هجوم حاد من "النواب" على وزير العدل ورئيس المجلس يتدخل: لا توجهوا أي لوم للحكومة    البورصة المصرية تربح 6.6 مليار جنيه في ختام تعاملات الخميس    تعرف علي موعد إضافة المواليد علي بطاقة التموين في المنيا    اعتماد المخططات التفصيلية لقريتين في محافظة كفر الشيخ    الكرملين: مصادرة الأصول الروسية لن تمر دون رد    إعلام فلسطيني: غارات إسرائيلية مكثفة على مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة    الكرملين: الاتصالات بين الإدارتين الروسية والأمريكية تتم عبر "قنوات عمل"    محمود الخطيب يُعلن قائمته في انتخابات النادي الأهلي    فرصة للزمالك.. فيفا يدرس زيادة الأندية في كأس العالم    مصرع 3 أشخاص وإصابة 7 آخرين إثر انقلاب سيارة نقل بطريق أسيوط الصحراوي    «جسور على الباب» و«عهد السفليين» ضمن عروض مهرجان مسرح الهواة الليلة    وزير الخارجية يتوجه إلى باريس    مواقيت الصلاة اليوم الخميس 2أكتوبر 2025.. موعد أذان العصر وجميع الفروض    لهجومه على مصر بمجلس الأمن، خبير مياه يلقن وزير خارجية إثيوبيا درسًا قاسيًا ويكشف كذبه    750 ألف وظيفة مهددة... أمريكا تواجه أسوأ إغلاق حكومي منذ عقود    قطر تستنكر فشل مجلس الأمن فى اعتماد قرار بشأن المعاناة الإنسانية فى غزة    الصحافة الإنجليزية تكشف موقف عمر مرموش من معسكر منتخب مصر    بقيمة 500 مليار دولار.. ثروة إيلون ماسك تضاعفت مرتين ونصف خلال خمس سنوات    النقل: خط "الرورو" له دور بارز فى تصدير الحاصلات الزراعية لإيطاليا وأوروبا والعكس    برناردو سيلفا: من المحبط أن نخرج من ملعب موناكو بنقطة واحدة فقط    المصري يختتم استعداداته لمواجهة البنك الأهلي والكوكي يقود من المدرجات    وست هام يثير جدلا عنصريا بعد تغريدة عن سانتو!    شقيق عمرو زكى يكشف تفاصيل حالته الصحية وحقيقة تعرضه لأزمة قلبية    وزير الإسكان يتابع موقف تنفيذ وحدات "ديارنا" بمدينة أكتوبر الجديدة    تصالح طرفى واقعة تشاجر سيدتين بسبب الدجل بالشرقية    شيخ الأزهر يستقبل «محاربة السرطان والإعاقة» الطالبة آية مهني الأولى على الإعدادية مكفوفين بسوهاج ويكرمها    السيولة المحلية بالقطاع المصرفي ترتفع إلى 13.4 تريليون جنيه بنهاية أغسطس    تزامنًا مع قرب فتح باب الترشح لانتخابات النواب.. 14 عضوًا ب«الشيوخ» يتقدمون باستقالاتهم    «غرقان في أحلامه» احذر هذه الصفات قبل الزواج من برج الحوت    بين شوارع المدن المغربية وهاشتاجات التواصل.. جيل زد يرفع صوته: الصحة والتعليم قبل المونديال    حب وكوميديا وحنين للماضي.. لماذا يُعتبر فيلم فيها إيه يعني مناسب لأفراد الأسرة؟    