ختمت مقالي الأسبوع الماضي اليمن علي أعتاب حرب طائفية بالقول: لكن يبقي أن اللعب بكارت المذهبية من شأنه أن يغرق المنطقة في فتنة مذهبية لن يخرج منها أحد منتصرا, وسيكون الفائز هو إسرائيل وفقط. وما زلت عند رأيي رغم انطلاق عاصفة الحزم التي تشارك فيها9دول عربية انتصارا للشرعية التي يمثلها الرئيس هادي الذي جاء إلي منصبه بمقتضي المبادرة الخليجية.. تلك المبادرة التي أتاحت خروجا آمنا من السلطة للرئيس صالح عام2012, وحصنته من الملاحقة القضائية علي الجرائم التي اقترفها خلال تواجده في سدة الحكم لأكثر من30 عاما, أورث خلالها شعبه الفقر والعوز, وحول البلاد إلي عزبة له ولقبيلته, وبدلا من أن يعيش في هدوء, أبت تركيبته القبلية- الانقلابية إلا التحالف مع خصوم الأمس الحوثيين أملا في إفشال خليفته, والعودة إلي السلطة من البوابة الإيرانية, رغم أن صالح مدين لدول الخليج وللسعودية تحديدا ببقائه في السلطة لسنوات, حيث كانت الرياض تقف إلي جوار اليمنيين بالدعم المالي وبإمدادات الوقود وغيرها من المساعدات الإنسانية. وأكثر من هذا; عندما أصيب صالح في العمليات العسكرية بعد اندلاع الثورة المسلحة ضد استبداده وفساده استضافته الرياض وآوته وعالجته, كما أن رعايتها للمبادرة الخارجية جنبه مصير أقرانه في دول الربيع العربي, سحلا وقتلا القذافي أو خلعا مبارك أو هربا بن علي, وكان يمكن للرجل لو كان يحب شعبه أو يتمني له الخير أن يكتفي بما ارتكب من إجرام ويتوب إلي الله عساه أن يغفر له ويتولاه برحمته, خصوصا وأنه بلغ من العمر أرذله, لكنه مرض السلطة وفيروس الزعامة الذي تمكن منه وجعله يقامر بمصير بلده ويرتهنها في أيدي إيران بحثا عن مجد غابر لا ولن يعود. المهم أنه لم يكن من المتصور أن تكتفي السعودية وشقيقاتها الخليجيات بدور المتفرج علي سقوط اليمن في أيدي إيران, وخصوصا أن التحدي اليمني يعد أول اختبار للملك سلمان, والحق أن إقدام الرياض علي قيادة عاصفة اليمن أثبت صلابة قيادتها,واستيعاب السعوديين لدرس غزو الكويت, وهو أمر غير مستغرب ولاسيما في ضوء تجربة تدخل قوات درع الجزيرة التابعة لمجلس التعاون الخليجي في البحرين لقمع الانتفاضة الشيعية التي تحركها طهران, مما يعني أن التدخل السعودي في اليمن أمر تمت دراسته بدقة والاستعداد له علي أعلي المستويات, وكان آخرها المناورات المصرية السعودية المشتركة وهو الأمر الذي من شأنه أن يغير المعادلات في المنطقة, ويطرح الرياض كقوة إقليمية فاعلة في تسوية أزمات المنطقة سلما أو حربا. ولم يكن غريبا أن تكون القوات المصرية في طليعة المشاركين في عاصفة الحزم فهذا فضلا عن أنه يعطي لمصر وقيادتها مصداقية بعدما قال الرئيس السيسي عبارته البليغة مسافة السكة ردا علي موقفه من تعرض دول الخليج لأي عدوان, وها هو يفعل رغم التحديات الأمنية التي تواجهها بلاده في الداخل وعلي الحدود مع غزة وليبيا والسودان. ناهيك عن أن تمدد إيران والحوثيين والتهامهم لعدن, يعد تهديدا للملاحة في قناة السويس, ومن ثم لأمن مصر القومي. والأهم من ذلك أن انضمام مصر لتحالف الراغبين باليمن يخدم علي ما طرحته من ضرورة تشكيل قوة عربية مشتركة لمواجهة التحديات التي تواجهها الأمة, وما أكثرها الآن, مما يبعث الحياة في اتفاقية الدفاع العربي المشترك, التي اتفق قادة الأمة علي تفعيلها في قمة شرم الشيخ. ورب ضارة نافعة, فقد تكون محنة اليمن بداية مرحلة جديدة لإحياء التضامن العربي وصياغة دور جديد لجامعة الدول العربية التي تحولت إلي مادة للتندر والمزاح بعدما غابت أو غيبت عن مآسي العرب التي لا تكاد تنتهي حتي تبدأ من جديد. [email protected]