مها عبدالفتاح من اولها .. لابد و أن نكون واضحين و نفصل المشاعر والاحاسيس نضعهم جانبا ولو مؤقتا و ننظر للأمور بعقلانية .. فالانتماء و الالتزام حفاظا علي الوطن لا يكون بغير العقل و ليس بالقلب فقط ولا بالاغاني والمشاعر الجياشة وحدها وحتي لا يكون حبنا من لغو الكلام.. وحب الوطن بالعقل لابد أن نفصل بين الاحاسيس العدائية وبين مصلحة الوطن.. مشاعر العداء لاسرائيل لها ما يبررها بالتأكيد، بدءا من الاصرار علي مواصلة سرقة الارض ووضع يدها علي القدس العربية الي انتهاك القوانين الدولية وعمليات الانتقام الجماعية والوحشية التي تمارسها في التعامل مع الفلسطينيين .. مع ذلك لابد من ان نفصل بين ذلك و بين الحرص المبدئي علي الوطن الذي لا قبله ولا بعده من حرص... أيا من يظن او يفكر في ان يزج بمصر بوضعها الحالي والظروف الداخلية غير المهيأة، و يجر ها الي أتون صراع ، أو يدفع بجيشنا إلي قتال يفتعل، انما هو اما جاهل او لا يضمر خيرا لمصر .. لأن الحفاظ علي هدوء الوضع الراهن علي الحدود و معاهدة السلام هما وضع ضروري و هام علي مدي المستقبل المنظور.. وخياراتنا المصيرية مثل فتح طريق امام صراع مسلح او خوض قتال أو حرب هذه من بعض الامور التي ما من أحد له أن يفرضها او يهييء لها الطريق، فلا التوقيت و لا الظروف تسمح بمثل ذلك.. الخلخلة حدثت في اعقاب الثورة فتحولت سيناء الي منطقة جذب لفصائل شتي من الجهاديين و السجناء الهاربين من ذوي السجلات الاجرامية ممن هربوا خلال الثورة من السجون .. وعلي مدي الشهور الثماني عشر فقدنا السيطرة علي اجزاء كبيرة من سيناء بعد ظهور جيل جديد من المتطرفين المسلحين يحملون الشعارات الاسلامية ويستلهمون أفكارا مدمرة، و منهم من أعلن الولاء صريحا لمنظمة القاعدة و غيرها من الجماعات السلفية و الجهادية المتطرفة، غير مئات السجناء الهاربين من السجون المصرية ممن وجدوا طريقهم الي هناك ... احدي تلك الجماعات المتطرفة تسمي " بأنصار الجهاد " وتشكلت منذ ديسمبر الماضي باعتبارها الذراع العسكرية لتنظيم القاعدة في سيناء ، هذه الجماعة أعلنت عن ولائها الصريح و بيعتها " للزعيم أيمن الظواهري " و لم تخيب ظنه فقامت تباعا بعمليات تخريبية ضد أهداف تتبع السلطة المصرية .. وجماعة أخري تعرف " بشبكة القاعدة في شبه جزيرة سيناء " نشرت بيانا تطالب فيه بأن تتحول شبه الجزيرة الي " امارة اسلامية " ، ثم التقارير سواء ما ينسب لمراكز دراسات و أبحاث أو لمصادر اعلامية انما تدل علي أن السلفيين من القابعين في سيناء أعلنوا عن اتجاههم الي انشاء محاكم تحت ادارتهم تطبق الشريعة الاسلامية وعزمهم نشر ميليشيات مسلحة تعمل علي فرض ارادتهم في الموقع ... فعندما حدث ذلك الفراغ الامني وامتلأت سيناء بعناصر جهاديين من مناطق شتي في مصر ومن فلسطينيين و انضموا الي قبائل البدو ممن لا تنقصهم مشاعر البغضاء والنفور من الحكومات المصرية المتتالية، والاسباب لدي البدو مشفوعة بأحوالهم المهملة و معايشهم المتدهورة رغم الوعود علي مر العقود .. لذلك مع الزمن تقطعت مشاعرهم و هان الانتماء .. شهدوا العمران والانفاق الباذخ ومظاهر الحياة المرفهة في بقع محدودة وقفت