أسرة عبد الناصر ل"اليوم السابع": سنواصل نشر خطابات الزعيم لإظهار الحقائق    "الإصلاح والنهضة": صراع النواب أكثر شراسة.. ونسعى لزيادة المشاركة إلى 90%    بدء صرف جميع أدوية مرضى السكري لشهرين كاملين بمستشفيات الرعاية الصحية بالأقصر    الكشف على 103 حالة من كبار السن وصرف العلاج بالمجان ضمن مبادرة "لمسة وفاء"    ياسين منصور وعبدالحفيظ ونجل العامري وجوه جديدة.. الخطيب يكشف عن قائمته في انتخابات الأهلي    حمادة عبد البارى يعود لمنصب رئاسة الجهاز الإدارى لفريق يد الزمالك    استقالة 14 عضوا من مجلس الشيوخ لعزمهم الترشح في البرلمان    الصحة بغزة: الوصول إلى مجمع الشفاء الطبي أصبح خطيرا جدًا    رئيس مجلس النواب: ذكرى أكتوبر ملحمة خالدة وروحها تتجدد في معركة البناء والتنمية    جاء من الهند إلى المدينة.. معلومات لا تعرفها عن شيخ القراء بالمسجد النبوى    "نرعاك فى مصر" تفوز بالجائزة البلاتينية للرعاية المتمركزة حول المريض    " تعليم الإسكندرية" تحقق فى مشاجرة بين أولياء أمور بمدرسة شوكت للغات    تموين القليوبية يضبط 10 أطنان سكر ومواد غذائية غير مطابقة ويحرر 12 محضرًا مخالفات    رئيس جامعة الأزهر يلتقي الوافدين الجدد    حقيقة انتشار فيروس HFMD في المدراس.. وزارة الصحة تكشف التفاصيل    إنقاذ حياة طفلين رضيعين ابتلعا لب وسودانى بمستشفى الأطفال التخصصى ببنها    تحذيرات مهمة من هيئة الدواء: 10 أدوية ومستلزمات مغشوشة (تعرف عليها)    وزير الخارجية يلتقي وزير الخارجية والتعاون الدولي السوداني    الداخلية تكتب فصلًا جديدًا فى معركة حماية الوطن سقوط إمبراطوريات السموم بالقاهرة والجيزة والبحيرة والإسكندرية    جامعة بنها تطلق قافلة طبية لرعاية كبار السن بشبرا الخيمة    الجريدة الرسمية تنشر قرارًا جديدًا للرئيس السيسي (التفاصيل)    هل الممارسة الممنوعة شرعا مع الزوجة تبطل عقد الزواج.. دار الإفتاء تجيب    انهيار سلم منزل وإصابة سيدتين فى أخميم سوهاج    «الداخلية»: القبض على مدرس بتهمة التعدي بالضرب على أحد الطلبة خلال العام الماضي    دعاء صلاة الفجر ركن روحي هام في حياة المسلم    حماية العقل بين التكريم الإلهي والتقوى الحقيقية    «التضامن الاجتماعي» بالوادي الجديد: توزيع مستلزمات مدرسية على طلاب قرى الأربعين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



‏خارج دائرة الضوء
‏ 25أبريل فترة عمرها‏18‏ سنة فيها‏500‏ يوم استنزاف
نشر في الأهرام اليومي يوم 30 - 04 - 2010

‏**‏ شهر أبريل فيه ما فيه من الأحداث إلا أن يوم‏25‏ منه سيبقي الحدث الأعظم في أبريل لأنه ليس مثل أي يوم ولن يكون في يوم شبه أي يوم وتلك حكاية ولا كل الحكايات لكنها بكل أسف تراجعت ومعالمها فيما يبدو اتنست رغم أن هذا اليوم يحمل ذكري مستحيل أن تنسي‏...‏ أتكلم عن‏25‏ أبريل‏1982‏ وفيه استعادت مصر سيناء بالكامل وتم رفع علم مصر علي الحدود الشرقية بعد انسحاب آخر جندي صهيوني منها‏..‏ تطهرت الأرض الغالية المقدسة التي عاشت مدنسة من يوم‏5‏ يونيو‏1967‏ وحتي‏25‏ أبريل‏1982‏ وما بين يونيو الستينات وأبريل الثمانينات وقعت في مصر أحداث وقف لها العالم علي أطراف أصابعه مبهورا من عظمة وأصالة وعبقرية شعب تحالفت كل الظروف ضده وتآمرت كل القوي عليه وانتصر لأن من كان الله معه فمن عليه؟‏!.‏
