د. رضا شتا قبل عشر سنوات اصطحبت اسرتي في زيارة لمدينة المنصورة (مسقط رأسي) وما إن وصلنا إلي الطريق الزراعي القاهرة / بنها حتي فاجأتنا شبورة صباحية كثيفة جعلتني أخفض سرعة السيارة إلي أقصي درجة وبالرغم من ذلك اصطدمت سيارتنا بعربة كارو كانت تسير بدون أنوار خلفية ولا حتي عاكسات ضوء/ وهذا هو الحال عندنا في مصر/ وتحطمت فوانيس السيارة الأمامية.. وحتي لا تأتي شاحنة من الخلف وتقذف بنا وتدمرنا كان لزاما علينا أن نخرج من الطريق السريع ونتقوقع في أحد الطرق الجانبية لمدة 3 ساعات ونحن في حالة رعب وقلق شديد حتي انقشعت الشبورة وواصلنا رحلتنا بعد أن كنا قد فكرنا جديا في العودة إلي القاهرة طلبا للسلامة. الوطني انكشف أمره بعد 03 عاما.. والإخوان بعد 3 أشهر!! أرجو ألا يعتقد القارئ العزيز أنني قد أقحمت نفسي عليه بسرد قضية شخصية وإنما هي قضية مئات بل آلاف من المواطنين الذين يتعرضون لمثل هذه الظروف والحوادث والتي يذهب فيها آلاف من الضحايا والمصابين الأبرياء فيما يسمي (نزيف الأسفلت).. كما إنها وبكل تأكيد قضية وطن يتعرض هذه الأيام العصيبة لحالة مروعة من (الضبابية) السياسية والأخلاقية وتواجه بسببها البلاد أوخم العواقب وتتهدد مستقبل هذا الشعب العظيم. وإذا كنا قد انتظرنا علي الطريق السريع لمدة ثلاث ساعات مليئة بالخوف والقلق والتحسب لكل الاحتمالات حتي تنتهي الشبورة اللعينة وتظهر شمس الأمل لمواصلة الرحلة فإن هذه الأمة يمكن أن تنتظر ثلاثة عقود أكثر أو أقل حتي تنتهي هذه الشبورة التي تواجهها الآن وما يتبعها من عواصف وتقلبات وأمواج عاتية بين مختلف التيارات السياسية والفكرية والمصالح الحزبية الضيقة والتي يفضلونها علي المصلحة العليا للوطن.. هذه الشبورة السياسية ستؤدي بالتأكيد إلي تأخرنا في الوصول إلي أهدافنا التي نسعي إليها خاصة تلك التي دعت إليها ثورة يناير لكل أبناء الشعب في إطار دولة مدنية حديثة يحكمها القانون والدستور بل ودعت البعض ممن أصابهم اليأس أن يترحموا علي (أيام زمان) كما يشير آخرون إلي أحداث جسام نرجو ألا تعود شهدها تاريخنا الحديث خاصة أحداث عام 4591 عندما اندلع الصراع بين جماعة الإخوان ا لمسلمين ونظام الحكم بقيادة الزعيم جمال عبدالناصر (كان واحدا منهم) وماتبع ذلك من محاولة اغتياله في ميدان المنشية بالإسكندرية وتم الزج بالعديد من قياداتهم في السجون ومنع نشاطهم وسميت فيما بعد »بالجماعة المحظورة«.. كما أرجو ألا ينسوا ماحدث معهم في انتخابات 5002 عندما حصلوا فيها علي 88 مقعدا في البرلمان ولكن الحزب الوطني كبس علي أنفاسهم وحجم وجودهم ونشاطهم في البرلمان وخارجه ثم حرمهم تماما من العضوية في برلمان 0102 والذي كان واحدامن أهم الأسباب التي فجرت ثورة يناير.. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن في هذه الظروف الحرجة من عمر الوطن هل هم يريدون ثورة جديدة؟ وذلك عندما يصرون علي اتباع نفس الأساليب والتعاملات مع الأحزاب والتيارات السياسية الأخري ويسعون إلي التحكم من خلال السيطرة علي كل سلطات ومؤسسات الدولة من (برلمان وحكومة ورئيس جمهورية) وكذلك لجنة إعداد الدستور ومن قبلها اللجنة التي أعدت الاستفتاء في 91 مارس برئاسة المستشار طارق العشري وعضوية العضو الإخواني البارز صبحي صالح المحامي والتي وصفها البعض فيما بعد(بداية القصيدة كفر) حيث عرف هذا الاستفتاء باستفتاء (الجنة والنار).. ثم هل يعقل أن يكون د.سعد الكتاتني رئيس مجلس الشعب مع احترامي الشديد لشخصه هو أيضا رئيس لجنة إعداد الدستور وعلي أي أساس ؟ ألم يكن من الأفضل أن يكون رئيس هذه اللجنة أحد فقهاء الدستور الذين تعج بهم مصر والذين يشاركون في إعداد دستاتير الدول الأخري نظرا لما يتمتعون به من خبرة عالية في هذا المجال وسمعة دولية تشرف مصر وشعبها وما قدموه من إسهامات رائعة في إعداد دساتير 32،45،1791. المستشارة تهاني الجبالي نائب رئيس المحكمة الدستورية تري في هذا السياق أن مصر مهددة بكارثة دستورية مؤكدة أن استئثار الأغلبية بوضع الدستور مقدمة لثورة جديدة وتطالب الفقيهة الدستورية بضرورة إعادة قراءة الدساتير التي سبق أن وضعناها ذلك أننا لانضع دستورا جديدا كما أن الدساتير لا تكتب عبر الأغلبيات وإنما تكتب لحماية مصالح الأقليات والمصالح المتعارضة في المجتمع موضحة أن الدستور هو قاسم مشترك في الحياة السياسية والاجتماعية ولهذا فلابد أن يعبر بوضوح عن كافة أطياف المجتمع ويحترم الأقليات.. كما يؤكد العديد من أساتذة القانون الدستوري بالجامعات المصرية فإنه كان ينبغي أن يتم تشكيل لجنة إعداد الدستور (المائة عضو) من خارج أعضاء البرلمان وأن يشترط أيضا في اعضائها ألا يتقلدوا أي مناصب رسمية علي مدي خمسة أعوام أو أكثر ضمانا لحيدتهم وحتي يكونوا بعيدين كل البعد عن أي شبهات لمصلحة جماعة أو تيار فكري أو حزبي أو مؤسسي. ولأن الرجوع إلي الحق فضيلة كما يؤكدون لنا دائما فإنه ينبغي علي جماعة الإخوان المسلمين وحزبها وحزب النور السلفي أن يعيدوا حساباتهم وأن يصححوا الخطأ الجسيم الذي شهدته عملية تشكيل (لجنة إعداد الدستور) الذي من المفترض أن ينظم الحياة السياسية ويحدد العلاقات بين المؤسسات التشريعية والقضائية والتنفيذية ويحكم الفصل والتنسيق بينها لعشرات السنين القادمة.. ولأن الدستور من الثوابت وباقي المؤسسات الأخري من المتغيرات كان لزاما أن يكون الدستور حاكما وضابطا لكل هذه المؤسسات الأخري وليس العكس كما يتصور البعض منهم وأن يتم حل هذه المشكلة الخطيرة من جذورها بالتعاون والتفاهم والتنسيق الكامل مع مختلف الأحزاب والتيارات السياسية الأخري بعد وضع الضوابط والمعايير اللازمة لتشكيل وكيفية عمل اللجنة بكل وضوح. إن الأساليب الملتوية والسياسات المجحفة التي عانوا منها علي مدي 8 عقود أي منذ إنشاء الجماعة في عام 8991. لا يجب ولا ينبغي أن يعيدوا اتباعها بعد أن صعدوا إلي سدة الحكم وأمسكوا بزمام الأمور ذلك أنهم لن يستطيعوا أبدا إعادة عجلة التاريخ إلي الوراء كما إن الظروف الحالية خاصة بعد ثورة يناير مختلفة تماما عن كل ماسبق من عهود. ولأنهم يقولون مالا يفعلون ويفعلون مالا يقولون (مبدأ كلمة واحدة) بداية من استفتاء البشر ومرورا بالدستور أم الانتخابات أولا ثم لجنة الكتاتني لإعداد الدستور وأخيرا وليس آخرا ترشيح المهندس خيرت الشاطر نائب المرشد العام للجماعة لمنصب رئيس الجمهورية بعد أن أعلنت الجماعة مرارا وتكرارا أنه لن يكون لها مرشح للرئاسة وهو الخبر الذي هبط كالصاعقة علي الحياة السياسية في مصر. وسيكون تأثيره أشد قسوة وعمقا داخل الجماعة عن خارجها وسيكون بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير كما يقول المثل العربي، بدأت موجة من الاستقالات من الجماعة أهمها د.محمد حبيب.. ود.كمال الهلباوي علي الهواء مباشرة في إحدي القنوات الفضائية كما أعرب شباب الإخوان سخطهم علي هذا القرار وإصرارهم علي انتخاب د.عبدالمنعم أبوالفتوح وبالفعل بدأ رصيد الإخوان من ثقة وتأييد الشارع المصري في التراجع وهو ماسوف تؤكده الأحداث في الأيام القليلة القادمة.