في الفترة بين13 و15 مارس, عقدت مصر مؤتمرا ناجحا للاستثمار الاقتصادي في شرم الشيخ,. و المؤتمر كان عنصرا مهما من استراتيجية تهدف إلي تحسين الاقتصاد من خلال جذب استثمارات القطاع الخاص. ان المؤتمر بعث رسالة ثقة للاقتصاد المصري أمام المجتمع الدولي مضمونها وجوهرها أن مصر قادرة علي السير قدما نحو التنمية وتحقيق أهدافها الاستراتيجية وأنها قد عادت برؤية وثقة في قياداتها السياسية. واقع الأمر أن تقوية الجوانب الاقتصادية من أهم عوامل لعب دور اقليمي مصري فعال وإذا تقابل مصر عدة تحديات في هذا المجال بينها تحديات استوجبت تغيرا مماثلا في دور مصر الاقليمي و الدولي بعد أن واجهت مصر تقلصا في دورها الذي كان يمثل دوما أحد ادواتها المهمة لحماية امنها القومي. هذا التغير يستند عالميا و اقليميا الي ذلك التغير الجوهري في مفاهيم السياسة الدولية التي استندت علاقاتها وتفاعلاتها لنحو اربعة قرون علي الجغرافيا السياسية, ثم بدأت خلال العقدين الماضيين تستند تدريجيا ولكن بتردد الي الجغرافيا الاقتصادية حتي أسفرت عن نفسها بشكل واضح عبر مؤتمر شرم الشيخ الذي جسد رؤية استراتيجية متكاملة لمصر حتي عام2030. فمصر لا تستطيع مواجهة الارهاب الظلامي ولا مواجهة المتطلبات العاجلة للشعب المصري ولا لعب دور اقليمي باقتصاد ضعيف. ولا يعني ذلك أن اعتبارات الجغرافيا السياسية قد اختفت من الحسابات السياسية المصرية, بل سوف تبقي دوما حاضرا يستدعي الاهتمام و الترقب, وإنما المقصود هنا أن الاعتبارات الجيو اقتصادية قد اضحت عنصرا ملحا بجانب الجغرافيا السياسية. ويعرف المنظرون الجغرافيا السياسية أنه ذلك المفهوم في العلاقات الدولية الذي يركز علي أن دور الدولة القومية وأمنها القومي يتحددان بموقعها الجغرافي وتاريخها الذي هو حركة الجغرافيا في الزمن الذي تتم فيه تفاعلات البشر والقادة. ومن هنا فإن أهداف السياسة الخارجية و الأمن القومي تتحدد في الحفاظ علي بقاء الدولة وتكاملها الاقليمي وحماية قيمها العليا من العدوان الخارجي وتعظيم مصالحها القومية الأخري. فيما الجغرافيا الاقتصادية, علي الجانب الآخر, تمثل مفهوما أكثر تعقيدا, فبقاء الدولة وحماية تكاملها الاقليمي ليسا هما موضوع التهديد الخارجي للامن القومي أو النيل من مكانتها العالمية و الاقليمية وإنما حالتها الاقتصادية, وتماسكها الاجتماعي, وقدرتها علي مواجهة المنافسة الاقتصادية. ويعكس المفهوم الأول منظومة فكرية متكاملة عبرت عن نفسها في مدرسة القوة وبعض أشكال مدرسة النظم في العلاقات الدولية, والتي ركزت علي التوازن وتوازن القوي والقطبية كعامل مستقل و أساسي في تحديد العلاقات بين الدول و الامم والشعوب. أما المفهوم الثاني فيعكس منظومة فكرية اخري نظرت الي النظام الدولي بطريقة أكثر تعقيدا من مجرد تفاعلات بين الدول القومية و حكومتها حول الظواهر السياسية والأمنية المتعلقة ببقاء الدولة وسلامتها الاقليمية, حيث ادخلت فواعل أخري إلي نسق التفاعل التي تشكل النظام, ورفضت التأكيد فقط عل أبعاد الصراع والتنافس داخله وفي هذه المنظومة كما يري المنظرون جري التأكيد علي الدور الذي تلعبه الفواعل عابرة الحكومات وتلك العابرة للقوميات مثل الشركات المتعددة الجنسية وأسواق المال العالمية والمؤسسات, و المنظمات الدولية الوظيفية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وغيرها. ولا موجب كما يدعي بعض المنظرين للتضاد بين الاثنين. خبير في الشئون السياسية والاستراتيجية