ما بين احتلال الأرض في يونيو‏1967‏ وتحرير الأرض في أبريل‏1982‏ مرت‏15‏ سنة أظنها السنوات الأهم في تاريخ مصر علي الإطلاق‏..‏ فيها احتلت أرضنا وفيها مؤامرات ومخططات ونظريات لأجل أن يعترف العالم بالحدود الجديدة التي فيها منتصف عرض القناة هو الحدود وفيها الكل يؤمن بأن البقاء للأقوي وفيها تجلت عظمة وكبرياء وشموخ المصريين وقسم وعهد بين أنفسهم والله أن يستردوا الأرض وإن ارتوت سيناء بدماء كل المصريين لتظهر أعظم ملاحم فداء عرفها التاريخ وإن كنا في مصر لا نعرفها لأن أسرارها وحكاياتها أغلبها لم يعلن‏...‏
ملاحم فداء بدأت بعد الهزيمة بأيام واستمرت وكبرت إلي أن تحولت إلي حرب استنزاف عمرها‏500‏ يوم وعمر الصهاينة ما رأوا جهنم بالنهار لكنهم شاهدوها وعاشوها‏500‏ يوم استنزاف وبعدها فوجئوا بالزلزال والإعصار يوم‏6‏ أكتوبر‏1973..‏ يوم وجدوا الموت يعبر القناة ويقتحم بارليف ويسقط نقاطه القوية ويحصد الأرواح‏..‏ يوم عرف العالم أن نظرية الجيش الذي لا يقهر وهم وتأكد العالم أن العرب أمة يستحيل أن تموت‏...‏ واستمرت الملاحم إلي أن أيقنت أمريكا أن الصهاينة في خطر بحق وبجد بعد أن ورطوا أنفسهم في عملية الثغرة التي انتهت إلي حصار محكم رهيب علي العدو وهو ما دفع كيسنجر إلي الإقامة الدائمة في المنطقة متنقلا ما بين هنا في مصر وهناك عند البعدا إلي أن تم توقيع وقف إطلاق النار بأسوان في ديسمبر‏1973‏ لتنتهي معركة سياسة أدرناها بالمدافع لتبدأ معركة سياسية تقودها الدبلوماسية‏,‏ والدبلوماسية لا تكون قوية فاعلة مؤثرة ما لم تنطلق من قوة والقوة ليست كلاما وخطبا وشعارات إنما أفعال تحركها قلوب لا تخاف في صدور رجال لا يخافون الموت وعلي استعداد للموت في سبيل الوطن‏...‏
ونجحت المعركة الدبلوماسية لأن جيش مصر فتح لها كل الأبواب المغلقة وأخرس كل الألسنة المتطاولة‏..‏ نجحت المعركة وعادت سيناء يوم‏25‏ أبريل‏1982‏ وما بين يونيو‏1967‏ وأبريل‏1982‏ حدوتة لا يجب أن تنسي أجاهد لأجل تلخيصها في هذه النقاط‏:‏
