سبت النور.. طقوس الاحتفال بآخر أيام أسبوع الآلام    "ارتفع 140جنيه".. سعر الذهب بختام تعاملات الأمس    "فيتش" تغير نظرتها المستقبلية لتصنيف مصر الائتماني إلى إيجابية    إسكان البرلمان تعلن موعد تقديم طلبات التصالح في مخالفات البناء    شهيد وعدد من الإصابات جراء قصف شقة سكنية بحي الجنينة شرق رفح الفلسطينية    مفاجآت في تشكيل الأهلي المتوقع أمام الجونة    حازم خميس يكشف مصير مباراة الأهلي والترجي بعد إيقاف تونس بسبب المنشطات    حار نهاراً معتدل ليلاً.. حالة الطقس اليوم على القاهرة والمحافظات    «صلت الفجر وقطعتها».. اعترافات مثيرة لقاتلة عجوز الفيوم من أجل سرقتها    برش خرطوش..إصابة 4 من أبناء العمومة بمشاجرة بسوهاج    آمال ماهر تغني بحضور 5000 مشاهد بأول حفلاتها بالسعودية    «من الأقل إلى الأكثر حظا».. توقعات الأبراج اليوم السبت 4 مايو 2024    فوبيا وأزمة نفسية.. هيثم نبيل يكشف سبب ابتعاده عن الغناء السنوات الماضية    وفاة الإذاعي أحمد أبو السعود رئيس شبكة الإذاعات الإقليمية الأسبق.. تعرف على موعد تشييع جثمانه    محمد سلماوي يوقع كتابه «الأعمال السردية الكاملة» في جناح مصر بمعرض أبو ظبي    المتحدة تنعى الإذاعي الكبير أحمد أبو السعود    هبة عبدالحفيظ تكتب: واقعة الدكتور حسام موافي.. هل "الجنيه غلب الكارنيه"؟    التموين تشن حملات لضبط الأسعار في القليوبية    لندن تتوقع بدء عمليات ترحيل اللاجئين إلى رواندا في يوليو المقبل    حازم خميس يكشف مصير مباراة الأهلي والترجي بعد إيقاف تونس بسبب المنشطات    هييجي امتي بقى.. موعد إجازة عيد شم النسيم 2024    بركات: شخصية زد لم تظهر أمام المقاولون.. ومعجب بهذا اللاعب    عرض غريب يظهر لأول مرة.. عامل أمريكي يصاب بفيروس أنفلونزا الطيور من بقرة    سيول وفيضانات تغمر ولاية أمريكية، ومسؤولون: الوضع "مهدد للحياة" (فيديو)    برلماني: تدشين اتحاد القبائل رسالة للجميع بإصطفاف المصريين خلف القيادة السياسية    توفيق عكاشة: الجلاد وعيسى أصدقائي.. وهذا رأيي في أحمد موسى    مراقبون: صحوات (اتحاد القبائل العربية) تشكيل مسلح يخرق الدستور    عضو «تعليم النواب»: ملف التعليم المفتوح مهم ويتم مناقشته حاليا بمجلس النواب    دينا عمرو: فوز الأهلي بكأس السلة دافع قوي للتتويج بدوري السوبر    أول تعليق من الخطيب على تتويج الأهلي بكأس السلة للسيدات    سيدات سلة الأهلي| فريدة وائل: حققنا كأس مصر عن جدارة    ملف يلا كورة.. اكتمال مجموعة مصر في باريس.. غيابات القطبين.. وتأزم موقف شيكابالا    «البيطريين» تُطلق قناة جديدة لاطلاع أعضاء النقابة على كافة المستجدات    استقرار سعر السكر والأرز والسلع الأساسية بالأسواق في بداية الأسبوع السبت 4 مايو 2024    تراجع سعر الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء في بداية الأسبوع السبت 4 مايو 2024    تقرير: 26% زيادة في أسعار الطيران السياحي خلال الصيف    "والديه كلمة السر".. كشف لغز العثور على جثة شاب مدفونًا بجوار منزله بالبحيرة    مصرع طفلين إثر حادث دهس في طريق