ونحن تمر بنا ذكري العاشر من رمضان.. نتذكر كيف بذلنا الدماء والأرواح في سبيل استعادة سيناء وتحريرها من الصهاينة.. الآن وبعد مرور 38 عاما من الانتصار العظيم نحتاج إلي استعادتها مرة أخري إلي حضن الوطن.. وتطهيرها ممن يحاول احتلالها. سيناء التي تغنينا بها.. نسيناها حتي أصبح ما يدور فيها الآن غامضا.. لا ندري حقيقته.. رائحة المؤامرة تفوح هناك ورياح الخطر تهب من الشرق.. ميليشيات تقول إنها سلفية تعلن أنها ستصدر الأحكام وستنفذها وأنها لا تعترف بالأحكام القضائية ولا المجالس العرفية المتعارف عليها بين القبائل هناك.. وتقول إنها أقنعت مشايخ القبائل بأن المجالس العرفية غير شرعية وأنها ستقوم بدور الشرطة. وكأنها بهذا الكلام تعلن أنها دولة مستقلة.. جماعات تقول إنها ستشكل الإمارة الإسلامية هناك ومحافظ ينفي كل ما سبق.. ولكن الأفعال هناك تنفي نفي المحافظ.. هجوم مسلح أكثر من مرة علي خط الغاز.. وجماعات ملثمة تهاجم قسم الشرطة.. بل تنجح في خطف جثة أحد أعضائها من الذين تم اغتيالهم خلال الهجوم من المستشفي.. كل هذا يجعلنا نتساءل: هل ضاعت سيناء؟ هل نحتاج إلي عبور جديد إليها؟.. هل شغلتنا محاكمة مبارك ورجاله ورؤيتهم داخل القفص عن النظر إلي هذه المنطقة الاستراتيجية؟.. هل أهملنا سيناء وتركناها لتنظيمات متطرفة ومخابرات أجنبية تعبث فيها؟! إننا أمام تطور خطير لم يحدث منذ استعادتنا لأرض الفيروز، فلم يشعر أحد من قبل أن سيناء بعيدة عنا كل هذا البعد، وحتي هذا الشعور لم يأتنا عندما كانت تحت الاحتلال الإسرائيلي.. وقتها كنا ندرك أنه سيأتي اليوم الذي نستعيدها فيه. كان أهل سيناء يعلمون أنهم جزء لا يتجزأ من الوطن الأم، وبطولاتهم قبل حرب 73، وأثنائها شاهدة علي ذلك. فما الذي حدث الآن؟.. ولماذا أصبحت سيناء أرضا مستباحة؟ الواقع أن هذا نتاج لسياسة 30 عاما مضت أهملنا فيها سيناء تماما.. لم نعط أهلها حق تملك الأراضي وأعطيناها لرجال أعمال كان همهم الأول إنشاء مشروعات تحقق لهم أرباحا طائلة دون أن تعود علي أهل سيناء بأي شيء.. لم يقم نظام مبارك بتوطين المصريين من أهل الوادي هناك.. رغم أن وسط سيناء منطقة تصلح لإقامة المشروعات الزراعية.. وكان ذلك سيؤدي إلي مزيد من التناغم بين المصريين من أهل الوادي صعايدة وفلاحين والمصريين من أهل سيناء الذين نطلق عليهم البدو. والملاحظ أن معظم المشروعات التي أقامها رجال الأعمال كانت في جنوبسيناء.. في حين أن الوسط والشمال حيث العريش كان نصيبها ضعيفا للغاية. وربما سهل هذا اختراقها من قبل هذه التنظيمات المتطرفة. ومن الملاحظ أيضا أن الدولة في عهد مبارك لم تقم بأي مشروعات استثمارية حتي يجد أبناء سيناء فرصا للعمل بها.. وحتي الأعمال الحكومية لم يكن لهم نصيب فيها. ولعل أخطر الجرائم التي ارتكبها مبارك ووزير داخليته حبيب العادلي هو إطلاق يد مجموعة من ضباط الشرطة للعبث في العلاقة بين قبائل سيناء والدولة.. مشايخ البدو يظل لهم قانونهم الخاص في التعامل معهم يرفضون أن تستباح بيوتهم أو أن يتم القبض علي نسائهم وحجزهن رهائن كنوع من الضغط علي المطلوب القبض عليه، لتسليم نفسه أو إجبار القبائل علي تسليم أولادهم من مرتكبي الجرائم إلي الشرطة. هذا التعامل الذي كان يقوم به الضباط في الوادي، وهو أمر مرفوض كان يثير غضب قبائل سيناء ورغم شكواهم المتكررة إلا أن أحدا لم يتصد لهذه التجاوزات التي ظلت تتراكم حتي خلفت حاجزا نفسيا لدي أهل سيناء من التعامل مع الشرطة، قبل ذلك كانت هناك جهات أمنية أخري تجيد التعامل مع القبائل يعرفون كبراءها ويطلبون معاونتهم في حفظ الأمن والقبض علي المجرمين، وكانوا يجدون استجابة سريعة وكبيرة. ولكن إصرار العادلي علي الدفع بضباط شرطة دون تدريبهم وتوعيتهم بأساليب التعامل مع البدو أدي إلي إفساد العلاقة الجيدة التي بنيت علي الثقة والتعاون، ولعل هذا ساهم في دخول تنظيمات متطرفة إلي سيناء ومساعدة بعض أبناء القبائل لهم. إذن ما الحل؟ أولاً: لابد من إعادة بناء جسور الثقة مع رؤساء القبائل مرة أخري وأن يتأكدوا أن تجاوزات ضباط العادلي لن تعود مرة أخري. ثانيًا: ضرورة ربط أهل سيناء بالمشروعات المقامة هناك حتي يحسوا بضرورة الدفاع عنها ضد أي عدوان خارجي، وهذا لن يحدث إلا إذا شاركوا في هذه المشروعات، ووقتها فإنهم لن يسمحوا لأي تنظيمات بتدمير هذه المشروعات. ثالثًا: الاهتمام بوسط وشمال سيناء خاصة في المشروعات الزراعية التي يمكن أن تكون عامل جذب لأهل سيناء للإقامة في هذه المناطق بصفة دائمة دون الحاجة إلي الانتقال من مكان إلي آخر. رابعًا: توطين ما لا يقل عن مليون مصري من أهل الوادي في أرض الفيروز، وإذا كان هناك اتجاه لإغراء مليون فلاح مصري بالذهاب إلي السودان وزراعة أرضها فإنه من باب أولي تعمير سيناء وزراعة أرضها خاصة في وسطها، وهذا يساعد علي زيادة الثقة بين المصريين في سيناءوالوادي. خامسًا: اشتراط تعيين عدد من أبناء سيناء في كل المشروعات التي يقوم بها رجال الأعمال هناك حتي يحسوا بأن لهم مصلحة في الحفاظ علي هذه المشروعات. سادسًا: علي المثقفين والنخبة المصرية الذهاب كثيرا إلي سيناء والالتقاء مع مشايخ القبائل وشبابها ومناقشتهم حول أهمية الدولة المدنية التي لا تتعارض مع قيمهم وعاداتهم وتقاليدهم. سابعًا: الاهتمام بأمن سيناء فهي البوابة الشرقية لنا ومنها جاءت كل الحروب وعلي حدودها أكبر عدو لنا. إنني أدرك جيدا أن المجلس العسكري يعرف أهمية سيناء خاصة أن علي رأسه رجلا حارب من أجل تحريرها وكان قائدا في واحدة من أعظم المعارك.. ومتأكد أن الظروف التي نمر بها مهما بلغت من صعوبة، فإنها لن تصرفهم عن الاهتمام بسيناء وفي نفس الوقت أطالب شباب الثورة بوضع سيناء علي قائمة اهتماماتهم وألا تكون بعيدة عن أعينهم. سيناء تنادينا جميعا وتطالبنا بتحريرها ممن يحاولون الاستيلاء عليها.. وعلينا الاستجابة لها. واقرأ أيضا