صدر عن وحدة الدراسات المستقبلية بمكتبة الإسكندرية العدد الثاني عشر من سلسلة 'أوراق' بعنوان 'القوة الإليكترونية وأبعاد التحول في خصائص القوة' وهي من تأليف إيهاب خليفة الباحث بمركز المستقبل للدراسات المتقدمة. تتناول الورقة مفهوم القوة في السياسة الدولية وتحولاته في ظل صعود أنماط القوة الذكية والقوة الإليكترونية والسيبرية. ويقول الباحث إن مفهوم القوة قد شهد، منذ نهاية الحرب الباردة، جملة من التغيرات لمواكبة التطور الحادث في حقل العلاقات الدولية، خاصة ما يتعلق منها بمفهوم الأمن. ويمكن التمييز بين مستويين للتغير الذي طرأ علي مفهوم القوة، مستوي خاص بالعناصر المكونة للقوة، والأشكال المختلفة التي تتخذها القوة، ومستوي آخر خاص بالطرف الذي يمتلك القوة، خاصة مع امتلاك فاعلين من غير الدولة بعض مصادر القوة والتأثير في العلاقات الدولية، ومن ثم يسعي هذا الفصل لدراسة التغيرات التي أثرت علي أشكال القوة، ولما للتكنولوجيا الحديثة من أثر هام علي تطور ممارسة القوة والنفوذ في العلاقات الدولية ولما للمعلومة من أثر هام في حسم الصراعات الدولية، كان جدير بالملاحظة معرفة أثر التكنولوجية الحديثة والفضاء الإليكتروني علي مفهوم القوة وخصائصها وتحولاتها، كما أنه من الضروري الوقوف علي الفواعل والأطراف التي تمارس هذه القوة سواء كانت فواعل من الدول أو من غير الدول، وفي هذه الحالة يصبح مجال ممارسة القوة هو الفضاء الإليكتروني، وأطرافه هو الدول والفواعل من غير الدول، وأدواته برامج حاسوب وفيروسات إليكترونية. يتناول الجزء الأول من الدراسة مفهوم القوة في العلاقات الدولية وعلاقته بالفضاء الإليكتروني. ويري الباحث أنه علي الرغم من بساطة مفهوم القوة إلا أنه من الصعب تعريفها ولكنه يعرفها إجمالاً بأنها 'علي أنها القدرة علي التأثير في الآخرين للحصول منهم علي نتائج محددة يسعي الطرف الذي يقوم بعملية التأثير للحصول عليها، كما ربط 'هانز مورجنثاو' القوة بفكرة التأثير أو التحكم في المكاسب، وعرّف القوة بأنها القدرة علي التأثير في سلوك الآخرين، وقد استفاد عالم الاجتماع 'روبرت دال' من أفكار مورجنتاو حول القوة وقدم تعريفاً أكثر وضوحاً للقوة، حيث عرفها بأنها القدرة علي جعل الآخرين يقومون بأشياء متناقضة مع أولوياتهم، ما كانوا يقوموا بها لولا ممارسة تلك القدرة'، وانقسمت تعريفات القوة بين إيضاح شكلها المادي القهري المعروف بالقوة الصلبة، والقوة الناعمة التي توسع من سبل التأثير علي الفواعل الأخري في العلاقات الدولية. ويؤكد الباحث أن ازدياد وزن التكنولوجيا قد أدي إلي تحولات كبري علي مفهوم القوة من عدة أوجه من أهمها تغير أشكال القوة بين القوة الصلبة والناعمة. فعبر القرون، وازدهار التكنولوجيا وتطورها، تغيرت مصادر القوة، فلم تعد تلك المصادر التقليدية التي تميزت بها القوي الدولية التقليدية في قرون ماضية، فعلي سبيل المثال كان عنصر السكان أحد مصادر القوة، وذلك من خلال دفع الضرائب التي تستخدم في التمويل العسكري وتجنيد المواطنين الصالحين في الجيش، وكان عنصر حاسم في المعارك الحربية، بينما نجد حالياً أن امتلاك التكنولوجيا العسكرية الحديثة كالأسلحة الغير تقليدية، أصبح له الأولوية في تحقيق الردع والتفوق العسكري. وتشكل القوة الناعمة أحد أشكال القوة التي تستخدمها الدول في سياستها الخارجية وتشكل إطار عام من الأنماط والسلوكيات الثقافية التي تسعي من خلالها الدول لنشرها علي المستوي الخارجي من أجل تحقيق أهدافها. وذلك عبر مجتمع المعلومات مثل: نشر الأفكار والمعلومات، ودعم قنوات البث الإذاعي والإرسال التلفزيوني، وترويج سلع ثقافية وخدمات وبرامج معلوماتية يكون هدفها دعم المعارضة للنظم