أوتوستراد حلوان    احتراق فدان قمح.. ونفوق 6 رؤوس ماشية بأسيوط    أمن القليوبية يضبط «القط» قاتل فتاة شبرا الخيمة    وكالة فيتش ترفع نظرتها المستقبلية لمصر وتثبت تصنيفها عند -B    وكالة فيتش ترفع نظرتها المستقبلية لمصر إلى إيجابية    سلوي طالبة فنون جميلة ببني سويف : أتمني تزيين شوارع وميادين بلدنا    250 مليون دولار .. انشاء أول مصنع لكمبوريسر التكييف في بني سويف    أحمد ياسر يكتب: التاريخ السري لحرب المعلومات المُضللة    كندا توقف 3 أشخاص تشتبه في ضلوعهم باغتيال ناشط انفصالي من السيخ    حسين هريدي ل«الشاهد»: الخلاف الأمريكي الإسرائيلي حول رفح متعلق بطريقة الاجتياح    شيرين عبد الوهاب : النهاردة أنا صوت الكويت    السودان وتشاد.. كيف عكرت الحرب صفو العلاقات بين الخرطوم ونجامينا؟ قراءة    دعاء الفجر مكتوب مستجاب.. 9 أدعية تزيل الهموم وتجلب الخير    دعاء الستر وراحة البال .. اقرأ هذه الأدعية والسور    تصريح دخول وأبشر .. تحذير من السعودية قبل موسم الحج 2024 | تفاصيل    طبيب يكشف سبب الشعور بالرغبة في النوم أثناء العمل.. عادة خاطئة لا تفعلها    أخبار التوك شو| مصر تستقبل وفدًا من حركة حماس لبحث موقف تطورات الهدنة بغزة.. بكري يرد على منتقدي صورة حسام موافي .. عمر كمال بفجر مفاجأة    «يباع أمام المساجد».. أحمد كريمة يهاجم العلاج ببول الإبل: حالة واحدة فقط بعهد الرسول (فيديو)    فريق طبي يستخرج مصباحا كهربائيا من رئة طفل    حسام موافي يوجه نصائح للطلاب قبل امتحانات الثانوية العامة (فيديو)    المفتي: تهنئة شركاء الوطن في أعيادهم ومناسباتهم من قبيل السلام والمحبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خارج دائرة الضوء
نشر في الأهرام اليومي يوم 23 - 05 - 2010

‏‏25‏ أبريل‏1982‏ محصلة 18سنة عرف العالم منها أن الشجاعة والفداء هبة من الله وليست منحة من الكونجرس‏!‏
البعض الذين يرون الأمور كما هي‏..‏ يظنون أن الرياضة نشاط قائم بذاته وهذا الظن غير صحيح لأن الرياضة تؤثر وتتأثر بكل ما حولها من مجالات وعلاقتها وثيقة بالصحة والاقتصاد والسياسة والتعليم والتجارة والزراعة وكل شيء‏.. وكيف يكون للرياضة وجود والاقتصاد غير موجود‏..‏ من أين نبني المنشآت والملاعب ونشتري الأدوات؟‏.‏ كيف تكون هناك رياضة والصحة عدمانة؟‏.‏ من أين تأتي الرياضة وتعيش الرياضة في بلد تمزقه الصراعات السياسية والحروب الأهلية؟‏.‏ أي رياضة ننتظرها في بلد يتنفس من تحت الجهل؟‏...‏
هذه السطور اضطررت لها لأجل الذين يتعجبون من أنني أكتب في الأمور الأخري أكثر مما أكتب في الرياضة‏...‏
هم يريدونني طرفا في ساحة الخلاف الرهيب الدائم القائم في شارع الرياضة وكأن الشتائم وتبادل الاتهامات وإشعال كل الفتن القائمة هي مستلزمات الرياضة وأدوات تطوير الرياضة‏...‏
هم لا يعرفون أن الموجود عندنا أشياء تشبه الرياضة لكنها ليست الرياضة الموجودة في العالم المتقدم حولنا‏...‏
هم لا يدركون أن الذي أتكلم فيه وأدعو الشباب له هو الأساس الذي تنطلق منه نهضة الوطن في كل المجالات وأنه في غياب هذا الأساس لن تكون هناك نهضة ولا تقدم ولا حتي وجود من الأصل للرياضة أو غير الرياضة‏...‏
