لا تحتاج برقية وكالة الأنباء الفرنسية التي وردت بها تفاصيل محاولة فرنسا التطهر أوالتخلص من إحساسها بالذنب إزاء ما ارتكبته قواتها من انتهاكات وحشية في مستعمراتها السابقة منذ عقود وعلي مدي عقود متصلة إلي جهد كبير لتحليل مضمونها أو استخلاص نتائج مباشرة لتلك الخطوة المهمة. فللمرة الأولي ترسل باريس مسئولا كبيرا للمشاركة في إحياء ذكري ضحايا مجزرة مدينة سطيفالجزائرية التي راح ضحيتها أكثر من45 ألف شهيد دفعة واحدة إبان الحرب العالمية الثانية, ضمن إجمالي شهداء الاستعمار الفرنسي لهذا البلد العربي الشقيق الذي استمر لأكثر من130 عاما والذين يقدر عددهم بأكثر من مليون ونصف المليون شهيد جزائري. فقد حضر وزير الدولة الفرنسي المكلف شئون قدامي المحاربين جان مارك توديسكيني أمس بسطيف شرق الجزائر للمرة الأولي إحياء ذكري ضحايا المجزرة التي ارتكبتها قوات الاستعمار الفرنسي قبل70 سنة. والوزير توديسكيني هو أول مسئول فرنسي ينتقل إلي سطيف بهذه المناسبة, ولعله أول مسئول فرنسي يتخذ خطوة من شأنها الاعتراف الضمني بفداحة الجريمة الفرنسية في الجزائر. ووضع إكليلا من الزهور علي قبر سعال بوزيد أول شهيد في المجزرة, وكان برفقته وزير المجاهدين الجزائري الطيب زيتوني. ووصل توديسكيني أمس إلي الجزائر وتوجه مباشرة إلي سطيف التي شهدت في8 مايو1945 تظاهرات رفعت فيها الأعلام الجزائرية مطالبة بالاستقلال تزامنا مع احتفال فرنسا بانتصار الحلفاء علي ألمانيا النازية. وامتدت التظاهرات الي مدينتي قالمة وخراطة المجاورتين لسطيف, قبل أن تقمعها السلطات الاستعمارية الفرنسية ما أسفر عن هذا العدد الهائل من الشهداء. وتتحدث كتب التاريخ الجزائرية عن45 ألف شهيد علي يد الشرطة والجيش وميليشيات المستوطنين, بينما سقط نحو مائة أوروبي علي يد المقاومين الجزائريين. وأوضح توديسكيني أنه بدأ زيارة الذاكرة إلي الجزائر من سطيف في هذه السنة التي تصادف الذكري السبعين لنهاية الحرب العالمية الثانية باسم الصداقة الجزائرية الفرنسية. وأضاف أن هذه الخطوة ترجمة لتصريحات الرئيس الفرنسي( فرنسوا هولاند) أمام البرلمان الجزائري في ديسمبر.2012 وقال أن زيارته تندرج ضمن مسعي الصداقة والاحترام والسهر علي مواصلة التطرق إلي ذاكرتنا المشتركة بهدوء ووضوح. وينتطر أن يتوجه الوزير الفرنسي من سطيف الي منطقة مرسي الكبير بوهران لإحياء الذكري ال75 للهجوم الذي تعرضت له البحرية الفرنسية علي يد البحرية البريطانية في يوليو1940 مباشرة بعد توقيع اتفاق إنهاء القتال بين فرنساوألمانيا النازية. وجاءت الزيارة قبل الموعد الرسمي للاحتفالات في8 مايو لمشاركة الوزير الفرنسي في احتفالات الانتصار علي النازية ونهاية الحرب العالمية الثانية التي تصادف في التاريخ نفسه. ونفت أوساط الوزير الفرنسي أن تكون الغاية من ذلك التهرب من الاحتفالات الرسمية الجزائرية. واعتبر المؤرخ الجزائري حسن رمعون أن اعتراف فرنسا بقوة بأفعالها الشنيعة ومجازرها الاستعمارية وكذلك جرائم الحرب الأخري كفيل التحضير سيكولوجيا لقبول الحوار والتعاون مع مستعمراتها السابقة. وأضاف لوكالة الأنباء الجزائرية ما يوجد علي المحك إنما هو شرف الفرنسيين وليس شرفنا. ورأي المؤرخ أن زيارة الوزير الفرنسي للجزائرإشارة حسن نية الغاية منها الإسهام علي الأقل في تطهير إرث استعماري ثقيل. التحرك الفرنسي يحمل بادرة حسن نية, ورغبة تبدو حقيقية لطي صفحة مؤلمة في وجدان الشعب الجزائري, وفتح صفحة جديدة معه لمواصلة التعاون السياسي والاقتصادي والثقافي مع الجزائر شعبا وحكومة, ربما لأن آفاق التعاون الاقتصادي والتجاري والصناعي بين البلدين تبدو واعدة ومثمرة للبلدين. ولكن علي المسئولين الفرنسيين أن يضعوا في اعتبارهم أن مجرد الاعتراف بما ارتكبته قواتهم من انتهاكات وقتل بحق الجزائريين خلال احتلالهم ليس كافيا بحد ذاته, وأن علي باريس أن تبحث في احتمالات مطالبة الجزائريين بتعويضهم عن تلك الفترة تعويضا ماليا هائلا عن كل هذه الانتهاكات, لا سيما وأن الغرب لا يترك فرصة للمطالبة بتعويضات إلا ويستغلها إلي الحد الأقصي بتقديرات مبالغ فيها مثلما حدث مع ضحايا طائرة الركاب التي أسقطت فوق مدينة لوكيربي الاسكتلندية والتي سددت ليبيا مليارات الدولارات لأهالي الضحايا لشبهة تدبيرها للحادث.