القائمة. ويعرف الباحث الفضاء الإليكتروني باعتباره مجالاً جديدًا لاختبار القوة في العلاقات الدولية علي أنه مجموعة المعلومات المتوفرة إليكترونياً ويتم تبادلها وتشكيلها في مجموعات بناء علي استخدامها، ويعمل الفضاء الإليكتروني تحت ظروف مادية غير تقليدية حيث يكون وسيطاً عبر العمل من خلال أجهزة الكمبيوتر وشبكات الاتصال، حيث يختلف عن الجو أو الفضاء الخارجي في أن الفضاء الإليكتروني يعمل وفق قوانين فيزيائية مختلفة عن قوانين الفضاء الخارجي، فمثلاً لا تزن المعلومات شيئاً ولا تمتلك كتلة مادية وبإمكان المعلومات أن تظهر للوجود وتختفي منه ويتم تعديل وتبادل المعلومات خلال نظم مرتبطة بالبنية التحتية، ويتطلب الفضاء الإليكتروني وجود هيكل مادي من أجهزة الكمبيوتر وخطوط الاتصالات ومن ثم فإن ما يعمل داخل هذه الأجهزة يمثل نمطاً من القوة والسيطرة، وتصبح القيمة الحقيقة للفضاء الإليكتروني هي الاستفادة من كم المعلومات الموجودة داخله والمساهمة في التحكم بها في إطار وشكل إليكتروني. لقد أوضحت العولمة الكوكبية التي يعيشها العالم قدرة الفواعل الدوليين من دول قومية ومنظمات دولية حكومية وغير حكومية وحركات تحررية واجتماعية دولية وحتي المنظمات الإرهابية علي استخدام القوة الإليكترونية في تحقيق أهدافها. لذا أصبحت هناك علاقة وثيقة بين الأمن الدولي والفضاء الإليكتروني حيث يوجد المحتوي المعلومات العسكري والأمني والفكري والسياسي والاجتماعي والاقتصادي والخدمي والعلمي والبحثي في الفضاء الإليكتروني، خاصة مع التوسع في تبني الحكومات الإليكترونية من جانب العديد من الدول واتساع نطاق مستخدمي وسائل الاتصال وتكنولوجيا المعلومات في العالم حيث تصبح قواعد البيانات القومية في حالة انكشاف خارجي، وهذا ما يعرضها لخطر التعرض لهجمات الفضاء الإليكتروني إلي جانب الدعاية والمعلومات المضللة ونشر الشائعات أو الدعوة لأعمال تحريض أو دعم المعارضة الداخلية للنظام الحاكم. وتوضح الدراسة عناصر القوة الإليكترونية وكيفية تطويع كل عنصر في تفاعلات القوة الدولية، كما تشير إلي أبرز الأمثلة علي الصراعات الإليكترونية بين الأقطاب الدولية ولعل أهم هذه الأمثلة الصراع بين الولاياتالمتحدة والصين، ومحاولة الأخيرة كسر احتكار شركات التكنولوجيا الأمريكية وكذلك حماية نظامها الداخلي من تأثيرات التكنولوجيا الغربية وحتي عدم اعترافها بحقوق ملكية الشركات الغربية علي احتكارها. وكذلك تشير الدراسة إلي استخدام الإرهاب الدولي ومنظماته النشطة داخليا وخارجيًّا لوسائل الاتصال للترويج لأعمالها وشن حملات علي خصومها وصولاً إلي ممارسة نوع من الإرهاب الإليكتروني علي هؤلاء الخصوم واختراق نظمهم لتكبيدهم خسائر فادحة. وتنتهي الدراسة إلي أن أشكال القوة تتغير بتغير التكنولوجيا، وقد أثر الفضاء الإليكتروني علي الأشكال التقليدية للقوة، وطرح مفهوم وشكل جديد هو القوة الإليكترونية، وقد كان لهذا الشكل الجديد دور في بلورة مفهوم انتشار القوة، وتعدد الفاعلين الممارسين لها سواء من الدول أو من غير الدول، مما هدد الدور التقليدي للدول وقلل من سيادتها علي إقليمها، ولم ينتهي الأمر عند ذلك، حيث ظهرت أشكال جديدة من الأسلحة، فعلي الرغم من ضآلة حجمها الذي لا يتعدي كيلوبايتس وقلة تكلفتها، إلا أنها تسبب خسائر فادحة علي مختلف المستويات الاقتصادية والسياسية والعسكرية، بل وعلي المستوي الشخصي والفردي، فالضحية في هذه الحالة كل مشترك في خدمة الانترنت، فالخسائر لا تعترف بالنوع ولا العمر ولا الإقليم، وبالتالي فمن الضروري وضع أطر حاكمة لاستخدامات هذه القوة وتقنينها بما يعمل علي تحقيق الأمن الشخصي للمواطن، والأمن الدولي لمختلف الفواعل الدولية.