من هذا المنطلق كتبت الأسبوع الماضي المساحة كلها عن يوم‏25‏ أبريل سنة‏1982‏ وأكمل هذا الأسبوع الكلام‏...‏
كتبت وأكتب وإن أعطاني الله العمر فسأكتب لأن هذا اليوم تحول إلي رقم مطبوع مثل بقية الأيام علي أجندة السنة وأصبحنا نتعامل معه من هذا المنطلق إلي أن أصبح اهتمامنا به محصورا في كونه يوم إجازة نتمناه أن يأتي ملاصقا للإجازة الأسبوعية‏...‏
هكذا وصلت الأمور بذكري يوم أراه من الأيام التاريخية في حياة مصر المحروسة‏..‏ مثلما أري أن الحال تدهور به إلي أن أصبحت معرفتنا به مرتبطة بكونه يوم إجازة والأغلبية لا تعرف الإجازة علي ماذا؟‏.‏
كتبت وأكتب عن‏25‏ أبريل‏1982‏ يوم رحيل آخر جندي صهيوني عن‏61‏ ألف كيلومتر مربع هي مساحة سيناء بالكامل‏..‏ رحلوا عن سيناء فيما عدا شريط طابا‏(1020‏ مترا مربعا‏)‏ الذي اختلفنا فيه وعليه مع الصهاينة ودخلنا في معركة أخري رهيبة استمرت سبع سنوات‏..‏ معركة قانونية ودبلوماسية وتاريخية وجغرافية شارك فيها نخبة من رجال مصر في تلك التخصصات والسنوات السبع أثبتت وأكدت عبقرية المصريين في كل المجالات وفي كل الأوقات وهذا عبر عنه منطوق التحكيم الدولي الذي أعطي الحق إلي أصحابه وعادت طابا لمصر بعد أن عرف العالم أن في مصر خبراء عالميين في القانون وفي السياسة وفي التاريخ وفي الجغرافيا والذكاء والدهاء والصبر والجلد وقبل كل هذه الأمور مجتمعة الثقة بلا حدود في النفس‏...‏
كتبت وأكتب عن‏25‏ أبريل‏1982‏ لأنه ليس مجرد يوم إنما هو مساحة زمن عمرها‏18‏ سنة بدأت يوم‏5‏ يونيو‏1967‏ وهو اليوم الذي مع إشراقة شمسه كانت مطارات مصر الحربية بأغلب الطائرات الموجودة عندنا قد تدمرت في ضربة جوية للعدو أنهت حرب‏1967‏ قبل أن تبدأ‏..‏ حسمتها بهزيمة قاسية لا ذنب لجيش مصر فيها لأنها كانت حرب القرارات الخاطئة ويتحملها من أصدر القرارات وليس من نفذها‏..‏ المهم أن‏25‏ أبريل‏1982‏ كانت بدايته يوم‏5‏ يونيو‏1967‏ وأقسي هزيمة يمكن أن تلحق بجيش ومثل هذه الهزائم تأتي علي الأخضر قبل اليابس وتقضي علي الروح المعنوية والقتالية قبل أن تدمر السلاح والمعدات‏..‏ والسلاح تعويضه ممكن لكن المعنويات استعادتها صعبة جدا ومشكوك فيها لأن المعنويات مرتبطة بالروح والنفس والعقل وما ينطبع عليها صعب جدا نسيانه وتلك كانت أكبر مشكلة واجهت مصر وهي تلملم الهزيمة لأجل أن تبدأ مرحلة الإعداد ليوم هو قادم‏..‏ يوم الحرب والانتصار‏.‏
كتبت وأكتب عن‏25‏ أبريل‏1982‏ لأنه اليوم الذي سبقته‏18‏ سنة فكرا وعقيدة واستعدادا وصبرا ومثابرة وأقصي درجات ضبط النفس أمام عدو منتصر مستفز يتحدث عن أن قناة السويس أصبحت خط الهدنة الجديد وأن نصف عرضها لهم والنصف الغربي لنا وأن سيناء أرض توراتية ولا سبيل للحديث عن إعادتها للمصريين لأن التوراة تأمرهم بهذا والاستفزاز الأكبر أنهم شرعوا بالفعل في ضمها للكيان الصهيوني بعدما أخذوا في تغيير طبيعتها الجغرافية وبعد أن حولوها إلي خط دفاعي كبير‏..‏ يبدأ بخط بارليف شرق القناة ب‏15‏ إلي‏20‏ كيلومترا ومكون من‏22‏ موقعا تضم‏31‏ نقطة قوية ومساحة كل نقطة‏40‏ ألف متر مربع وفيها كل أنواع السلاح والعتاد بداية من الدبابات مرورا بالمدافع ونهاية بالرشاشات والإعاشة والذخيرة كافية لإبقاء أي نقطة قوية تحت الحصار لمدة شهر بالكامل‏!.‏ والخط الدفاعي الثاني في المضايق والثالث في العريش ويمتد إلي داخل الأرض المحتلة‏...‏
