في افتتاحه لمشروعات تنمية محور قناة السويس في مطلع هذا الأسبوع, وجه الرئيس السيسي للعالم اجمع عدة رسائل علي قدر كبير من الأهمية منها علي سبيل المثال أن مصر بلد السلام تقدر السلام وتسعي من اجل تحقيقه وتحترم من راحوا ضحاياه سواء علي أراضيها أو علي أراض أخري, ومنها أن القيادة السياسية الجديدة بمصر تتمتع بالرؤية الواضحة والأمل القوي في تحقيق التنمية المستدامة علي أرض مصر برءوس أموال وطنية لصالح المصريين وغير المصريين علي حد سواء ومنها أن مصر الآن تمر بمرحلة تحد للتحديات التي يضعها أهل الشر بطريقها بالداخل أو للتحديات التي يحاول أعداؤها افتعالها لعرقلة مسيرة التنمية الوطنية التي ربما لا يدرك كثير من المصريين انها مسيرة بدأت ولن تقف بفضل دعم الرئيس وتوجهه الوطني الواضح نحو خدمة وطنه ومواطنيه بعيدا عن اللجوء للاستقواء بالخارج أو الارتماء في أحضان الغرب الذي لا تضمر أغلب قواه الدولية سوي خطط الشر والرغبة التاريخية المحمومة في السيطرة علي القيادة المصرية ومن ثم توجيه قراراتها في الداخل والخارج. وفي الواقع فإن كلمة الرئيس التاريخية التي عبر فيها بتلقائية شديدة عن اطمئنانه علي سير العمل بشكل عام وعلي خطط محاربة منظومتي الفساد والغلاء اللتين تشكلان ضغطا شديدا علي كواهل المصريين, ذكرني فيها بالنظرية التي تبناها العالم البريطاني أرنولد توينبي في مؤلفه مختصر دراسة التاريخ وهي نظرية التحدي والاستجابة, تلك النظرية التي استلهمها من علم النفس السلوكي وعلي وجه التحديد من كارل يونج1875-1961 يؤكد فيها هذا العالم أن الحضارات العظيمة لا تبني إلا بفضل استجاباتها لما يعن لها من تحديات. في هذا السياق فقد استشهد ارنولد توينبي بالحضارة اليونانية القديمة, حيث سرد عددا من التحديات الكبري التي واجهتها, موضحا أن كل تحد منهم كان كفيلا بالقضاء علي بلاد اليونان شعبا وحضارة. من بين تلك التحديات كانت الطبيعة الجغرافية الصعبة التي تعرف عن بلاد اليونان, ممثلة في عدد كبير من القمم الجبلية التي مزقت السطح اليابس فيها وحالت دون سهولة اتصال سكانها, ومن ثم حرمت البلاد علي مدار تاريخها من نجاح لاستمرار اي محاولة من محاولات الوحدة الوطنية سواء بهدف القضاء علي اخطار خارجية أو داخلية, وهو ما ساعد علي تكريس نوع من النزوع ناحية الانفصال دون الوحدة, ولم ينس توينبي أن يشير إلي الطبيعة الموسمية للانهار في بلاد اليونان وهي الطبيعة التي جعلت من الانهار لاعبا له دوره في تكريس ظاهرة الانفصال دون الاتصال كما هو معتاد بكافة حضارات الشرق ذات الانهار الكبيرة دائمة الجريان طوال فصول العام. وهنا نجد توينبي يعلي من شأن الحضارة اليونانية التي وصلت لذروة تقدمها في القرن الخامس ق.م علي خلفية ما حققه اليونانيون من منجزات حضارية علي مختلف الأصعدة بعد قبولهم التحديات الجغرافية الصعبة التي سرد الكثير منها. وحين جاء للحديث عن مصر وجدناه يؤكد أن مصر لم تواجه مثل تلك التحديات الجغرافيه علي اعتبار ان الطبيعة قد منحتها نهر النيل والاراضي الواسعة الخصبة, وهو ما جعله يوحي للقارئ أن الحضارة المصرية القديمة قامت دون تحد قوي كما هي الحال مع بلاد اليونان, فيا ليته كان بيننا الآن ليعيد النظر في تقييمه للحضارة المصرية الجديدة. أستاذ مساعد التاريخ القديم بآداب الإسكندرية