ذكرنا في المقال السابق أن بناء الإستراتيجية القومية الشاملة الناجحة هي محصلة لعدة عوامل رئيسية تناولناها ومنها الغاية القومية والأهداف أو المصالح القومية وهما يمثلان الأساس للبناء الإستراتيجي وسنتعرض لمفهومهما ومعناهما. الغاية القومية: هي أولي خطوات صياغة الإستراتيجية القومية الشاملة للدولة وهي مجموعة القيم العليا والحيوية والتي تتمتع بتأييد قومي/شعبي كامل ولا تقبل المساومة والتي في سبيلها تدخل الدولة الحرب ولا تقبل التضحية بها حتي في سبيل تجنب الحرب حيث إنها ذات تأثير حاد ومباشر علي الأمن القومي وحيث تكون غاية الدولة العليا وهدفها الأسمي هو الحفاظ علي تلك القيم الجوهرية. تقع مسئولية تحديد الغاية القومية علي القيادة السياسية للدولة مع مجلس الأمن القومي وهي مصدر سياسة الدولة, وذلك بعد تحديدها بواسطة جميع عناصر المجتمع من مجالس تشريعية واحزاب سياسية ونقابات مهنية وعمالية ومؤسسات علمية ودينية وثقافية وإعلامية وحقوقية وجمعيات مدنية وأهلية ومراكز الدراسات السياسية والإستراتيجة والبحثية أي يدور حولها شبه إجماع من الشعب. يقاس نجاحها وتأثيرها في التخطيط الإستراتيجي للدولة بمدي سهولة شرحها ووضوحها وكسب الاجماع والتأييد القومي حولها في كافة الاتجاهات في الدولة حيث إنها من الأمور الأساسية للتخطيط. الأهداف القومية أو المصالح القومية:يشيران الي معني واحد تقريبا ومصطلح المصالح القومية من التعبيرات الشائعة بين الدارسين للعلاقات الدولية, ويشير إلي الأغراض والأهداف التي تبذل الدول أقصي ما في وسعها لتحقيقها, وإذا كان هذا التعبير يثير كثيرا من التساؤلات حتي بين الدارسين انفسهم عن مدي صلاحيته وفائدته مع انه يدل علي المفهوم نفسه لذا من الأفضل استخدام الأهداف كبديل عن المصالح القومية وتعني الأهداف القومية والأوضاع والظروف الدولية التي تخلقها الحكومة من أجل الشعب ومن أجل المحافظة علي سلوك الدول الأخري أو تغيير مواقفها بما يتلاءم مع متطلباتها وهي عموما تتصف بالآتي: تقتضيها طبيعة المرحلة المقبلة ومنها السريع الزوال ومنها الأكثر ثباتا..يحكم تخطيطها الظروف والإمكانيات وقد تتصف بالمرحلية أو دفعة واحدة..نابعة من الغاية القومية ويجب ان تستحوذ علي رضا اغلبية الشعب وتحققها السياسة القومية العامة ولا تظهر في الدستور..مرحلة فرعية من مراحل الغاية القومية وهي أول التخطيط..تخصص لها طاقات وموارد ترتب بأولويات وأسبقيات تنتهي بتحقيقها..منها المفروض علي الدولة مثل الهدف القومي إقامة جيش وطني قوي لمواجهة تهديد يهدد بقاء الدولة او استقلالها ولا تضحي به الدولة ولو حتي بدخولها الحرب. تقوم القيادة السياسية ومجلس الأمن القومي في الدولة بتحديد الأهداف القومية,وتمثل مجموعة الأهداف( السياسية-الاقتصادية-الاجتماعية-العسكرية...) التي تحددها الدولة وتخصص لها طاقاتها وإمكاناتها وتجدد في إطار الغاية القومية, وتتصف بالمرحلية والنوعية ويحدد لها مدي زمني. ومن أمثلة ذلك:الحفاظ علي وحدة الوطن بأرضه وبحاره وسمائه والثروات الكامنة فيه..الحفاظ علي القيم الأساسية للمجتمع..الحافظ علي السيطرة الوطنية علي موارد الوطن الاقتصادية..استقلال الإرادة الوطنية عند تعريف شئون الوطن داخليا وفي التعامل مع القوي الخارجية..الحفاظ علي هوية الوطن الثقافية والتي ورثتها عبر قرون طويلة وتتمثل في انتمائه العربي الإسلامي وحمايته من القوي الداخلية..الحفاظ علي مقومات النظام السياسي الذي ينص عليه الدستور مع تطويره بما يتوافق مع الإرادة الشعبية..تحرير المواطن من الخوف والحاجة. وتعتبر الأهداف القومية في إطار الغاية القومية للدولة أو أهدافها التي تقتضيها طبيعة المرحلة المقبلة وتخطط الدولة لها ويتوقف صياغة تلك الأهداف وترتيب أولوياتها علي مهارة متخذي القرارات, فبقدر ما تكون هذه الأهداف معبرة عن المصالح الحقيقية لأغلبية الشعب وتحوذ رضاهم وتأييدهم بقدر ما تكون مهارة متخذي القرار أو القيادة السياسية للدولة في صياغة الخطوات الأولي للإستراتيجية القومية الشاملة. مستشار أكاديمية ناصر العسكرية العليا