كتبت وأكتب عن‏25‏ أبريل‏1982‏ لأن الصهاينة لم يضعوا في حسبانهم للحظة واحدة أنهم سيتركون سيناء ولماذا يتركونها والمصريون مهزومون نفسيا وعسكريا والهزيمة أصعب مما يتصوره مخلوق والخروج منها‏..‏ مجرد الخروج‏..‏ يتطلب سنوات وسنوات خلالها تكون سيناء تغيرت جذريا وهويتها المصرية انتهت جذريا وإن كانت مصر تريد استعادتها تحاول وستري أن خط وقف إطلاق النار التالي سيكون شرق وغرب النيل‏!.‏ كل المؤشرات والمعطيات في مصلحتهم وكيف وهم بين يوم وليلة وجدوا تحت أيديهم أراضي عربية ما كانوا يحلمون يوما باحتلال مترين فيها واليوم معهم وتحت أيديهم‏61‏ ألف كيلومتر مربع هي سيناء بالكامل ومن الجهة الأخري الجولان التي تركب فوق تل أبيب‏!.‏
أكتب لأن يوم‏25‏ أبريل‏1982‏ هو يوم عيد سيناء‏..‏ هو اليوم الذي شهد تحرير آخر متر أرض وهذا التحرير الشاهد عليه يوم واحد هو‏25‏ أبريل‏1982‏ وهو لم يسقط علينا من السماء أو استيقظنا يوما من النوم فوجدنا الصهاينة رحلوا وحدهم‏...‏
هو يوم سبقته‏18‏ سنة فيها‏6570‏ يوما وأول يوم منها الشاهد علي الهزيمة وأقصد‏5‏ يونيو‏1967‏ وآخر الأيام الشاهد علي رحيل الصهاينة عن سيناء في‏25‏ أبريل‏1982‏ وما بين التاريخين‏..‏ تاريخ عظيم شاهد علي عظمة المصريين وعبقرية المصريين وشجاعة المصريين الذين تعرضوا لأقسي هزيمة‏..‏ عسكرية وسياسية واقتصادية وعبقرية المصريين أنهم من رحم الهزيمة استلهموا النصر وقبل مرور تسعة أشهر علي الهزيمة أعلنت مصر حرب الاستنزاف علي العدو في سيناء وما بعد سيناء‏..‏ حرب استمرت‏500‏ يوم من‏8‏ مارس‏1968‏ وحتي‏7‏ أغسطس‏1970‏ وخلال ال‏500‏ يوم عرف العالم كله أن المصريين لحمهم مر وأن مصر لم تمت كما يدعون وأن العدو‏..‏ قرب أو ابتعد فهو في متناول المقاتلين المصريين الذين وضح أنه ليس لهم حل وأنهم جعلوا حياة الصهاينة جهنم في سيناء حيث الكمائن والإغارات لا تتوقف ليلا أو نهارا‏..‏ جرأة وشجاعة لا مثيل لها في تاريخ العسكرية والدليل أكثر من‏2500‏ كمين ناجح نفذها المقاتلون المصريون في ال‏500‏ يوم استنزاف وهذا العدد الهائل من الكمائن يوضح شجاعة نادرة وقلوبا لا تخاف الموت بدليل تنفيذ‏2500‏ إغارة ناجحة وأيضا عقولا راجحة لأن التخطيط لهذا العدد الهائل من الإغارات لابد وأن يكون فيه الابتكار وفيه التجديد لأجل أن يفاجأ في كل إغارة من ال‏2500‏ إغارة العدو ويحصد ما يحصد من أرواح‏!‏
أكتب عن‏25‏ أبريل‏1982‏ لأنه المحطة الأخيرة في طريق طوله‏18‏ سنة بدأ بانكسار هائل أثبتت الأيام أن صلابة عود المصريين أقوي من مليون انكسار مثله‏..‏ والشعب مع الجيش صنعا أسطورة تلاحم رائعة ظهرت في حرب الاستنزاف وتجلت في كل مراحل الإعداد والاستعداد ليوم قادم لا محالة‏..‏ يوم الحرب لاستعادة أرض وشرف وعرض‏...‏
