومة مشكلة وفق الأغلبية البرلمانية، وتتزايد المخاوف إذا كان رأس السلطة التنفيذية من ذات التيار السياسي، وهو الأمر الذي نعاني منه الآن، ولا أراه مناسباً لدولة مازالت خطوتها الأولي لم تجف بعد علي طريق الديمقراطية. وإذا كانت تلك هي أهمية السلطة التشريعية في وضع السياسات العامة، فإن السلطة التنفيذية هي صاحبة الدور الأكبر والأهم، ففضلا عن اشتراكها في التشريع، فهي تنفرد بتنفيذ السياسات العامة، كما أن السلطة التنفيذية في معظم الدول النامية ذات تأثير مباشر علي الأجهزة الإعلامية التي تؤثر في الرأي العام، لذلك ينبغي العمل علي إلغاء وزارة الإعلام، وتحويل أجهزتها وسائر وسائل الإعلام إلي كيانات اقتصادية مستقلة، كما ينبغي التصدي لمحاولات بعض التيارات السياسية السيطرة علي وزارات بعينها تشكل مقومات الشخصية المصرية مثل وزارة التربية والتعليم والثقافة. ولا تتخلف السلطة القضائية عن النهوض بدور بارز في وضع السياسات العامة باعتبارها حارسة الدستور «أبوالقوانين»، بل أن بعض الدول تجيز للسلطة القضائية أن تنظر في محتوي السياسات العامة وأساليب تنفيذها. ولا شك أن المراقب للواقع السياسي في مصر يدرك تماماً كيف تقف مصر الآن أمام منصة القضاء بكافة أنواعه، فإذا لم يكن هناك دستور يؤسس ويضمن استقلالية القضاء، فإلي أي شيء تستند ديمقراطية الدولة؟!. وانطلاقاً من الرغبة في وضع دستور إخواني يسمح بالسيطرة علي سلطات الحكم الواحدة تلو الأخري، تأجل وضع الدستور إلي ما بعد السيطرة علي البرلمان، ولا غرابة إذن في أن دولة بلا دستور يشيع فيها لقب «فقيه دستوري»، وتصبح كلمة «دستور» من مفردات حديث العامة قبل المتخصصين!. ورغم أن مصر تعيش حتي الآن في ظل نظام سياسي رئاسي، حيث الرئيس علي قمة السلطة التنفيذية مستمداً قوته من كونه منتخباً من الشعب مباشرة، والوزارة مسئولة أمام رئيس الجمهورية، وله حق تعيينهم وعزلهم، إلا أن طبيعة المرحلة ومسئوليات المنصب تقتضي من الرئيس الخروج من عباءة الفكر الإخواني، الذي طالما وعد فأخلف، فبعد أن وعد الرئيس بأن رئيس الوزراء سيكون شخصية مستقلة، إذ به يختار الدكتور هشام قنديل وزير الري منذ حكومة الدكتور عصام شرف وحتي حكومة الدكتور الجنزوري، وهو شخصية محسوبة بالتأكيد علي التيار الديني، فهو عضو غير رسمي في جماعة الإخوان المسلمين؛ حيث ينتمي إليهم فكرياً وأيديولوجياً، وتؤكد محدودية خبرات الدكتور هشام وانحسارها في مجال الري والموارد المائية أن القيم والمعايير الحاكمة لأداء جماعة الإخوان المسلمين مازالت فاعلة ومعتمدة لدي الرئيس مرسي. إن حكومة جديدة منوط بها وضع سياسات عامة تتطلع إليها طموحات ثورة 25 يناير، تلك الطموحات التي طالما كانت هدفاً مشتركاً ومستباحاً للمزايدة من جانب العديد من التيارات السياسية، تلك الحكومة لا ينبغي أن يكون تشكيلها محلاً لتلاقي الفرقاء، ومجالاً لاقتسام السلطة، وسبيلاً للتراضي بين المتخاصمين، غير أنها أيضا لا يجوز أن تعرقل حركة المجتمع نحو تعددية سياسية، وتعيد الشعب إلي قبضة نظام شمولي. بقلم: لواء سفير نور مساعد رئيس حزب الوفد