لا أحد يعرف بالضبط ماذا يجري في ليبيا, وكيف تحولت بعض مناطقها لمدن أشباح يسكنها الإرهاب.. لا أحد يعرف بالضبط خريطة القوي السياسية في البلد الشقيق الذي يهمنا- قبل غيرنا- أمنه واستقراره. . اسئلة لا يجيب عنها إلا من عايش ظروفها, ومنهم الشيخ عادل الفايدي رئيس لجنة المصالحة ورئيس ملتقي القبائل الليبية الذي نجري معه الحوار التالي: ماذا يحدث في ليبيا؟ مبدئيا.. أريد ان نقسم القوي في ليبيا أو نرتبها علي الأرض ثم نري بعد ذلك ردود فعل القوي ومدي سلبياتها وايجابياتها في الدور الذي تلعبه اذا كان الهدف هو بناء الدولة, وذلك بشكل حيادي ومنطقي ولا يخضع لتصنيف. سنفترض أن كل الليبيين يتفقون علي أسس واحدة أهمها إنشاء الدولة الليبية أو دولة القانون وأن الكل صادق في نواياه فإذا نظرنا علي الأرض سنجد مجموعة من القوي, قوي داخلية وأخري خارجية. الحديث العام عن القوي الداخلية يدور علي أساس أنها قادرة علي إحداث شيء وأنا اعتقد عكس ذلك, فأنا أري أن الحل في ليبيا يأتي عن طريق إقناع القوي الخارجية وعمل تسوية فيما بينها وفي مصالحها بداخل ليبيا, ومن ثم الانتقال إلي البند الثاني المكمل للأول, وهي القبائل التي يجب أن تجتمع لتقرر هذه القرارات وتدعم تنفيذها. واذا اجتمعت القبائل يظل الأمر مرهونا بالقوي السياسية التي تؤثر بالأزمة الليبية الكبري. نريد أن نتحدث عن ماهية القوي الخارجية التي هي عبارة عن أطماع اقتصادية وسياسية وهناك أطراف تصفي حسابات. هؤلاء الثلاثة يتم إدارتهم من خلف ستار اللوبي الذي يدير الحركة الماسونية في العالم. ولذلك فإن أزمتنا توجد في ليبيا, لكنها تدار من خارج ليبيا, ولذلك فنحن مضطرون للتواصل مع الجسيمات الصغيرة. الجميع يعرف أن بريطانيا دولة عظمي ولها نفوذها ولها أطماعها المباشرة, وأنا اعتبر أن أمريكا بنت بريطانيا وليس العكس. فبريطانيا تحديدا قوة مؤثرة في الأزمة الليبية يليها الأمريكيون ثم بعد ذلك قوي أخري أقل تاثيرا, ولذلك فالأزمة في ليبيا يجب أن تدار ما بين بريطانياوأمريكا. ولا يجب أن نتحدث عن قطروتركيا, فهما مجرد أيادي أو بمعني آخر توابع. وأود أن أوضح أن ما بين أمريكاوبريطانيا هناك ايضا فرنسا, وهي دولة لها تواجد كبير في أفريقيا ولها أيضا أطماع في إفريقيا وليبيا تحديدا وبالأخص في الجنوب الليبي والغربي. فإذا رجعنا إلي التاريخ, عندما كتب دستور1951 في ليبيا, اقنعت فرنسا الأمازيغ والتبو والطوارق بعدم المشاركة في الدستور وأنها ستساعدهم في إقامة دولة في الصحراء الكبري, بينما شارك الطوارق وغيرهم إلا الأمازيغ فلم يشاركوا, وهذا ما حدث مجددا في الدستور الجديد بعد رحيل القذافي, لم يشاركوا أيضا. فرنسا لها أصابع في الجنوب وتحاول مساعدة بعض القوي علي بعضها لفرض الهيمنة علي الجنوب لمعرفتها بخيرات الجنوب التي تكفي لسنوات طويلة, بما فيها ما نعلمه وما لا نعلمه. أيضا تريد فرنسا أن تتزعم الاتحاد الاوروبي كمفتاح تحكم في تهريب الهجرة غير الشرعية لأوروبا, ولذلك ستبتز أوروبا بالكامل. هذا هو خلاصة السيناريو بالكامل. ولا يصح أن نتحدث عن البترول والغاز كهدف وراء هذه المؤامرات, فمن يقول ذلك واهم لسبب