والحرب لم يأت يومها علي غفلة أو حملته أيام السنة إلي أن وصل لنا‏..‏ إنما حددته عقول مصرية جبارة فكرت وخططت ودبرت وتدربت ونفذت‏..‏ وما كنا سنقترب من هذا اليوم قبل أن نقرب المسافات بين ما نملكه ويملكونه من أسلحة‏..‏ لا أقول نتساوي لأن ذلك مستحيل وأمريكا ترسانة أسلحتها مفتوحة للصهاينة‏!.‏ لا أقول أسلحة وطائرات وصواريخ ودبابات علي نفس الكفاءة‏..‏ لأن ذلك مستحيل ويشارك في تطبيقه الكبار جميعا لأن مصالحهم معا أكبر من مصلحة أي دولة في العالم معنا‏!.‏ كنا نريد سلاحا يشبه ما عندهم في الكفاءة ونريد أعداد ربع ما عندهم‏..‏ نحن لا نريد ما هو موجود في أيديهم لأنه لن يحدث‏..‏ نريد ما هو قريب لأننا علي قناعة تامة بأننا نملك مالا يقدرون علي امتلاكه‏..‏ نملك في الصدور قلوبا لا يعرف الخوف طريقا لها موجودة داخل صدور خير أجناد الأرض‏...‏
قناعتنا بأن ما نملكه من شجاعة وعقيدة يوفر لنا التفوق عليهم مهما كان السلاح الموجود معهم‏..‏ لأن العبرة ليست في السلاح إنما فيما يحمله‏..‏ وتلك هي المعضلة التي لم تستطع ولن تستطيع أمريكا أن تحلها لأن الشجاعة هبة من الله وليست منحة من الكونجرس‏!.‏
فعلنا المستحيل لأجل امتلاك سلاح يقرب من سلاحهم والدنيا كلها باعت واشترت في القيادة السياسية المصرية لأن مصالح الدول الكبري حتي وإن اختلفت‏..‏ فوق أي مصالح أخري‏..‏
فعلنا المستحيل لأجل تعويض سلاح الطيران ولأجل أن يكون عندنا دفاع جوي لأنه بعد‏5‏ يونيو اكتشفنا حتمية وجود دفاع جوي حديث‏..‏ دفاع بالصواريخ لا المدافع‏..‏
‏...‏ وحدث وأصبح عندنا فوق ال‏200‏ طائرة حربية وكما قلت العبرة ليست في الطائرة ولو الأمر هكذا ما دخلنا معركة لأن الفارق هائل في الكفاءة والتقنية بين الفانتوم والميج الموجود عندنا‏..‏ وهذا الفارق الهائل تم تعويضه بالطيارين المصريين‏..‏ نخوة ورجولة وفداء وبسالة وكل ما يخطر علي البال في قاموس الشجاعة موجود في الطيارين المصريين الذين أذهلوا خبراء العسكرية في العالم بما قاموا به من عمليات تفوقوا فيها علي أعظم طائرات حربية عرفها العالم‏...‏
‏...‏ وحدث وأصبح لمصر دفاع جوي لا يسمح بأي عربدة للعدو في سماء مصر وملحمة الدفاع الجوي أظنها تدرس الآن في كليات العلوم العسكرية بالعالم عندما قررت مصر بناء قواعد لصواريخ الدفاع الجوي وبدأت الملحمة‏..‏ نبني طوال الليل القواعد وعندما يطلع النهار تبدأ الغارات لهدم القواعد ولا نملك إبعادها لأنه لا يوجد دفاع جوي‏..‏ واستمرت الملحمة إلي أن فرضنا إرادتنا وبنينا القواعد وأدخلنا الصواريخ إلي الجبهة في يونيو‏1970‏ وحائط صواريخ يحمي حائط صواريخ إلي أن أصبحت صواريخ الدفاع الجوي حقيقة عرفها العالم وتأكد منها الصهاينة عندما سقطت لهم‏12‏ طائرة في أسبوع‏6‏ فانتوم و‏6‏ سكاي هوك‏..‏ في هذا الأسبوع عرف العدو حدوده التي مستحيل تخطيها لأنه ببساطة لو تخطاها سيموت‏...‏