‏1‏ سيناء مساحتها‏61‏ ألف كيلو متر مربع‏.‏ اتفاقية السلام التي خلقتها حرب أكتوبر وفرضتها حرب أكتوبر ووضعتها حرب أكتوبر علي مائدة المفاوضات‏..‏ هذه الاتفاقية أقرت بأن الانسحاب من سيناء علي مرحلتين والرئيس السادات رفع العلم علي العريش بعد الانسحاب منها في‏25‏ مايو‏1979..‏ وتم آخر انسحاب إسرائيلي واستعادة سيناء بالكامل ورفع العلم علي الحدود الشرقية لمصر في‏25‏ أبريل‏1982‏ وفي هذا اليوم كان الرئيس مبارك صريحا مع نفسه ومع شعبه وفي مفاجأة غير متوقعة للصهاينة أعلن أن سيادة مصر علي سيناء لم تكتمل ولن تكتمل إلا بعد خروج الصهاينة من طابا التي عليها مشكلة والرئيس صارح الشعب والعالم بها معلنا أن مصر ستصل إلي آخر مدي لأجل استعادة كل حبة رمل مصرية ودخلت مصر معركة سياسية دبلوماسية جغرافية تاريخية قانونية إلي أن عادت لمصر مساحة الأرض المتنازع عليها في طابا‏(1020‏ مترا مربعا‏)‏ بعد سبع سنوات في‏19‏ مارس‏1989.‏
‏2‏ القضية لم تكن‏61‏ ألف كيلو متر مربع ولا ألف متر ولا مترا واحدا‏..‏ القضية أن مصر علي مدي تاريخها لم تفرط في سنتيمتر واحد من أرضها وهذا مبدأ معمول به ومطبق منذ توحيد مصر ومسجل في لوحة مرمر وعليها وصية الملك مينا سنة‏3200‏ قبل الميلاد وفيها يوصي أولاده بعد توحيد القطرين بألا يفرطوا أو ينقصوا ذرة رمل واحدة من مصر وهذا لم يحدث وبمشيئة الله لن يحدث‏.‏
‏3‏ بعد‏5‏ يونيو‏1967‏ الذي ضاع من مصر ليس حبة رمل إنما‏61‏ ألف كيلو متر مربع والصهاينة يرون هذه الأرض توراتية وأنها عادت لهم بمشيئة الرب وأنها الأنسب أمنيا لهم وبدأوا يغيرون من طبيعة سيناء الجغرافية لربطها بهم وعزلها عن مصر والعالم يتفرج ويقف مع الأقوي ولماذا ينحاز للأضعف وهزيمة‏1967‏ كسرت وسطنا عسكريا واقتصاديا ومعنويا وأيضا رفعت معنويات العدو إلي السماء ولم لا وهم الجيش الذي لا يقهر والذي كسب معركة في ساعات واحتل سيناء بالكامل‏..‏ ومن بإمكانه أن يجبرهم علي الانسحاب من سيناء لأن الإجبار إما أن يكون بالقوة العسكرية وأين هي عند جيش مهزوم أو بالمفاوضات ومن يجلس مع مهزوم لا حول له ولا قوة أو حتي يسمع كلمة منه‏...‏
هذا هو الواقع الذي فرضته هزيمة يونيو‏1967‏ وهو نفسه ما جعل الصهاينة يعلنون علي العالم أجمع نقل خط الهدنة بيننا وبينهم من حدود‏1948‏ إلي منتصف قناة السويس أي أن القناة نصفها من جهة الشرق لهم ونصفها الغربي لنا أي أن الممر المائي الممتد من السويس حتي بورسعيد بطول‏170‏ كيلو مترا وعرضه في المتوسط‏200‏ متر‏..‏ هم يمتلكون‏100‏ متر ونحن‏100‏ متر‏..‏ هل هناك صلف وغرور ووقاحة أكثر من هذا؟‏.‏ هل هناك ضغط وتيئيس وإذلال يفوق ذلك؟‏.‏
‏4‏ الصهاينة لم يكتفوا بالكلام عن أن سيناء أرضهم وفقا لتعليمات التوراة ولم يكتفوا بالعمل علي تغيير جغرافيتها ولا بالحديث عن أن القناة هي خط الحدود إنما أخذوا بالفعل في تحويل التصريحات إلي واقع يفرض نفسه علي الأرض ومن هذا المنطلق قلبوا سيناء إلي خط بارليف كبير داخله ثلاثة خطوط دفاعية عسكرية‏...‏
