يستمد التخطيط للإستراتيجية القومية وصياغتها روحه وجوهره من مصادر متعددة يضفي كل منهم صبغته علي الشكل والسياسات التي تتبع المفاهيم والقيم السائدة وبالتالي تكون تلك المصادر مرشدا أو هاديا لصانع ومخطط الإستراتيجية القومية وفي نفس الوقت تضع عليه قيودا في كثير من الأحيان وتكون له حدود لا يمكن تخطيها. يعتبر دستور الدولة أهم تلك المصادر فمن غير المتصور أن توضع أهداف أو تحدد غايات قومية تتنافي مع دستور الدولة أو مع القيم التي تسود المجتمع وإلا كانت مثارا للجدل والخلاف مع عدم تمتعها بالقبول أو الرضا الشعبي وتكون مرفوضة في الدول الديمقراطية التي تتمسك بدستورها وقيمها..كما يعد برنامج الحزب الذي يفوز بأغلبية تأييد الشعب احد المصادر الأساسية لتخطيط وصياغة الإستراتيجية القومية حيث إن ما طرح في برنامج عمل الحزب هو تمثيل لأماني ومطالب الغالبية وارتضوه ويرغبون في تحقيقه في الفترة المقبلة من حكم الحزب للدولة وتمثل الوعود التي علي أساسها اختار الشعب حكومته المنوط بها صياغة وتنفيذ الإستراتيجية القومية فترة توليها الحكم حتي تضع الوعود والطموحات موضع التنفيذ وتحقق الأهداف المرجوة. وتدخل تصريحات المسئولين السياسيين من رجال الدولة ومتخذي القرارات والتي تلقي القبول والإجماع الشعبي ضمن المصادر المهمة لتخطيط وصياغة الإستراتيجية القومية لذلك فمن المهم جدا أن يكون لدي القيادة السياسية الحس المرهف والبصيرة النافذة لاستشعار مدي القبول والرضا الشعبي والتفاعل الاجتماعي والسياسي مع ما يصدر من بيانات وتصريحات للمسئولين السياسيين كما تظهر أهمية الأجهزة التي تعمل في مجال تجميع وتحليل وإبلاغ الرأي العام للقيادة السياسية فقد يتخذ قرار سياسيا لا يتفق ورغبة الجماهير وضد مصالحهم ثم يعزز ويدعم بقرارات أخري وذلك بناء علي بلاغ خاطئ من تلك الأجهزة بان الجماهير متفاعلة ومتحمسة لكل ما يصدر عن القيادة السياسية بينما الحقيقة تخالف ذلك. من المصادر المهمة والأساسية الرأي المتبلور من داخل البرلمان والمناقشات التي تدور فيه فهي تعبر عن رأي ممثلي الشعب وما يرونه من أهداف ومصالح يتحقق بتمام تنفيذها الصالح العام للدولة. تعتبر موارد الدولة المتاحة والمتوقعة خلال الفترة الزمنية المخطط لها أهم المصادر فبتوجيه وتوظيف هذه الموارد من خلال السياسات الموضوعة يتم تحقيق الأهداف وهي أيضا التي ستتحول الي القوة للدولة من خلال الإستراتيجية القومية. تمثل التهديدات المحيطة بالدولة مصدرا أساسيا من مصادر التخطيط للإستراتيجية القومية حيث إن مصالح الأمن القومي للدولة يقع جزء منها في الخارج والإستراتيجية تهدف ضمن ما تهدف الي إزالة التهديدات أو تحييدها أو تحجميها ومن ثم يصبح التعرف علي تلك التهديدات من حيث المصادر والأساليب أمرا ضروريا حتي يمكن التعامل معها وتحقيق ما تهدف الدولة إليه. في كلمات مختصرة ومبسطة يمكن القول ان الإستراتيجية القومية هي تلك الخطوط التنفيذية لوضع السياسات والخطط والبرامج الخاصة لاستخدام إمكانيات وموارد الدولة موضع التنفيذ بهدف تحقيق الغايات والأهداف القومية وعند الدراسة التطبيقية لتنفيذ ذلك فإننا نجد أنفسنا إمام العاملين الرئيسيين والمتضادين في الاتجاه ولكنهما أساسيين.. الأول:إمكانيات وموارد الدولة والتي سيتم وفقا لها بناء الإستراتيجية القومية الشاملة وكذا ما يمكن إضافته نتيجة العلاقات الدولية من معاهدات واتفاقيات تعاون إستراتيجي في المجالات الاقتصادية والعسكرية أو تنموية ومجموع ذلك كله يكون هو المتيسر للتخطيط الاستراتيجي المنتظر. الثاني:الغايات والأهداف القومية وهي ما قررته الدولة بمؤسساتها الدستورية لتحقيق مطالب ورغبات جموع الشعب وهي في الغالب مطالب طموحة وتفوق دائما الإمكانيات والموارد وهنا يكمن الصراع لتحقيق التوازن بينهما فيكون فن ومهارة التخطيط الاستراتيجي لتحقيق الإستراتيجية القومية الشاملة.