‏...‏ وحدث وخطة الاستعداد والإعداد لليوم الذي هو قادم اكتملت بعدما أعطت كل الوحدات تمام الاستعداد‏..‏ سلاح المهندسين جاهز لعبور‏70‏ ألف مقاتل ومعداتهم للشرق بالكباري التي سيقوم بإنشائها‏..‏ سلاح المهندسين جاهز لتمزيع جسد الساتر الترابي بخراطيم المياه‏!.‏ المدفعية جاهزة من خلال‏2000‏ مدفع بمواجهة‏170‏ كيلومترا لضرب العدو في عمق سيناء لوقف الإمدادات وعلي القناة لمنع أي اشتباكات في الساعات الأولي للعبور‏..‏ المدفعية ضربت‏3000‏ طن ذخيرة في‏53‏ دقيقة أظنها كانت جحيما وقتها عليهم وذكراها جحيما للآن لهم‏!.‏
والمدرعات جاهزة‏..‏ وعبورها وتحركها إلي سيناء وتجهيز مواقع دفاعية لها ليست المهمة‏..‏ إنما المهمة ستبدأ من يوم‏8‏ أكتوبر المتوقع فيه أول هجوم مضاد للعدو وأقول‏8‏ أكتوبر وليس‏7‏ أكتوبر لأن الهجوم المضاد تعطل يوما وهذا العطل ليس مصادفة إنما كان بفعل فاعل وخططنا له ونفذته الضربة الجوية المصرية ونفذته أيضا القوات الخاصة المصرية التي تم إبرارها بالهليكوبتر في عمق العدو للقيام بعمليات فدائية لمنع تقدم العدو وتعطيله وهذا ما حدث والمعارك الرهيبة والعمليات الشجاعة الفذة التي قامت بها الصاعقة أوقفت تقدم العدو ومنعته من القيام بأي هجوم مضاد في ال‏24‏ ساعة التالية ليوم‏6‏ أكتوبر‏..‏ المهم أن المدرعات المصرية جاهزة ومستعدة للهجوم المضاد الذي بدأ يومي‏8‏ و‏9‏ أكتوبر وفيهما وقعت معارك الدبابات وفيهما خسر الصهاينة‏400‏ دبابة و‏47‏ طائرة وهذا ما أعلنته جولدا مائير وهي تبكي خلال مكالمتها التليفونية الشهيرة مع الرئيس الأمريكي الذي أصدر أوامره بإقامة كل الجسور لأجل تعويض الصهاينة والجسر الجوي نقل‏28‏ ألف طن من أحدث الأسلحة والجسر البري‏60‏ ألف طن والدبابات كانت تنزل في مطار العريش قادمة من أقرب قواعد أمريكية أما الطائرات فقد جاءت بطيارين متطوعين وأصبح واضحا من يوم‏9‏ أكتوبر أن أمريكا دخلت المعركة‏...‏
الانتصار هائل وكاسح للقوات المصرية علي امتداد خط المواجهة والهجوم المضاد الصهيوني بأكبر ثلاثة جنرالات عندهم فشل والخسارة فادحة والقطاع الأوسط في الجيش الثاني أصبح مقبرة دبابات صهيونية والعقيد عساف ياجوري وقع في الأسر هو ومن بقي حيا من اللواء المدرع الذي كان يقوده والفضيحة أصبحت علي كل لسان في كل العالم الذي ظن أن جيش الصهاينة جيش لا يقهر وأربعة أيام قتال كشفت أنه يقهر وينفضح ويخسر وأن أسطورة المدرعات الصهيونية وهم كبير بعدما فشلت الفرق الثلاثة المدرعة ال‏252‏ بقيادة كلايمان ماين و‏152‏ بقيادة إبراهام أدان و‏143‏ بقيادة شارون‏..‏ والفرق الثلاث هي الأقوي والجنرالات الثلاثة هم الأشرس‏..‏ والفرق الثلاث المدرعة الصهيونية القوية حظها الأغبر أوقعها أمام ثلاثة قادة مصريين ليس لشجاعتهم نظير في الحروب العالمية‏..‏ ومن يصل إلي قامة حسن أبوسعدة وفؤاد عزيز غالي وعبدرب النبي حافظ‏..‏ من في العالم في شجاعتهم ومن في العالم في كفاءتهم‏...‏
الثلاث فرق مدرعة صهيونية خسرت وخسارتها فادحة في المعدات والبشر وحاولت وفشلت أيام‏8‏ و‏9‏ و‏10‏ أكتوبر‏..‏ وقبل أن ينتهي‏10‏ أكتوبر وبعد أن بدأ الجسر الجوي وصلت تل أبيب خطة أمريكية ومعها من وضعوها‏...‏
في هذا التوقيت صدر عندنا قرار تطوير المعركة والقرار لم يكن القرار الصائب في التوقيت الصائب‏..‏ وهذا ما ظهر جليا فيما بعد‏...‏