بسيط ان مصالحهم لم تتضرر فما زالت انابيب البترول والغاز تعمل كما هو متفق عليه معهم ولم تنقص وارداتهم علي الاطلاق بالرغم من الفوضي الجارية في ليبيا. فتلك الدول ببساطة هي التي تكتشف الآبار وتستخرج منها البترول ثم تكرره بمعرفتها ومن ثم تعيده لدينا بعد خصم حقوقها, ولذلك فليس لديهم قلق من نقص حصصهم المعتادة, ناهيك عن التوجهات الجديدة لتلك الدول في أن عوائد البترول تحتجزها كأرصدة تضاف إلي الأرصدة المجمدة لديهم. هنا تجد أن السوق الليبية للبترول انتهت والعوائد لا ترد والعملة الليبية أصبحت متأثرة بشكل كبير وتجد أن الدينار لم يعد موجودا لدي كثير من الليبيين الذين يعيشون منذ نحو6 أشهر بدون مرتبات, وهذا من ضمن الأهداف التي يسعي اليها اللوبي الذي يريد تدمير البنية الأساسية لدولة ليبيا وتقطيع النسيج الاجتماعي وضرب منظومة القيم حتي لا تلتئم مرة اخري, وليس مجرد ضرب المقدرات الطبيعية. هل لتركيا دور في السيناريو الدائر بليبيا؟ وماذا عن قطر؟ اذا تحدثنا عن تركيا, نجد أن لديها طموحا وتوجها نحو المعسكر الغربي وجهودا حثيثة للانضمام إلي الاتحاد الأوروبي وأن الإدارة السياسية يمكن أن تقدم أي تنازلات مقابل هذا الهدف, إلا أن الاتحاد الأوروبي له ضوابط لا يمكن اجتيازها, فلن يسمحوا بدولة إسلامية في الاتحاد, وحتي لو أعلنت تركيا أنها دولة علمانية فلن تقبل أوروبا. وهنا عندما وجدت تركيا أن الباب مغلق, اضطرت تركيا إلي أن تجعل من نفسها قوة بالانضمام الي المعسكر الشرقي مع العرب لاستعادة أمجاد معينة لفرض الرأي علي أوروبا. أما قطر فاعتقد انها ليست موجودة في اللعبة لأنها دولة حديثة العهد وليست ذات وزن. هل كانت مصر مستهدفة من تصدير الإرهاب إلي ليبيا؟ من وجهة نظري أن ما يحدث ليس المقصود به ليبيا فقط, بل مصر من الدرجة الأولي. وقد دخلت مصر طرفا في المعادلة كطرف أساسي بعد30 يونيو, لأنها قبل ثورة يونيو لم تكن موجودة في المعادلة بحكم وجود الإخوان في الحكم وان كل أمور الغرب تسير علي ما يرام, لكن فجأة تغيرت الأوضاع وارتبكت المشروعات وتوقفت تماما نتيجة وجود رجال أذكياء في مصر قرأوا جيدا المشهد وكانوا له بالمرصاد, وكان لهذا دور في زيادة الضغط علي الغرب مما ترتب عليه زيادة الضغوط علي ليبيا بالتبعية لما للدولتين من ارتباط وثيق جدا في جميع العلاقات بكل انواعها. لقد سارعت من البداية في تشكيل لجنة التواصل الاجتماعي المصرية- الليبية وهدفها الوحيد هو الحفاظ علي الحد الادني من العلاقات كجسم عرفي اجتماعي لحل المشكلات بين البلدين في ظل المخططات التي كانت تدور قبل30 يونيو, فالدولة الليبية ليست موجودة والإخوان في مصر كانوا يسيطرون علي الاوضاع. أكرر.. بعد30 يونيو كان هناك هروب كبير لبعض قيادات الإخوان وأتباعهم في دول كثيرة وكثير منهم سافر الي ليبيا, وكنا نسمع أن هناك ما يسمي جيش مصر الحر يتدرب في ليبيا ضد الحكومة المصرية, هؤلاء ليسوا إلا المشردين فكريا من كل دولة حتي من الغرب وفيهم أيضا المرتزقة وأيضا معتنقو الفكر التكفيري. كيف دخل الإرهاب ليبيا؟ عندما تمكن الإخوان في ليبيا علي مدي فترتين انتقاليتين متتاليتين كاملتين أثبتوا لنا فشلا ذريعا وبامتياز, فكان ذلك تصديقا لمن قال انه عندما تريد القضاء علي الإخوان سلمهم السلطة. القصد من هذا هو ان الإخوان يريدون العودة الي حكم مصر من خلال ليبيا, وذلك حسب اعتقادهم بضرب المصريين في ليبيا وخطفهم أو قتلهم. فكما هناك تطور للجريمة هناك أيضا تطور للإرهاب وإحلال وتجديد. فمثلا بعد مقتل أسامة بن لادن, تنظيم القاعدة شبه منته والآن يحل محله تنظيم داعش والغرب يعرف ذلك تماما. فمن أين أتي داعش؟, لم يكن موجودا حتي منذ سنة, فكيف يصعد الي هذه الدرجة. وأبو بكر البغدادي نفسه, كان عضوا في جماعة القاعدة وكان اخوانيا فتلك هي الارتباطات التي يكشفها الغرب بنفسه, فكانت القاعدة هي مصدر الارهاب في العالم في الماضي وبعد مقتل بن لادن حل داعش مكانه وهكذا سينتهي داعش ويتبدل بغيره فيما بعد, فكلها سيناريوهات لتدمير العرب. لابد أن نسأل أنفسنا سؤالا: كيف تجمع هذا العدد من الدواعش فجأة في ظل حرب الأمريكيين ضدهم في كل مكان حتي بالاقمار الصناعية في الشوارع وجميعهم لديهم بطاقة حمراء في الانتربول الدولي, ومع ذلك هناك مساعدات تقدم لهم للسفر الي ليبيا, وهذا يؤكد ان اصول اللعبة تقول انه اذا انتهي الاخوان في مصر, فقد انتهوا في العالم, والعكس صحيح. القصد من هذا الأمر أن هناك قوي بالنسبة للمجتمع الدولي سعت سعيا حثيثا لتجميع بقايا الإرهاب من أفغانستان ومالي وسوريا والنيجر وغيرها وضخهم في ليبيا لتهديد أمن مصر, وهؤلاء يحاربون مقابل المال وليس عن عقيدة. لكي نكون منصفين, فالحرب علي ليبيا لم تقم إلا لشيء واحد وهو قرار المجتمع الدولي بالقضاء علي نظام العقيد معمر القذافي لأنه أصبح يشكل خطرا علي مخططهم وطموحاتهم ورؤيتهم للشرق الأوسط الجديد فكان لابد من كسر شوكته. وعندما حاولوا وجدوا صعوبة فقرروا قتله. حقيقة الأمر فان المجتمع الدولي اسهم في تفاقم الازمة في ليبيا, الدول العظمي وبالأخص امريكاوبريطانياوفرنسا, لاسباب كثيرة اولها عدم مراقبة ومتابعة الدخول والخروج للارهابيين والتغاضي عن تحركات الارهابيين المطلوبين. ثانيا هذه الدول كما اعتبروا انفسهم اصدقاء ليبيا وساهموا لانجاح الثورة لماذا تركونا في نصف الطريق. هذا ان دل علي شيء فيدل علي ان الهدف كان القضاء علي القذافي واسراره وليس الديمقراطية في ليبيا. ما أراه في خلال هذه الفترة هو أنه لابد ان تتزعم مصر فريقا يضم السعودية والإمارات والكويت لمساعدة الشعب الليبي في تخطي الأزمة فلا يمكن لمصر وحدها أن تساعد ولا الدول العربية بدون مصر, ولذلك نطالب بمساعدة هذه الدول فرادي وليس تحت مظلة الجامعة العربية, وليكن بتشكيل قوة عمل أو غرفة عمليات. ماذا عن بقية طوائف الشعب الليبي برغم اختلاف توجهاتهم؟ ربما يكون احد مخرجات ملتقي القبائل الليبية في مصر خلال الأيام المقبلة هو إبقاء جميع الليبيين علي خط سير واحد, ومبدئيا.. لن نسمح لدولة بعينها ان تتحكم في مستقبل ليبيا او تطرح بعض الرؤي التي ربما يشكك فيها الاخرين بانها تخدم مصلحتها فقط, ولذلك لا تستطيع جامعة الدول العربية أن تتخذ قرارا حتي الآن, ولذلك من حق الليبيين تكوين فريق وطلب المساعدة منه, وهذا الفريق هو الذي سبق وتحدثنا عنه. السؤال الآن كيف يتفق الليبيون؟ اذا جلسوا علي طاولة حوار واحدة واتحدوا او تشاوروا في ثوابت اقامة الدولة الليبية ومن ثم يتفقون علي اليات تحقيق هذه الضوابط. الاليات تحتاج الي مشروع سياسي لكن الثوابت فهي ان الدولة واحدة ولها دستور واحد وثروات واحدة وكلنا اخوة في الحقوق والواجبات والاعراق هي اهم مكون من النسيج الاجتماعي الليبيي.. الخ لماذا نركز علي ان القبائل هي الفيصل في الامر, لأن السياسيين علي مدي4 سنوات لم يتفقوا ولن يتفقوا. ويجب علي الجميع ان يعلم ان اي ليبي لا ينتمي الي قبيلة فهو ليس ليبيا, فالدولة الليبية بمراحلها قديما وحديثا لم تكن الا دولة قبائل. ماهي قدرة القبيلة في ليبيا؟ القبيلة هي دولة في محتواها البشري ومحيطها الجغرافي, بمعني ان كل قبيلة لديها امتداد جغرافي ملكها توارثوها جيلا بعد جيل ولا يمكن تسمح لقبيلة اخري ان تعتدي عليها او تنتزعها كما ان هناك منظومة قيم تنظم العلاقة بين الليبيين تحت سقف العرف الاجتماعي وبالتالي فالدولة عبارة عن مكان واناس منصاعة لقانون, ولدينا في ليبيا القانون هو العرف الاجتماعي والمكان هو القبيلة. كل قبيلة في ليبيا قادرة علي الزام الحد الاقصي من ابنائها بمنظومة القيم. واي شخص يتخلف لن يكون في حمي القبيلة ويتم رفع سقف الحماية عنه. فهناك أكثر من200 قبيلة في ليبيا لها القوة الحاكمة في ليبيا واشهرها الحرابي والجبارنة والمرابطون في الشرق الليبي اما في الغرب فهناك ورفلة من اكبر القبائل, وترهونة ورشفانة والنوايل والسيعان وفي الجنوب هناك القذاذفة وأولاد سليمان والمقارحة, مع الأخذ في الاعتبار أن هناك أعراقا أخري مثل التبو والأمازيغ والطوارق وهم أعراق غير عربية. إذن لكي يتم القضاء علي ليبيا, فلابد من ضرب منظومة القيم التي تجمع هؤلاء القبائل التي يجمعها النسب والقرابة والجيرة, وليس عن طريق داعش وأخواته, فهؤلاء يمكن القضاء عليهم بدون سلاح. هناك أنباء ترددت بعد اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الاوروبيالأخير أنه ربما تكون هناك عملية عسكرية واسعة في ليبيا لكن تحت مظلة الأممالمتحدة.. ما رأيكم؟ هذا يتوقف علي نتائج الحوار في جنيف والمغرب. وبالمناسبة فقد التقيت المبعوث الأممي الي ليبيا برناردينو ليون في القاهرة وعرضت عليه ان يقدم استقالته للامم المتحدة لأنه لم يتوصل الي نتيجة ولم يخلق جسورا من الثقة مع الشارع الليبي أولا قبل أن يبدأ عمله. فكان عليه ان يدرس سيكولوجية المواطن الليبي. والسؤال هنا ما هو معيار اختيار السيد برناردينو لهذه المهمة؟ ما اردت ان اوجزه ان القبائل الليبية هي وحدها من سيقرر مصير ليبيا وستجتمع في مصر خلال ايام بعد ان استتبوا علي ان الفكر الجاد لاحياء دولة ليبيا يكمن في اتحادهم وقرارهم الموحد, وسيندم الكثير من المجتمع الدولي علي انهم اهملوا الدور القبلي والعشائري بحجة انهم يدعمون الدولة المدنية والحداثة, لان منظومة القيم والجيوش توجد في اي مجتمع مدني وليس لها علاقة بحداثة الدولة. أود أن أؤكد مجددا علي أن اجتماع القبائل الليبية لن يكون إلا في مصر, وإذا لم يكن ذلك, فلا قيمة له.