دونهم والفارق الاقتصادي مهول ونقص الموارد لا يحتاج لبيان وشباب ضائع لا مهنة ولا وظيفة فماذا يفعلون للعيش وامامهم طريقان لا ثالث لهما فاما الاشتغال بألوان التهريب، أو الانضمام الي المتطرفين الذين حطوا علي المكان ... وقد كان! أما عن تدفق السلاح فحدث .. سواء ما يأتي من ليبيا أو من السودان ، وقد نشر عن ذلك عالميا في حينه .. نيويورك تايمز نشرت في ( أكتوبر الماضي) نقلا عن مصادر رسمية مصرية نبأ القاء القبض علي خمس مجموعات ارهابية تنقل أسلحة من ليبيا الي سيناء بينها قاذفات صواريخ مضادة للطائرات! وكالة اسوشيتد برس ذكرت في تقرير لها ( شهر مارس العام الماضي ) ان مسؤولين مصريين صرحوا بان كل شحنة سلاح تضبط يقابلها لا أقل من عدة شحنات تجد طريقها الي داخل الحدود! أما في مارس هذا العام فقد أعلنت السلطات المصرية أنها صادرت 576 قطعة سلاح في شحنات قادمة عبر الحدود من ليبيا و تشمل الوانا شتي من بنادق القناصة ... تحولت سيناء الي ما يشبه بؤرة من التطرف وحالة فراغ أمني وملأها الجهاديون.. تشتيت الانتباه الي الوضع الداخلي منذ ثورة يناير والتركيز علي التشكيلات السياسية باحداثها و تقلباتها هذا ما أتاح لمتطرفين من تجمعات شتي أن تحط علي سيناء سواء من داخل أنحاء مصر أو من خارجها.. وسعوا نشاطهم بنحو بلغ من الجرأة و الاجرام حد التعدي علي السيادة المصرية بصور شتي ونالت من ابناء هذا الوطن و حدثت تباعا و احتملت ، أو اهملت و لم يتلقوا عنها العقاب و فورا ( بالمناسبة تأجيل العقاب الفوري بما يناسب الجرم المقترف هذه من آفاتنا الكبري ) فما كان لهذا التحمل أن يطول بالنحو الذي حدث حتي بلغ تلك الخسة و النذالة المذهلة تمثلت في ذلك التعدي الصارخ علي الجنود المصريين وقت افطار الصائم ... ياايها ال ... ماذا نقول فيهم و عنهم ؟! القوة وحدها لن تقضي و لن تحل هذه الازمة المعقدة التي قد تجر علينا لو اهملناها مالا نريد مجرد التفكير فيه .. لهذا نريد أن نري استخدام القوة المفرطة - و لابد ان تكون مفرطة - علي أن يبدأ في أعقابها الحوار المشهود مع قبائل بدو سيناء ، ويكون بهدف واضح هو تلبية مطالبهم المشروعة والحقوق ثم ... البدء بعدها مباشرة في مشروع استثماري قومي لتعمير سيناء علي مرحلتين او ثلاث و يكون ضمن اولويات المشروعات القومية . أما الآن فيوجب علينا أن نقف في ظهر قواتنا المسلحة و هي تطهر سيناء تطهير الجرح الذي يسبق العلاج .. فالقوة المسلحة وحدها لن تعالج الموقف و انما .. استخدام القوة و القوة المفرطة و بلاتردد أو احجام هي ضرورة لوضع الامور في نصابها ثم .. المضي في تحقيق بدء نقلة اقتصادية في هيئة مشروع تعمير شامل ينقل شريحة متكاملة من الشباب للاستقرار في سيناء.. ما لا يقل عن مليون شاب لابد ونعمل علي توطينهم خلال خمس سنوات ضمن خطة متكاملة يضعها المهندسون و خبراء الاجتماع .. و ليكن مشروعا قوميا خالصا ان لم نجد المستثمرين.. و يمكن ان نلجأ الي اضافة جنيه واحد علي كل جهاز تليفزيون وكل تذكرة سينما و مسرح ، وعلي كل فاتورة مبيعات تزيد علي خمسين جنيها ... أتراني أحلم ؟ لا بأس فقد هونت علي نفسي ونفست عن بعض ما يضيق به صدري!