الأول‏:‏ شرق القناة علي مسافة من‏15‏ إلي‏20‏ كيلو مترا ويتكون من‏22‏ موقعا تضم‏31‏ نقطة قوية مساحة كل نقطة‏200*200‏ متر أي‏40‏ ألف متر مربع وكل نقطة فيها كل ما يخطر علي البال من سلاح بداية من الدبابات ومرورا بالمدافع ونهاية بالرشاشات والذخيرة والإعاشة تكفي هذه النقطة للعمل بكفاءة لمدة شهر بالكامل فيما لو حوصرت‏!.‏ الصهاينة كلفوا هذا الخط قرابة المليار دولار أنفقوها علي تشييده في البداية وبعد حرب الاستنزاف علي إصلاح ما دمرته حرب الاستنزاف‏!.‏ الصهاينة في تصميمهم للخط الأول جهزوه بما يجعل اجتياز المصريين له من رابع المستحيلات‏,‏ إن المصريون أصلا عبروا القناة‏!.‏
الخط الثاني أو الأوسط وهو بطول المضايق وبعمقها من الغرب إلي الشرق‏.‏
الخط الثالث من العريش وحتي داخل الأرض المحتلة في فلسطين نفسها ويشمل الاحتياطيات ومراكز الطوارئ والجنود فور إعلان التعبئة يحضرون في أتوبيسات ويتسلمون أسلحتهم وذخائرهم ويركبون الدبابات أو المجنزرات‏...‏
‏5‏ هذه كانت الصورة الكاملة للموقف في سيناء مع الوضع في الاعتبار أن التنسيق تام وكامل بين الكيان الصهيوني وأمريكا التي سخرت مخابراتها بكل ما تملك من معلومات في خدمة الصهاينة‏..‏ باختصار الواقع علي الأرض في مصلحتهم مائة في المائة والمناخ العالمي معهم مائة في المائة والظروف التي نحن فيها وعليها معهم مائة في المائة‏..‏ فماذا حدث؟‏.‏
‏6‏ الإصرار تام من القيادة السياسية والقوات المسلحة علي حتمية استرداد الأرض وهذا ما أعلنه الرئيس عبدالناصر‏..‏ ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة‏.‏ صحيح ظهرت مبادرات سلمية لحل المشكلة والأصح أنها فشلت لأن المنتصر لا يسمع المهزوم والضعيف ليس من حقه أن يتشرط ويشترط أو حتي يتكلم‏!.‏ نحن لن نفرط في شبر أرض ولهذا فشلت المبادرات والعالم يتفرج ومن في العالم يعنيه أمر العرب‏..‏ ولم يصبح أمامنا إلا طريق واحد من أول يوم عرفنا أنه الأوحد وبدأنا السير عليه رغم أننا نسير بأقدام عارية علي أشواك تدمي من يقترب منها فما بالنا بمن يسير عليها‏..‏ وسرنا لأنه لا يوجد إلا هذا الطريق إن أردنا الشرف والكرامة والعزة‏..‏ إن أردنا استرداد عرضنا الذي هو أرضنا‏!.‏
بدأت عملية إعادة بناء القوات المسلحة بالكامل بما يتناسب والأوضاع الجديدة وانسحبنا من اليمن لاستحالة الحرب علي جبهتين وسعينا بكل الطرق لامتلاك أسلحة ومعدات تقترب‏..‏ مجرد الاقتراب‏..‏ مما يملكونه علما بأنها مسألة مستحيلة لأن الكبار في العالم لا يعنيهم أمر الدول الصغيرة ومصالح الكبار تسبق المبادئ والشعارات ولذلك كانت معركة التسليح بالغة الصعوبة لأننا لا نملك ما نضغط به واستحالة أن نساوم علي شرفنا‏!.‏ الكل باع واشتري فينا ومع هذا نجحت القيادة السياسية في إتمام صفقات وعانت كثيرا ولم توفق في صفقات‏...‏
هذه الفترة التي بدأت ببداية سنة‏1968..‏ تحملت فيها القوات المسلحة المصرية ما لا تتحمله أي جيوش في العالم‏..‏ تدريبات بالغة القسوة بلا راحة ولا رحمة ومن يرتاح له بال والصهاينة يتمخطرون علي شاطئ القناة‏!.‏ ضغوط هائلة تحملها الرجال لأجل يوم هو قادم لا محالة‏!.‏
