لا تنتقموا لانفسكم ايها الاحباء بل أعطوا مكانا للغضب لأنه مكتوب لي النقمة انا اجازي يقول الرب رسالة القديس بولس إلي كنيسة رومية: فصل12 كن بلسما إن صار دهرك أرقما وحلاوة إن صار غيرك علقما إيليا أبو ماضي كان الغضب المتولد عن أحداث الإسكندرية الإجرامية عشية رأس السنة الجديدة 2011 مبررا ومتناسبا مع حجم وهول الصدمة, خاصة في وطن بعراقة مصر وطبيعة شعبه المسالم والمثابر, وإن كان الغالب أنه غضب قبطي إلا أنه تضافر في النسيج المصري مع التعاطف العفوي والقوي من شركاء الوطن المصريون المسلمون, وجلهم من المواطنين العاديين غير المسيسين أو المحسوبين علي تيارات سياسية بعينها, وهم في ظني بل وفي يقيني صمام الأمان في بقاء مصر وطنا متماسكا بل يبقي الرهان قائما عليهم. والغضب شعور إنساني طبيعي وصحي, لكنه يبقي في إطار المشاعر يعبر عن حالة رفض لما يقع ويحدث مخالفا لطبيعة الحياة ولطبيعة العلاقات المتوازنة في مجتمع ما, ولهذا فهو دافع لفعل عقلاني يعيد التوازن الي تلك العلاقات عبر مراجعة الضوابط الحاكمة لها وكشف ما أصابها من خلل وعوار, وتجفيف منابع ومدخلات هذا الخلل وذاك العوار. والغضب في أجواء ملتبسة ومحتقنة لا يمكن أن يطلق له العنان فيتحول إلي قوة تدميرية تتلقفها القوي المتربصة بسلام الوطن مستهدفة استقراره ووحدته وتولد عبر سلسلة الفعل وردوده حالة من الفوضي تشكل غطاء للقفز علي السلطة المدنية وفرض أجندتهم التي تأسر الوطن في سجن الدولة الدينية الطائفية. ربما لهذا جاء تنبيه القديس بولس' إغضبوا ولا تخطئوا لا تغرب الشمس علي غيظكم' الرسالة إلي كنيسة افسس4:26), فبين الغضب والخطأ بون شاسع, فالأول شعور مبرر والثاني فعل تخريبي مجرم, لا يتسق مع طبيعة وجوهر المسيحية التي أقرت نسق المصالحة والتي صارت مهمة كل مسيحي كما عبر عنها القديس بولس' إذن نسعي كسفراء عن المسيح كأن الله يعظ بنا, نطلب عن المسيح تصالحوا مع الله'( الرسالة الثانية إلي كنيسة كورنثوس فصل5:20). وحتي يتحول الغضب إلي فعل إيجابي لابد أن نتفق علي إقامة حوار موضوعي وشفاف يخرج عن القوالب النمطية التقليدية التي جل همها إطفاء الحرائق وحسب, دعونا نقر بأن الأرض تموج بالمشاكل والمتاعب المرتكزة علي أرضية طائفية متراكمة عبر عقود لم تقربها حلول حقيقية إكتفاء بترحيلها إلي المجهول. دعونا نصارح أنفسنا بحاجتنا إلي تجفيف موارد الإحتقان والتطرف بحسم وشفافية, بعيدا عن أنساق المواءمات والتوازنات, لنخرج من دهاليز وزارات التعليم والثقافة والعدل, ومراكز البحوث السياسية والإجتماعية ذات الثقل العلمي, البحوث التي تناولت هذه الموارد وقدمت توصيات علمية وعملية لتفكيك العنف الطائفي. دعونا نبحث في عودة المؤسسات الدينية إلي موقعها الصحيح علي خريطة الدولة المدنية لتصبح مؤسسات دعوية وحسب لا تغازل السياسة ولا تخدعها أضواء الإعلام فتصير كالنار التيتجتذب الفراشات فتلقي حتفها احتراقا, تعود كما عهدناها داعية للقيم السماوية بالحكمة والموعظة الحسنة. لا تسعي لمغنم دنيوي وعرض زائل يفقدها سموها وروحانيتها وأبوتها. دعونا لا نبرر القعود عن المعالجة القانونية علي خلفية منطق أن الإستجابة لتقنين الحقوق هو استجابة لضغوط تسعي للي الذراع وفرض الإرادة الغاضبة علي المؤسسات المختلفة, في إطار دولة راسخة ترفض ونحن معها الفوضي, في ظني أن التباطؤ لا يقل فداحة عن العنف الطائفي بل لعله في موقع متقدم عنه لأنه يغمض عينه عن استشرائه وهو يملك تحجيمه ومحاصرته. دعونا نغربل منظومة الإجراءات القضائية المعقدة والمتشابكة لتدعم ما طرحه الرئيس مبارك في احتفالية القضاة بعيدهم من ضرورة تحقق' القضاء الناجز' فالعدالة البطيئة تولد المرارة عند أصحاب الحقوق بحسب تعبير السيد الرئيس, وهي عند فقهاء القانون الظلم بعينه فيها تفقد العقوبة بعد الردع الحاكم للعلاقات والمعاملات المجتمعية. دعونا نفعل دور المجتمع المدني في تجفيف منابع ثقافة التمييز والتطرف برفع سقف الطرح وإطلاق مبادرات الحل الواقعي, ومراجعة ضوابط قيام الأحزاب المدنية الحقيقية إثراء ورفعا لمستوي التنافس الحزبي بشكل يصب في جذب الشباب الي مربع المشاركة في الشأن العام فيتحول غضبه إلي فعل إيجابي, باعتباره نصف الحاضر وكل المستقبل, ومن حقه علينا أن نورثه وطنا يتسع للجميع يعطي الحقوق ويفرض الواجبات من وعلي مواطنيه علي أرضية المواطنة. ويبقي أن تحقق الدولة المدنية لا يمكن أن يترجم من خلال قرارات فوقية ولا بمجرد التمني بل هو عمل مؤسسي متكامل وشاق يتطلب ان نفيق إلي خطورة البديل المطروح وبقوة ولنسأل فيه الاحزاب والمراكز الحقوقية والمؤسسات التفيذية والتشريعية والقضائية والإعلام المرئي والمقروء والمسموع والذي يفتح أبوابه الأمامية والخلفية لأبواق التطرف ودعاة الدولة الدينية, لكن السؤال من يحاسب ويتابع ويصلح؟!. [email protected]