عمل الدكتور عمرو الاتربي عميد كلية التجارة بجامعة عين شمس لسنوات كملحق تعليمي في سفارة مصر بلندن, فتابع عن كثب التجربة الانجليزية في التعليم, وكيف يلعب التعليم الحقيقي الدور الاكبر في نهضة الأمم. ويؤمن الدكتور الاتربي بأن العمل والتعليم, هما جناحي تحقيق ما تصبو اليه اي أمه من نهضة شاملة, وهو يري في الوقت ذاته أن الاقتصاد الوطني يتعافي بخطوات ثابتة, برغم ما يتعرض له من تحديات, لكن المشكلة حسبما يقول تتمثل في ان الجميع يريد أن يلمس النتائج بسرعة. يري الدكتور الاتربي أن حل العديد من المشكلات التي تتعرض لها مصر, يتمثل في أن يقوم كل مسئول بدوره, ولا يلقي بالمسئولية علي غيره, وهو يطالب بقوة في سبيل تحقيق ذلك, أن يكف الاعلام عما يصفه بنبرة التشاؤم السائدة في العديد من الفضائيات المصرية, ويستبدلها بالتفاؤل ونشر القيم الايجابية وأولها تفعيل مبدأ الثواب والعقاب, في كل القطاعات, ويقول عن ذلك: الجميع يطالب بحقوقة ولا يقوم بواجباته. ينظر الدكتور الاتربي الي مشكلة ترهل الجهاز الاداري في الدولة, باعتبارها المشكلة الابرز, وهو يقول عنها: الجهاز الاداري للدولة يمكن ان يمارس عمله وبقوة بحوالي16% فقط من عدد العاملين فيه الان, والبالغ حوالي سبعة ملايين موظف. بداية وبوصفك رجل اقتصاد عملت بالداخل والخارج ما هي رؤيتك للوضع الاقتصادي المصري حاليا في نهاية2015 ؟ هناك أشياء تدعو الي التفاؤل وأخري تدعو لبذل المزيد من الجهد, فافتتاح قناة السويس الجديدة هي دعوة للتفاؤل بما حملته من قدرة المصريين علي تنفيذ ما أرادوا وتمثل ذلك في امكانية جمع أكثر من60 مليار جنيه خلال أسبوع واحد لتطبيق ما يسمي في علم الاقتصادwin-winsituation أي أن الجميع رابح, فالحكومة ربحت الأموال التي نفذت بها المشروع وفي نفس الوقت المواطن ربح الحصول علي فائدة جيدة علي أمواله, ونحن حاليا في انتظار التنمية بمفهومها الأوسع. والحقيقة ان قناة السويس الجديدة تعد تعبيرا واضحا عن ارادة المصريين بمعني أنهم اذا أرادوا فعل شيء يصبح حقيقة, وعندما وعدت القيادة السياسية بالانتهاء من المشروع خلال عام واحد نفذت ذلك, وهذا يعطي انطباع عن الشخصية التي تحكم أن مرجعيتها توحي بأنها اذا وعدت تفي, وقد بدأت تفاؤلي بمشروع القناة لأنها مثال لقدرة المصريين ومثال للتخطيط أي أنها علاقة تكاملية بين طرفي المعادلة من شعب وحاكم. بالعودة الي التنمية بمفهومها الأوسع ما هي محاورها؟ التنمية هي المرحلة التالية الانية والجزء الرئيسي فيها الاستثمار وهذا الاستثمار لن يأتي لبلد الا اذا كان النظام السياسي فيها مستقر, وهنا أتذكر اوقات كانت صعبة علي مصر مثلا وقت سيطرة أتباع حازم أبو اسماعيل علي العباسية ومنعوا الناس من الدخول لشارع الخليفة المأمون وتم فرض حظر التجول ما تسبب في خسارة مصر خلال أسبوع4 مليار دولار سواء سياحة او غيره لأنه أين السائح الذي سيأتي بلد بها حظر تجول حتي لو كان التوتر فيها في جزء صغير منها؟