كثيرة هي الشجون التي تثيرها فينا سيناء الحبيبة... ليس فقط لأنها حوت في رمالها الساخنة الغنية رفات الآلاف من رجالات الوطن..وهذا يكفي.. لكن أيضا لأنها عندما تحررت من الاحتلال الصهيوني ظلت تتراوح في مكانها مع غياب مفردات السيادة التي تشكل غطاء واقعيا لمفهوم التحرر نفسه... والاحتلال له أنواعه المتعددة..وجميعها قميء.. ويخصم من القيمة التي يمكن أن تشكلها هذه البقعة الرائعة والثرية من أرض المحروسة... كما إن الاحتلال يسيء لنا في مصر كمجتمع عريق وكدولة راسخة....والاحتلال العسكري ليس هو النوع الوحيد للاحتلال.. فهناك الاحتلال الذي يفرضه الإهمال.. إهمال الدولة علي مدي سنوات طوال من خطط التنمية الخاوية, وهناك الاحتلال الذي فرضته صعوبة الجغرافيا التي جعلت شبه الجزيرة المصرية بعيدة نسبيا عن عمق الوطن الأم... كما إن هناك الاحتلال الأسوأ قاطبة.. وهو الاحتلال الذي فرضته بشكل نسبي جماعات التطرف التي بنت علي كل صنوف الاحتلال السابقة, لكي ترسخ لها وجودا غير مكدر في دروب سيناء وجبالها وكهوفها, بعيدا عن أعين الدولة الرسمية, وفي حماية ندرة التعداد السكاني, وتحت مظلة الاتفاق الأمني الملحقة بمعاهدة السلام مع الكيان الصهيوني, والتي منعت مصر من الوجود العسكري المؤثر..مما أفسح المجال لتلك الجماعات للنمو والتوسع, بل تكوين بؤر جذب لغيرهم ممن لفظتهم أفغانستان وسوريا والعراق وغيرها من بؤر التوتر الإقليمي... حتي بلغت بها شقوتها ووقاحتها أن تعلن مناطق من سيناء إمارة إسلامية, وهم ثلة من الفئران الهاربة, التي لا تقوي علي مواجهة أقل وحدات الجيش المصري عددا وعدة مواجهة مباشرة.. ولذلك, ونحن نحتفل بأعياد تحرير سيناء من الاحتلال الصهيوني عام1982... ونذكر بالشكر والعرفان وطلب المغفرة وحسن المآل كل شهيد سقط في سيناء وهو يدافع عنها وعن مصر كلها... والعرفان أيضا والإجلال كل جندي مصري مصاب أو مقاتل شهدت ارض سيناء تضحياته.. نحتاج إلي أن يكتمل احتفالنا بتحريرها من باقي صنوف الاحتلال.... نعم..نحتاج وبشدة إلي أن تحكم الدولة قبضتها وقبضة القانون علي بؤر التطرف التي عاثت في سيناء أعواما وأعواما دون رادع أو رقيب... حتي تعود أرض سيناء شفافة من التطرف... وكيف لا وهي معبر الأنبياء.. وعلي الدولة أيضا.. وبسرعة بقدر المستطاع .. أن تفرد لسيناء خطة تنمية مستقلة... تستعيد من خلالها, وفي زمن قليل نسبيا... السيطرة الشمولية علي هذا الإقليم النابض بالأهمية والحساسية... فبدون التنمية الحقيقية ستظل سيناء نهبا للتطرف ومرتعا للتهريب وملاذا لكل هارب من القانون أو من يضمر شرا بهذا البلد... نحتاج وبسرعة إلي أن تعيد الدولة رسم علاقة الوطن بأبناء سيناء من البدو, بما يرسخ من مشاعر الانتماء لديهم ولدي أبنائهم للوطن الأم مصر. خبير دولي في إعادة تهيئة المؤسسات وإدارة مراحل الانتقال محاضر القانون الدولي وحقوق الإنسان