الصهاينة من بعد يوم‏10‏ أكتوبر ركزوا هجومهم علي نقطة واحدة لأجل اختراق دفاعاتها والوصول إلي القناة والعبور إلي الغرب‏...‏
خطة الصهاينة تعتمد علي غارات مكثفة للطيران علي تلك النقطة بعدها تمهيد مدفعية وبعد الطيران والمدفعية يبدأ الهجوم المدرع وبالفعل أشبعها الطيران الصهيوني ضربا بالقنابل والصواريخ وأكملت المدفعية الضرب‏..‏ وبدأ الهجوم بعملية للواء مظلي صهيوني مهمته تطهير المكان من أي قوات فيها الروح بعد ضرب الطيران والمدفعية‏..‏ وما إن تقدم أشاوس الصهاينة المظليون للمنطقة التي انضربت بالطيران والمدفعية حتي وجدوا جهنم الحمراء في انتظارهم لتبدأ واحدة من أهم معارك حرب أكتوبر ال‏64..‏ معركة المزرعة الصينية وفيها آمن الصهاينة بقدرات وشجاعة المصريين الأقل عددا وتسليحا والذين انضربوا بالطيران والمدفعية والذين دخلوا هذه المعركة بدون أسلحة معاونة ودون أي أمل في أي إمداد‏...‏
المصريون انتصارهم كاسح علي اللواء المظلي الصهيوني الذي ترك قتلاه وجرحاه وهرب ما تبقي منه أحياء للحفاظ علي حياتهم‏...‏
وعاود الصهاينة ضرب الطيران والمدفعية وهذه المرة تقدمت المدرعات من جهتين تلاقت في نقطة الثغرة وعرضها خمسة كيلومترات عند الدفرسوار وعبروا القناة وفي الغرب حدثت معارك هائلة الخسارة فيها كانت كبيرة لنا ولهم‏..‏ خسرنا تلك المعركة وحرب أكتوبر كما ذكرت‏64‏ معركة حربية‏..‏ نحن كسبنا‏80‏ في المائة من هذه المعارك والصهاينة كسبوا‏20‏ في المائة والثغرة مع بعض المعارك هي ال‏20‏ في المائة التي خسرناها ومع هذا بقيت الثغرة أسوأ قرار صهيوني‏!‏ لماذا؟‏.‏
لأن إسرائيل وضعت نفسها في الثغرة في أسوأ وضع استراتيجي لقوات مسلحة علي مدي التاريخ‏!.‏ ليه؟‏.‏
لأنهم انتشروا في الغرب علي خط يمتد‏70‏ كيلو من الدفرسوار شمالا وحتي مشارف السويس جنوبا وهذا الخط تحتله الفرق المدرعة الثلاث و‏2‏ لواء مظلات إلي جانب أسلحة معاونة‏..‏ احتلوا مسافة طولية عمقها قليل وخطوط إمدادها بعيدة وهذا ما جعل هذه القوات في مأزق وإن شئنا الدقة في مخنق‏!.‏
الخطة شامل المصرية لتصفية الثغرة قائمة علي تمزيق هذا الخط الممتد بدون عمق وهي مسألة سهلة لنا والذي جعلها سهلة الصهاينة الذين أرادوا القيام بعملية دعائية دون أن يفطنوا إلي إمكان وقوعهم في هذه الورطة حيث قوات الثغرة محاطة بقوات مصرية ويمكن القول إنها وضعت نفسها بنفسها في قبضة القوات المصرية التي بدأت الإعداد لتصفية الثغرة في منتصف نوفمبر مع قرار فتح ثغرات في حقول الألغام التي زرعها العدو حول قواته والخطة كانت عمليات هجوم فدائية علي نقاط العدو في توقيت واحد لأجل تمزيع هذا الخط والأسبوع الأول من ديسمبر كان الموعد الذي انتظرته القوات المصرية في الثغرة لكنه لم يأت للآن‏...‏
مفاوضات السلام في أسوان أعلنت إيقاف إطلاق النار‏..‏ ويوم صدور هذا القرار بكي المقاتلون المصريون‏...‏
أقسم بالله بكينا لأنهم كانوا لنا وفي متناولنا‏...‏
