جاء التدخل العسكري الروسي في سوريا ليكشف أن الدب الروسي مستعد للوصول إلي أي مدي في مساندته للنظام السوري حفاظا علي مصالح روسيا الإستراتيجية, خصوصا أن موقف موسكو الثابت عبر تاريخها هو عدم التدخل عسكريا خارج حدودها, ولم يحدث أن خرقت هذا المبدأ إلا في ظرف تاريخي نادر عندما قدمت الدعم الفني من خلال طياريها ومهندسيها لمصر في مطلع السبعينيات بناء علي طلب الرئيس جمال عبد الناصر لبناء حائط الصواريخ والقوة الجوية. علي الجانب الآخر جاءت الانتقادات الدولية للدب الروسي من جانب العديد من الدول وعلي رأسها الولاياتالمتحدة وإسرائيل إلي حد هددت فيه تل أبيب بالتدخل عسكريا في سوريا حفاظا علي أمنها القومي.. وما بين الموقفين بات المشهد في سوريا أكثر ضبابية وباتت الصورة أكثر تشاؤما إلي حد تنبأ فيه بعض الخبراء أن الأزمة في سوريا قد تكون مدعاة لنشوب حرب عالمية ثالثة. ولأن الأوضاع في سوريا تحتاج إلي مبضع جراح يحلل المواقف وفق معطيات السياسة الخارجية لكل طرف من الأطراف ومصالحه الإستراتيجية والجزء الذي يريد اقتطاعه من كعكة سوريا.. كان هذا الحوار مع الكاتب والمحلل السياسي د. أحمد يوسف عميد معهد الدراسات العربية سابقا: كيف لنا أن نفسر هذا التطور المفاجئ في الموقف الروسي من دعم معنوي وسياسي وتقديم السلاح للنظام السوري إلي تدخل عسكري سافر؟ الموقف الروسي يتميز بأنه شديد الوضوح, فالسياسة الروسية لم تخف في وقت من الأوقات دعمها الرئيس السوري بشار الأسد بالأسلحة والذخائر والخدمات الاستخباراتية, لكن كل هذا كان مجرد تدخل غير مباشر لخدمة المصالح الروسية من تجهيزات بحرية وسوريا هي الوحيدة التي تقدم لروسيا تلك التسهيلات,وفي إطار الدور الروسي المستقل المتصادم مع أمريكا والغرب, كما اتضح في جورجيا وغيرها, فمن الضروري للإستراتيجية الروسية أن يبقي لها هذا المنفذ في سوريا, وبالتالي ما أريد قوله إن التأييد الروسي للنظام السوري ثابت منذ بدء الصراع. التدخل المباشر في الأيام الأخيرة الذي أخذ شكل الهجمات جاء بدهيا بعد تدهور النظام السوري أخيرا, فسيطرته علي الأراضي السورية بدأت تتقلص حتي اقترب التهديد من اللاذقية نفسها, وهذا معناه أن النظام السوري يحتاج إلي دعم روسي مباشر.. لذا لم يتردد بوتين في اتخاذ القرار, حتي إن قرار استخدام القوة خارج الحدود كان بالإجماع في الكرملين وليس فقط من جانب الحزب الشيوعي, فهذا قرار الدولة وليس النظام الروسي الحاكم وحسب. وهناك معلم ثابت في السياسة الروسية, منذ عهد الاتحاد السوفيتي, يقضي بألا تعمل القوات السوفيتية خارج الحدود إلا بقرار من الكرملين, وكان هناك استثناء وحيدعام1970, وذلك عندما مثلت طائرات العدو الإسرائيلي تهديدا لمصر, فطلب عبدالناصر أطقم الطائرات يقودها ويشغلها خبراء سوفيت ووافق بريجنيف علي القرار. إلي أي مدي يمكن أن تصل روسيا في دعمها العسكري في دعم النظام؟ وما احتمالات تراجعها في ظل الضغوط الدولية؟ لا أتصور أن هناك تراجعا في القرار الروسي الذي يستمر حتي يحقق أهدافه ونحن نشك دائما أن غارات التحالف الغربي علي داعش غير فعالة, وقد يكون هناك غزل مع جماعة جبهة النصرة في ضوء علاقاته بإسرائيل.. فالتدخل الروسي ضد خصوم النظام سواء إرهابيين أو عملا مسلحا. إن الدور الروسي صاعد والمصالح الروسية متبلورة وأتوقع أن تكون له فاعلية ملحوظة.. الروس قدروا أن وجودهم في سوريا قد يستغرق من4 إلي6 أشهر. وفي رأيي أن هذا تقدير سابق لأوانه, والمسألة قد تمتد لفترة زمنية أطول حسب تطورات الموقف. إن التدخل الروسي يمثل تصعيدا وإذا نجح هذا التدخل وهذا سيناريو محتمل للغاية فإنه سيؤدي إلي تقوية النظام الروسي في مواجهة خصومه. هل المشهد الحالي يعني أن الصراع في سوريا قد ينتهي بالتدخل العسكري الروسي؟ ما حدث لا يعني أن النظام الروسي سينتصر في الصراع بوسائل عسكرية, لكنه سيكون في وضع أفضل في حالة أي تسوية سياسية مقبلة, لأن القوة التي تقف ضد النظام السوري تصر علي استبعاد بشار الأسد, وهذا سياسيا مستحيل لأنه إذا لم يهزم لن تتم تسوية سياسية بدون مشاركته فيها. الأثر المباشر للتدخل الروسي هو تحقيق وضع أفضل لبشار الأسد. بوتين صرح بأنه مع قرار التدخل وأنه يعتقد أن الرئيس السوري علي استعداد لحل وسط أو تسوية.. فبوتين ليس واردا علي الإطلاق في ذهنه أن يؤدي تدخله إلي هزيمة النظام السوري لخصومه, بل إن التدخل الروسي يسعي لتحسين وضع النظام السوري في أي تسوية مقبلة قد تكون وقف إطلاق نار وإجراء انتخابات تحت إشراف الأممالمتحدة. الاعتراضات الدولية التي تقودها واشنطن جعلت بعض المحللين والمراقبين يتوقعون سيناريوهات مغرقة في التشاؤم, منها أننا قد نكون علي مشارف حربعالمية ثالثة؟ الاعتراضات كلها نوع من الانتهازية الدولية والمعايير المزدوجة بمعني أنهم يقولون إن التدخل الروسي ضد القانون الدولي, رغم أن الحكومة السورية هي التي طلبت هذا إن التدخل وهي إلي الآن وحتي مع التشكيك في شرعيتها لا تزال علي الأقل تسيطر علي العاصمة وكثير من الأجزاء داخل سوريا. في حين أن النظام السوري الشرعي لم يأذن لقوات التحالف الدولي بضرب داعش. ثانيا: يقولون إن النظام الروسي يقوم بضرب المدنيين.. فماذا عن تاريخ التدخلات الأمريكية العسكرية ألم تقتل المدنيين في أفغانستان واليمن, وماذا عن حفلات الزفاف التي كانوا يقصفونها؟! ثالثا: يقول المعارضون إن القوات الروسية لا تركز علي داعش, لكن يضربون المقاومة المسلحة.. التدخل الروسي لم ينكر أو يخفي أنه يتدخل لمصلحة النظام الروسي ضد خصومه أيا كانوا, فالولاياتالمتحدة تجرم عناصر من المقاومة فمن حق روسيا ضرب العناصر المسلحة التي تهدد النظام الروسي. لو كانت الدول الأخري تكف يدها عن التدخل في سوريا لجرمنا التدخل الروسي. هددت تل أبيب بتدخلها عسكريا في سوريا لحماية أمنها القومي.. هل تعتقد أنه مجرد ورقة ضغط علي واشنطن كي تتدخل؟ أولا وفقا لاجتماعات بوتين ونيتانياهو لتجنب أي صدام عسكري في سوريا, فإن الطائرات الإسرائيلية لن تغامر بالتدخل في سوريا فالصدام بينها وروسيا في هذه الحالة قد يصبح احتمالا شبه مؤكد, وكونها تضغط علي الولاياتالمتحدة فهو أمر وارد.. قد تتدخل إذا رأت خطرا علي أمنها.. ألم تهاجم من قبل بعض المناطق في سوريا. هل تعتقد أن الولاياتالمتحدة ستظل صامتة؟ لا تستطيع أن تفعل شيئا لوقف هذا التدخل, وإلا لكانت فعلت للانفصاليين في أوكرانيا أو عند انفصال أبخازيا عن جورجيا.. واشنطن لا تستطيع حاليا سوي الضغط الدبلوماسي والدعاية. وماذا عن الحليف الثابت للنظام السوري وأقصد به طهران؟ هل ستكون جزءا من تحالف روسي- صيني ؟ هناك شكوك في وجود مقاتلين من الحرس الثوري في سوريا.. أعتقد أن الأمور إذا وصلت إلي مرحلة حرجة للنظام السوري فإن إيران لن تتردد في دعمه بقوات عسكرية حتي لو لم يسيطر النظام إلا علي جزء من سوريا, لأن النظام جزء مهم من تزويد حزب الله بالأسلحة وحزب الله عليه مهمة في تنفيذ السياسة الإيرانية. ما شكل النظام الذي تريدروسيا تأسيسه بسوريا في نهاية الأمر؟ ستحرص علي وصول نظام يبقي علي امتيازاتها العسكرية في سوريا من تسهيلات بحرية ووجود نظام حديث, قد يسمح بوجود قاعدة جوية أو محطة تنصت.. وهذه المزايا العادية لأي قاعدة عسكرية بالخارج.. فالهم الإستراتيجي لروسيا الحفاظ علي سوريا كحليف إستراتيجي. القيمة الإسترايتيجية لسوريا قد تجعل روسيا تصر علي بقاء النظام السوري ولو علي جزء من سوريا فهي ليست حريصة بالضرورة علي وحدة سوريا.. المهم تحقق أهدافها ولو علي جزء من الأراضي السورية.