وأيضا كانت وقفة الشعب المصري العظيم الذي عاش سنوات صعبة جدا جدا‏..‏ قبلها برضاء نفس لأجل أن يوفر المال لشراء السلاح وقرابة ال‏90‏ في المائة من التكلفة تحملها الشعب المصري العظيم من دخله ومن قوته ومن كل الأولويات‏...‏
الذي حدث في هذه الفترة تلاحم هائل بين شعب مصر وجيش مصر‏...‏
‏7‏ القيادة العسكرية جهزت المسرح العسكري جزءين‏...‏
المسرح الأول غرب القناة‏..‏ قاعدة دفاعية قوية جدا جاهزة للتحول إلي قاعدة هجوم كاسح شامل‏.‏
المسرح الثاني شرق القناة‏..‏ والقوات المسلحة لم تترك متر أرض في سيناء إلا وطرقته بدوريات خلف ووسط خطوط العدو‏!.‏ كل صغيرة وكبيرة عرفناها والمعرفة جعلتنا نتعرف علي احتمالات رد فعل العدو علي كل فعل لنا‏...‏
ما بين المسرحين الغربي والشرقي تقف القناة أصعب مانع مائي عرفه التاريخ والتاريخ يقول إنه لم يحدث أن عبر جيش مانع مثله‏..‏ ومطلوب أن نعبره بأمان لأن العبور وسيلة لهدف هو قتال من يحتلون الأرض شرق هذا المانع‏..‏ وتلك هي الحدوتة‏!.‏
الخبراء في العالم‏..‏ خبراء الاستراتيجية وخبراء العسكرية ومن بينهم الخبراء الروس الموجودون في مصر وقتها‏..‏ الجميع أجمعوا علي أن خسائر الجيش المصري في العبور لن تقل عن‏30‏ في المائة من القوات‏!.‏ الخبراء الروس اقترحوا حلين لا ثالث لهما‏:‏ الأول أن نضرب العدو في سيناء بقنبلة ذرية والحل الثاني أن يدخل الجيش المصري سيناء بعمليات إبرار أي بواسطة طائرات هليكوبتر‏!.‏
القادة المصريون صمموا علي العبور كما عبر رمسيس الثاني نهر الفرات في معركة قادش وبدأ التدريب علي هذا الأساس لأننا لا نملك أصلا قنبلة ذرية وإن كنا نملكها مستحيل استخدامها لأنها ستطولنا‏,‏ أما الطائرات فمن أين نأتي بها لكي ننقل‏80‏ ألف مقاتل ودباباتهم وأسلحتهم ومياههم وذخيرتهم‏...‏
‏8‏ حرب الاستنزاف استمرت‏500‏ يوم من‏8‏ مارس‏1969‏ وحتي‏7‏ أغسطس‏1970.‏ مصر أعلنت هذه الحرب لأجل أن تعرف إسرائيل أننا أحياء وقادرون علي أن نطولهم داخل إسرائيل نفسها مثلما حدث في إيلات وأن الأرض التي احتلوها لن توفر لهم لا أمن ولا أمان ولأجل أن يعرف العالم أن في الشرق الأوسط بقعة ملتهبة وليس صحيحا أن الأمور استتبت ولأجل حرمان العدو من ترسيخ مبدأ أن القناة هي خط الحدود‏..‏ وأيضا لأجل تطعيم جيش مصر ضد فكرة أن جيش الصهاينة لا يقهر‏..‏ وكل عملية تزيل مساحة رهبة إلي أن اكتشف جنودنا أن جيشهم ولا حاجة‏..‏ الكمائن أوضحت هذا والإغارات أكدت ذلك والمجموعة‏39‏ أثبتت كل هذا وذاك‏!.‏ حرب الاستنزاف شهدت‏7‏ آلاف اشتباك مدفعية و‏84‏ إغارة ناجحة تماما وفي المتوسط خمسة كمائن يوميا بخلاف من‏15‏ إلي‏30‏ دورية خلف ووسط خطوط العدو يوميا‏.‏
