تصدر خبر غرق مركب المهاجرين غير الشرعيين علي سواحل المتوسط الأحد الماضي,أخبار هذه الأيام, وعدد المفقودين بلغ ثماني مائة مهاجر. شعرت مرة أخري بالألم والأسي لهذا الموت الجماعي لهؤلاء الشباب فهذا ليس رقما بل هو حياة وصفة لكل فرد من هؤلاء الثماني مائة, هذا بالإضافة إلي الآلاف الأخري التي هاجرت من ليبيا ولا نحيط بها علما ولا نعلم حصرا لها حتي الآن لا من وصل ولا من غرق. وما زاد في حزني وآلمني أن يكون الموت من جراء هجرات تحدث بعد انطلاق ثورات الربيع العربي, هجرة وموت هذا الشباب الذي نعول عليه لبناء التنمية وبناء أوطان أتعبها الاستبداد والفساد والإقصاء وسد الآفاق لعقود هو موت لهذه الأوطان نفسها. هؤلاء الشباب الباحثون عن حياة أفضل قرروا المغامرة بأرواحهم عبر الإبحار صوب القارة الأوروبية, ولكنهم اليوم في رحلة يتصدر الموت عنوانها, فإما الموت بردا أو غرقا جراء مشوار رحلة الموت التي حلم كثير من العرب والأفارقة باجتيازها أو البقاء في أوطان تفتقر إلي الكثير من مقومات الحياة, مشهد يتكرر بين الفينة والأخري في كثير من الشواطئ الجنوبية للبحر المتوسط والنتيجة أرقام الضحايا في ازدياد وتجار الموت والحلم فارون من العدالة بعد أن زينوا للطامحين في الفردوس الأوروبي سهولة الرحلة وربما قالوا لهم إن كثيرين سبقوكم فلماذا لا تجربون؟. شباب يئس من واقعه وبات يبحث عن أحلامه في فضاء آخر, لكن الوسيلة تجعلهم يقامرون بأرواحهم في مراكب مهترئة جشع مافيا الموت لا يهمها من يموت ومن يصل بقدر همها المال السهل. التونسيون والليبيون والمصريون اليوم مطالبون أخلاقيا ودينيا بالتحرك مجتمعا ودولة لوقف هذا الانتحار الجماعي للجياد العربية والإفريقية علي شواطئنا ووقف صهيل الموت الذي أصم آذاننا. و نحن هنا نحزن شديد الحزن وقلوبنا تحترق ونتأذي لفقدان شبابنا ولرؤية جثث الموت لأبنائنا وللمهاجرين الأفارقة علي أرضنا, وتحرك المجتمع يجب أن يبدأ من وعاظ المساجد وعلماء الدين, الذين لم نسمع منهم شيئا حتي الآن بهذا الخصوص, للتوجه للأفراد المنخرطين في عمليات التهريب وتذكيرهم بأن هذا العمل ينافي الأخلاق, ولا يتماشي وقيمنا الإسلامية, وطريقة الكسب هذه غير مشروعة, بل وحرام.. ومن قتل نفسا فكأنما قتل الناس جميعا. فهذه العمليات تشوه صورة العرب في العالم, وتصور وتقدم العرب أنهم تجار للرق. وتحرك المجتمع في هذا الخصوص يمكن أن يبدأ إعلاميا بتوعية المواطن بالإبلاغ عن أماكن تجميع هؤلاء المساكين وأن ينشط الأمن والمباحث علي الأرض وليس في البحر فقط. بالإضافة للمجهودات الأمنية للدولة, عليها الاتصال بالمجتمع الدولي ومؤسساته الدولية والإنسانية لإيجاد مشروعات تحرك التنمية المعطلة في إفريقيا وتخفف من الفجوة بين إفريقيا وأوروبا. أيها الأوروبيون أنتم الوحيدون اليوم القادرون علي وقف هذا الموت الجماعي لقدراتكم الكبيرة والضخمة. أوروبا المسئولة من جهة أنها نهبت أموال إفريقيا فترة الاستعمار ومن جهة أنها مارست لسنوات عدة سياسة الاستقطاب وقدمت ماكينتها الإعلامية الضخمة والبروباجندا الغربية, قدمت الغرب علي أنه النعيم الأرضي, فاليسار في أوروبا هو الذي ألهم الكثير من الثورات في إفريقيا والرأسمالية الغربية هي التي استنسخت منها الأحزاب الإفريقية برامج عملها وفشل اليسار الإفريقي واليمين معا في تحقيق مشروع نهضوي وتنمية مستدامة في إفريقيا. الغرب الذي يقبل هجرة الأموال العربية والإفريقية ويعتبرها شرعية وجزءا من مشروعه العولمي بينما يعتبر هجرة الأفراد غير شرعية. الغرب نفسه اليوم لم يعد الحلم فهو يعيش أزمة مالية خانقه وتكاد لا تخلو محطة قطار في أوروبا اليوم من أوروبي أبيض يفترش الأرض, ويتسول وإن كان في شكل عازف موسيقي أو رسام أو ممثل أولاعب سرك. إن أوجه تحرك الدولة والمجتمع مع المجتمع الدولي قد يبدأ إعلاميا أيضا ويتمثل في تقديم فيلم وثائقي عالمي وتبصير الشباب بمخاطر الهجرة ومنها الموت تيها في الصحراء وغرقا في البحر تم الانتهاء إلي حياة شوارع المدينة الخلفية في أوروبا حيث الجريمة والمخدرات والموت طعنا أو بالرصاص هذا إذا كان له حظ النجاة من رحلة الموت ويقينا فأن تونس وليبيا ليست أصل المشكلة ولكننا مجتمع ودولة نريد أن نكون جزءا من الحل لعلنا بهذا قد نحيي نفسا كانت سوف تغرق ونكون عندها كمن أحيا الناس جميعا. كاتب من ليبيا