لعل إنشاء وزارة جديدة للتدريب والتعليم الفني هو أهم ما جاء في التعديل الوزاري الأخير, فقد كان استحداث وزارة بهذا الاسم والتخصص هو أشد ما تحتاجه مصر في هذه المرحلة, فالمؤكد أن مجال عملها واسع ومتشعب ومتعدد, كما أنه لن يكون سهلا أو ممهدا بالمرة, فالمدارس الثانوية والمعاهد الفنية كثيرة ويتخرج منها آلاف الطلبة والطالبات الذين ينزلون سوق العمل تحت مسميات وتخصصات فنية متنوعة وهم أبعد ما يكونون عنها أو ممارستها والإجادة فيها, فهم ليسوا عمالا أو فنيين مهرة علي الإطلاق, فيظل وجودهم وعدمه سواء لتلبية احتياجات سوق العمل الداخلي وأيضا المنافسة علي فرص العمل المتعدده والمتنوعه بالخارج, بدول الخليج التي باتت حكرا علي العمالة الآسيوية الأكثر مهارة والأشد انضباطا والأرخص أجرا, أو حتي في سوق العمل الأوروبي التي اقتصر وجودهم فيه علي الأعمال النمطية والتي يحجم الأوروبيون عن العمل بها والتي يقبل المصريون القيام بها لأنها تعطيهم الفرصة للإقامة غير الشرعية, ومكانا للإقامة غير آدمي علي أمل أن تتحقق المعجزة لأي منهم ويري حلمه يتحقق يوما ما. والحق أن شقا عظيما من مشكلة هذا القطاع التعليمي لا ينفرد بها وحده, بل إنها مشكلة التعليم المصري عموما, والذي يعاني عدم التخطيط ودراسة إحتياجات السوق المتعددة ليتواكب التعليم معها, فضلا عن عدم الجدية والانضباط واستهداف الصالح العام من قبل القائمين علي العملية التعليمية, لقد كان التعليم والتدريب الفني يتم في صورته التقليدية في الورش الحرفية, حيث كان يلحق المعلم ابنه ليتشرب الصنعة ويتقنها ليحل محله, أو قد يتوسع في عمله بدرجة ما فيحتاج أكثر من فني مدرب فيوظف أكثر من شخص يكتسبون مهارات الحرفة أو الصنعة بمرور الأيام, إلا أن هذه النوعية من التعليم والتدريب تظل مقصورة علي تلبيه الاحتياجات لسوق العمل الواسعة للعمالة الفنية والمدربة والمتخصصة, والتي لا يكتسب العامل مهاراته المطلوبة لها من العمل بالورش الصغيرة, فهناك أعمال يقوم عليها الاقتصاد القومي ولا تمارس بالورش, بل في المصانع الكبيرة القائم العمل بها علي التخصص واتباع أسلوب خط الإنتاج في تصنيع منتجه, وكذلك أعمال سكرتارية أو دارية أو فنية, والتي تحتاجها الوزارات والمصالح والمؤسسات العامة والخاصة, وقد استشعرت بعض المصالح حاجتها لموظفين ليقوموا بأعمالها يكونون علي قدر من المهارة والحرفية والتخصص, فأنشأت البريد والتليفونات والسكك الحديدية مدارس ومعاهد لتخريج احتياجاتها من الموظفين,وسبقتهم هيئة قناة السويس حين أنشأت( الأبرانتية) لتدريب وتخريج موظفيها. والحق أن رجال أعمالنا ومؤسساتنا ومصانعنا الخاصة يجب ان نحذوا حذو المؤسسات العالمية التي تهتم بالعمل والإنتاج وبنفس القدر تهتم بإنشاء مدارس ومعاهد لتخريج إحتياجاتها من العمالة, ثم صقل مهاراتهم وتنميتها طوال فترة عمل الموظف لديها, لأن هناك حقيقة مؤكدة يجب الا تغيب عن بالنا أبدا.. وهي أن العنصر البشري الكفء والماهر هو اهم عناصر الإنتاج في شتي المجالات والأعمال, لذلك فقد كان استحداث هذه الوزارة المستحدثة لأول مرة بمصر خطوة موفقه للغاية تدل علي إدراك واع لحقائق الأمور واحتياجات التنمية في هذه المرحلة بحق, وأيضا مسئولية جسيمة للقائم عليها لأنه سيصطدم بسلبيات هي حصيلة سنوات عدة مضت وأيضا بأعمال كانت من صميم مسئوليات ومهام وزارات وقطاعات أخري.