‏9‏ دفاع مصر الجوي بات حقيقة وهو لم يكن موجودا في‏1967...‏
دفاع مصر الجوي دخل إلي الجبهة في ملحمة سيذكرها دوما التاريخ العسكري بعد أن أصبح لمصر دفاع قادر علي حماية سمائها وكتائب الصواريخ المصرية نصبت سيركا لطائرات الفانتوم وفي أسبوع واحد أسقطت ست طائرات فانتوم ومثلها سكاي وتم أسر جوزين طيارين صهاينة في ذلك الأسبوع الأسود علي الطيران الصهيوني وكان ذلك في يونيو‏1970‏ وأظنه تاريخا فاصلا يؤرخ به بين ما قبل‏..‏ زمن العربدة الصهيونية وما بعد‏..‏ عصر السماء المصرية الآمنة‏!.‏
‏10‏ حرب أكتوبر‏..‏ منظومة عمل بالغة الإتقان بين مختلف الوحدات العسكرية‏.‏ التنسيق مذهل بين القوات الجوية والدفاع الجوي لذلك السيطرة جاءت محكمة وسماء مصر لم تعربد فيها طائرة صهيونية وكيف تقترب ونسور مصر جاهزون ودفاع جو مصر عيونه لا ترمش‏!.‏ القاعدة الدفاعية علي الجبهة بها خمس فرق تنتظر بفارغ الصبر لحظة الصفر لأجل هجوم كاسح لا قناة ولا ساتر ترابي ولا بارليف يوقفونه‏!.‏ علي الجبهة‏2000‏ مدفع جاهزة لتدمير كل أهدافها ومدفعية الجيش الثاني قائدها أسطورة مدفعية اسمه محمد عبدالحليم أبوغزالة وال‏2000‏ مدفع ضربت ثلاثة آلاف طن ذخيرة في‏53‏ دقيقة ولنا أن نتصور الجبهة لحظة دخول ال‏220‏ طائرة مصرية إلي سيناء من كل الاتجاهات في ضربة جوية استمرت‏45‏ دقيقة ونتصور الجبهة و‏2000‏ مدفع لم تتوقف لقرابة الساعة‏!.‏ عبقرية سلاح المهندسين في إنشاء الكباري تحت جحيم النيران وعبقرية المهندسين في تمزيع جسد الساتر الترابي بالماء وعبقرية المهندسين في توفير البراطيم التي عبر عليها‏80‏ ألف مقاتل بدباباتهم ومجنزراتهم وسياراتهم وذخائرهم وعتادهم ومدافعهم‏..‏ والمدرعات المصرية التي صنعت تاريخا جديدا لمعارك المدرعات في العالم واسألوا عساف ياجوري الذي أكلت مدرعاتنا اللواء المدرع الذي كان يقوده وانتهي أمره بالتدمير وأمر ياجوري بالأسر‏..‏ والقوات الخاصة المصرية‏..‏ صاعقة ومظلات‏..‏ حكايتهم وملاحم شجاعتهم ليس لها شبه إلا في الأساطير‏...‏
يوم‏7‏ أكتوبر‏80‏ ألف مقاتل في الشرق يحتلون مواقعهم علي بعد من‏10‏ إلي‏15‏ كيلو في سيناء ونقاط بارليف تتساقط ويوم‏9‏ كانت‏29‏ نقطة قوية قد استسلمت‏..‏ ويوم‏9‏ أكتوبر جولدا مائير اتصلت برئيس أمريكا وقالت له وهي تبكي‏:‏ أنقذوا إسرائيل‏..‏ خسرنا‏400‏ دبابة و‏48‏ طائرة‏...‏
‏...‏ وانفتح الجسر الجوي الأمريكي ونقل‏28‏ ألف طن من أحدث المعدات العسكرية بالعالم والجسر البري حمل‏60‏ ألف طن أما الطائرات فهي تأتي بطيارين متطوعين بالأجر من أمريكا‏...‏
ما بعد‏9‏ أكتوبر تأكد لنا أن أمريكا دخلت الحرب‏...‏
وللحديث بقية مادام في العمر بقية
[email protected]

المزيد من مقالات ابراهيم حجازى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.