, واذا تحدثنا عن الاستثمار فيتطلب استقرار نسير فيه حاليا باستكمال خارطة الطريق بوجود برلمان, لكن لدينا مشكلات كبيرة أولها في السياحة وكيفية زيادتها وكذلك لدينا مشكلة عنيفة في أزمة الدولار وهناك حلول كثيرة تقوم بها الحكومة منها علي سبيل المثال تحويلات المصريين في الخارج والبحث في أسباب عدم تدفقها, كذلك لدينا سلع استفزازية فكيف في ظروفنا الحالية ندفع500 مليون جنيه مصري لاستيراد جمبري وملايين اخري لاستيراد منتجات ألبان وشراء أنواع أسماك كالسيمون فيميه والكافيار وهذه سلع يمكن استيرادها لمن يريدها لكن يجب وضع ضريبة مرتفعة لأنها ليست سلع أساسية للمصريين, ولدينا مشكلة أخري تتعلق بمتأخرات الضرائب وتقدر بحوالي72 مليار جنيه, ونتمني أن المصريين يسددوا متحصلات الضرائب لكي تقوم البلد من عثرتها مرة أخري, بالاضافة لكل ذلك لدينا مشكلة في المشروعات الصغيرة للشباب الذي لا يجد فرص عمل والمفترض أن هذه المشروعات هي قاطرة التنمية في مصر لو تم الاستفادة منها جيدا, وهذا يتطلب تدريب للطلبة ونشر ثقافة العمل الحر والعمل في الشروعات الصغيرة وكيفية عمل دراسات الجدوي وفتح منافذ التمويل. لدينا تجربة منذ سنوات خاصة بالصندوق الاجتماعي للتنمية كالية حكومية لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة فهل فشل الصندوق في تنفيذ الهدف منه؟ لم يقم بالدور الذي كان متوقعا منه مثله مثل الكثير من المؤسسات الموجودة في مصر, كما أن لدينا مشكلة عنيفة أخري تتمثل في زيادة أعداد الناس في القطاعات المختلفة مثل مبني الاذاعة والتليفزيون الذي يعمل به حوالي45 ألف ويمكن الاكتفاء ب10 الاف فقط, ومصر للطيران التي يوجد بها عدد محدود من الطائرات لو عملت24 ساعة يوميا فلن تربح في ظل أنه يعمل بها38 ألف موظف وهذين المثلين ينطبقان علي عدد كبير من القطاعات التي لديها عمالة زائدة تجاوزت فكرة أنهم يأخذون مرتبات دون عمل ولكنهم وصلوا لمرحلة أنهم يعرقلون العمل المطلوب, واذا عددنا المشكلات سنستغرق وقتا كبيرا لذلك بدأت بقناة السويس الجديدة كمصدر للتفاؤل وسط كل هذه المشكلات, وما ألحظه أن الاعلام دائما ما يركز علي المشكلات, رغم أننا نريد أن نعطي فرصة للشباب الصغير أن يتفاءل بالمستقبل. ومن أين يأتي التفاؤل وسط كل هذه المشكلات الذي ذكرت بعضها فقط؟ يأتي من مصادر عدة أولها أن نبدأ وفورا في تدريب الشباب واكسابه المهارات التي تساعده في سوق العمل سواء باللغة أو الحاسب الالي أو غيرها وهي أشياء نقوم بها هنا في كلية التجارة جامعة عين شمس وتقوم بها مؤسسات علمية كثيرة, وقد سألت طلابي ذات مرة عن تحليلهم للفجوة الموجودة بينهم وبين مؤسسات الدولة والحكومة وجاءت اجاباتهم واقعية تدور حول عدم احساسهم بالاهتمام والمعاناة التي يعانونها يوميا وما الذي يتم تقديمه لهم, واذا أردنا تقليل الفجوة فلابد أن ننطلق من قاعدة أن يكون المكسب للطرفين تدريب واكساب مهارات وعمل للشباب واستفادة للبلد من عملهم ومجهودهم, وأتذكر هنا ما حدث بعد ثورة يوليو1952 وانشاء جمعية الخريجين الذي كان من بينهم والدي خريج كلية الزراعة وقتها واستصلحوا أراضي وتملكوها واستفاد الطرفان شباب ودولة من الأمر, وهذه الفكرة قابلة للتطبيق حاليا بشرط البحث عن وسيلة لتملك الشاب قطعة الأرض ليزرعها ويستفيد منها وينميها عن طريق ايجاد وسيلة تمويل تساعده, والخلاصة أن اقتصادنا يتعافي لكن المواطن لم يعد لديه الصبر ويريد أن يلمس نتائج التحسن وبسرعة, ونرجو أن يتعاون الجميع لنحقق ما نصبو اليه. في تصورك كيف نخرج من هذا المأزق؟ نحن في أمس الحاجة الي القيم والصفات التي كنا نتحلي بها قديما فنحتاج التفاؤل والرحمة بين بعضنا البعض والتماس الأعذار للاخرين وهي أمور اختفت للأسف حاليا والكثير من المسئولين أصبحوا يخافون من الشوشرة فأصبح لدينا مسئولين يخشون اتخاذ القرار. هل تقصد أن مسئولينا مرتعشي الأيدي؟ حاليا هناك شقان الأول أن المسئول لو فعل الكثير من الانجازات وأخطأ خطأ واحدا يترك الجميع انجازاته ويصبح خطأه خطيئة لا تغتفر ويجب جلده عليه, والشق الثاني أنه عندما يتخذ المسئول قرارا صائب يأتي عدد من أصحاب الصوت العالي الذين تم اتخاذ القرار ضدهم ويصوروا الأمر كما لو كان القرار خطأ ليدفعوا الضرر عنهم فقط, فمثلا اكتشفنا في الكلية أن الكثير من الطلبة في الشعب الأعلي في مصروفاتها كالشعبة الانجليزية لا يسددوا المصروفات واتخذنا قرار بأن الطالب لن يدخل امتحان الا بعد تسديد المصروفات لأنها في النهاية أموال دولة لابد أن يتم تسديدها لخزينة الدولة والا ندخل في اطار اهدار مال عام, وأنا كنت ملحقا ثقافيا لمصر في لندن والمبعوث الذي لم نكن ندفع له مصروفاته قبل بداية العام دراسي وتقدر بالاف الجنيهات الاسترلينية يتم منعه منعا باتا أن يدخل الجامعة أو استخدام أدواتها وتجهيزاتها كالمعامل أو المكتبة, وأنا شخصيا اذا أردت ادخال أبنائي لاحدي الجامعات الدولية فسألتزم بدفع مصروفاتها المرتفعة. توصف كليات التجارة بأنها كلية الاف الطلبة فلماذا تتميز الكليات النظرية بأنها كثيفة العدد بهذا الشكل بعكس الكليات العلمية؟ لدينا في كلية التجارة جامعة عين شمس72 الف طالب وطالبة, وهناك دفعات بها6 الاف طالب والشعبة الانجليزية اقل قليلا وبعض الدفعات بها3 الاف طالب وخفضناها هذا العام الي الف وخمسمائة, والمهم ان يجد خريجها فرصة عمل ولذلك لابد ان يكون خريجا مؤهلا لسوق العمل ونحن كإدارة كلية نبذل كل الجهد لاعداد خريجينا لسوق العمل ولكن بشرط ان يكون هناك جهد يبذله الطالب لرفع مهاراته وقدراته وهو ما اهتمت بة كثير من الدول العربية حاليا حتي بعد الالتحاق بالعمل فلا يتم ترقية الموظف او العامل الا بعد ان يتلقي دورات متخصصة ولكن للاسف هذة الثقافة غير موجودة بمصر مما تسبب في تيبس وتجمد الكثير من العقول وتخشبها عند مفاهيم ومراحل معينة, وما اريد قوله انه لابد من تدعيم روح التفائل عند الشباب ونتحلي باخلاق الرحمة بيننا ونساعد القيادة السياسية علي تنفيذ ما نطمح اليه عن طريق ان يعمل كل منا في موقعه بجد واجتهاد. هل تعتقد ان هذا هو السبب وراء العتاب المتكرر من رئيس الدولة للاعلام؟ بالفعل حتي اني اشفق علي رئيس الجمهورية واشعر كما لو كان شايل الشيلة لوحده بمعني ان كل شييء هو من يوجه له حتي لو كانت مشكلة مياه رغم ان علي كل مسؤل مهما صغرت مسؤلياته ان يتحملها ولا يتم تصعيد الامر للقيادة الاعلي الا عند استحالة حلها ولا نستمر في القاء المسؤليات علي القيادات الاعلي لمجرد الخلاص وعدم تحمل المسؤلية. عملت لفترة ملحقا ثقافيا لمصر في لندن, ما الذي تعكسة بهذه التجربة علي الوضع الاقتصادي الحالي من حيث دور الملحقين المصريين في الخارج في جذب الاستثمارات والسياحة لمصر؟ أري أن القرار الأول والذي يجب ان يكون اتجاة الدولة حاليا زيادة عدد المبعوثين في الخارج لنصل لعشرات الالاف منهم لأن هؤلاء سيتزودوا بأحدث ما وصل اليه العلم ويعودوا لوطنهم وينتشروا في الجامعات والمؤسسات المصرية ويفيدوا بلدهم بعلمهم. ولكنك ستواجة بسؤال عن من أين الاموال لذلك ونحن في ظروفنا الحالية؟ بالعلم والمال يبني الناس ملكهم.. لم يبني مجدا علي جهل و اقلال, اذا اردنا التقدم فهذا هو السبيل ولننظر تجارب دول مثل اليابان وفنلندا التي اهتمت اولا وقبل كل شييء بتنمية العقول ولذلك يجب بصورة او بأخري ان يكون هم مصر الأول حاليا الاهتمام بالتعليم وتوفير سبل التمويل بذلك فمستقبلنا في التعليم. هل تري ان النسبة المقررة للتعليم في الدستور كافية؟ في الوقت الحالي احسن من مفيش ولكنها ليست كافية لتلبية طموحتنا وعلي الملحقين المصريين بالخارج القيام بصورة كاملة في العريف بمصر وتصحيح اي صورة مغلوطة عنها وتقديمها بالشكل الذي يجذب اليها سواء السياحة او الاستثمارات مع الانطلاق من قاعدة ان مصر لا تحتاج الي دعاية فهناك قاعدة معروفة لمستها من خلال عملي عندما يسال الشخص عن اهم خمس دول يريد ان يراهم في حياته فنجد مصر احدي هذه الدول الخمس بما يعرفونة من التاريخ المصري القديم وعلينا جميعا ان ننطلق من هذه القاعده فقد تعجبت عندما كان النجم العالمي مورجان فريمان موجودا بمصر منذ أيام ولم نستفد من تواجد هذا النجم الكبير بالشكل الكافي, فضلا عن أنه علينا داخل مصر ان نكف عن ممارسات البعض تجاة السائحيين باعتبارهم صيدا ثمينا فهذه سلوكيات تنفر السائحين وتعطي انطباعا سيئا لاستغلال السائح منذ ان يأتي بعكس بلدان العالم التي تقدر السائح باعتباره ضيفا تستفيد منه البلاد, واشعر كما لو كان الشعب المصري كلة يحتاج لتدريب حول كيف نتعامل مع بعضنا ومع الاخرين ولنري مثلا قيادة السيارة في مصر وكيف اصبح الجميع يتعامل بشراسة لدرجة أن احيانا تدور بخاطري فكرة طريفة ان نستبدل ملاكي القاهرة بملاكي قريش لان كلا مننا يتخيل ان حنظلة بجانبه فضاعت الرحمة بين المصريين, وخلاصة القول اننا نريد ان يكون كل منا مسؤل عن تحسين صورة بلدة سواء بالاجتهاد في عملة او بمراقبة سلوكة. لدينا مشكلة في مصرتؤرق الجميع خاصة الشباب تتعلق بالمنح الخارجية حتي بات هناك شعور وتسائل هل سنعيش علي هذه القروض والمنح مدي الحياة ومتي سنتخلص منها؟ دعونا نتفق انة لا يوجد من يعطي بلا مقابل وخلاصة تجارب السنين تؤكد ذلك والمشكلة زادت ووصلت الي حد ان بعض الدول التي كانت تعطي منح اصبح لديها مشكلة ولا تستطيع الاستمرار بما يتطلب ان نركز في حل مشكلتنا حتي لا نحتاج لأحد. ولكننا لسنا دولة فقيرة فأين المشكلة؟ المشكلة ان الجميع لا يعمل بجد واجتهاد ولا يتم الحفاظ علي المال العام وحرمتة بالشكل المطلوب فهناك امثلة نجاح جائت من تطبيق كافة المعايير مما يعني ان النجاح ممكن والدليل ان المصريين بالخارج مع توفير الاسباب نجدهم نماذج ناجحة وأعلي مستوي من الاحترافية والجودة فهناك الكثير من المنح ذهبت اموالها في الطعام والبدلات والهدايا ولابد ان نعترف بذلك ونشدد المحاسبة. نحن علي أعتاب برلمان جديد ما الذي تطلبه كرجل اقتصاد من هذا البرلمان؟ مراجعة قانون الاستثمار الذي تم اعتماده قريبا لأن به الكثير من الثغرات يتم تلافيها وتعديلها ليظهر قانون استثمار يليق بمصر وان يكون في كل قرار يتم اتخاذه نصب اعينهم مصر وابناؤها.