الذين يقولون إن إسرائيل انتصرت في الثغرة‏..‏ مثلهم مثل الذين يقولون ولا تقربوا الصلاة ويصمتون ولا يكملون وأنتم سكاري‏!..‏ إسرائيل انتصرت في المعركة التي تلت معركة المزرعة الصينية لأننا في المزرعة الصينية انتصرنا واسألوا اللواء المظلي الصهيوني‏!..‏ بعدها انتصروا هم في فتح ثغرة عرضها خمسة كيلومترات نفذوا منها إلي الغرب لكنهم فشلوا في احتلال السويس ليبقوا في شريط بلا عمق يسهل اختراقه وتمزيقه‏.‏
كل المعارك الصغيرة التي دارت في الثغرة من بعد‏22‏ أكتوبر وحتي وقت إطلاق النار في ديسمبر‏..‏ كل المعارك التي وقعت كانت إغارات عليهم في الثغرة وخسائر لهم في الثغرة وهم استنجدوا بأمريكا لأجل الوصول إلي حل لأن معركة تصفية الثغرة لو كانت بدأت ما بقي صهيوني واحد بالثغرة حيا‏..‏ لأن كل نقطة لهم محدد لها قوة من عندنا ستعمل بمفردها للتعامل مع النقطة والاستيلاء عليها بعد القضاء علي من هم فيها‏!.‏ كنا نعلم أن خسائرنا ستكون كبيرة‏..‏ لكننا نعلم أيضا أن انتصارنا لاشك فيه والقضاء علي الثلاث فرق مدرعة وجوز ألوية المظلات مسألة حياة أو موت‏!.‏
الذين يقولون إن الصهاينة انتصروا في حرب أكتوبر أرد عليهم بما قاله خبراء وقادة عسكريون عالميون‏..‏ وأول رد أستشهد به لقائد صهيوني‏..‏ نعم كلام أهارون ياريف مدير المخابرات الإسرائيلي الأسبق في ندوة بالقدس يوم‏16‏ سبتمبر‏1974..‏ قال‏:‏
لا شك أن العرب قد خرجوا من الحرب منتصرين بينما نحن من ناحية الصورة والإحساس قد خرجنا ممزقين وضعفاء‏..‏ وحينما سألوا السادات هل انتصرت في الحرب أجاب‏..‏ انظروا إلي ما يجري في إسرائيل بعد الحرب وأنتم تعرفون الإجابة عن هذا السؤال‏.‏
تريفور ديبوي رئيس مؤسسة هيرو للتقييم العلمي للمعارك التاريخية في واشنطن قال‏:‏ ليس هناك شك من الوجهة الاستراتيجية والسياسية في أن مصر قد كسبت الحرب‏.‏
إدجار أوبلانس المؤرخ العسكري البريطاني قال‏:‏ هناك من وصف ثغرة الدفرسوار غرب قناة السويس بأنها معركة تليفزيونية‏..‏ وفي رأيي أنه وصف دقيق وإن كنت أفضل استخدام وصف معركة دعائية‏.‏
أكتفي بهذه الشهادات لأن حرب أكتوبر فيها ما ينسف كل هذه الادعاءات الممحونة وأي عاقل يمكن أن يساوي بين اقتحام جيش بأكمله للقناة وتمزيقه للساتر الترابي وإسقاطه لخط بارليف وبين عملية وارد حدوثها في أي معارك‏..‏ وارد أن تخترق الدفاعات لكن العبرة بالخواتيم والثغرة التي حدثت أوقعت العدو في مصيدة ما كان سيخرج منها لولا أمريكا‏...‏
الثغرة وما حدث خلالها‏20‏ في المائة من المعارك التي ينتصر فيها العدو بينما ال‏80‏ في المائة من ال‏64‏ معركة التي شهدتها حرب أكتوبر انتصرنا فيها علي الأرض والمعارك مسجلة والخسائر واضحة في مذكراتهم لا في كلامنا‏...‏
كل ما حدث من يونيو‏1967‏ وحتي تحرير سيناء في أبريل‏1982‏ أراه في‏25‏ أبريل الذي نحتفل به سنويا وأغلبنا لا يعرف معني ومغزي أحد أهم الأيام في تاريخنا‏.‏
تحية للشعب المصري العبقري
تحية إلي شهداء مصر الأبرار
تحية إلي جيش مصر في الأمس وفي الغد وكل غد‏...‏
وللحديث بقية مادام في العمر بقية
[email protected]

المزيد من مقالات ابراهيم حجازى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.